bull;السعودية تشهد اليوم نهضة تعليمية غير مسبوقة وتتوسع في إنشاء المدارس والجامعات.
bull;الكاتب يدعو إلى تطوير التعليم، وتخليصه من مختطفيه ممن ينتمون إلى التيار السلفي المتشدد
bull;مصطلح quot; داعيةquot; الأكثر رواجا وحديث الدعوة عن الموت والحجاب والأحلام.
bull;المجتمع السعودي تعرض لأدلجة عاتية طوال الأربعين عاما الماضية.
يشكل التعليم في السعودية رافدا كبيرا من روافد التنمية والبناء، خاصة بعد مضى أكثر من نصف قرن على وجود التعليم بشكل رسمي منتظم، قبل استهلاله في الكتاتيب وبعض المدارس الخاصة بالحجاز، حيث تم إنشاء وزارة المعارف خلال عهد الملك سعود في العام 1953، ثم السماح بتعليم المرأة في عهد الملك فيصل منتصف ستينيات القرن العشرين، بعد اعتراضات هائلة من جانب الشيوخ والأهالي الرافضين لتعليم البنات.
ولأن السعودية تشكل إحدى الدول العربية النامية، فقد سعت إلى القفز بسرعة لتقدم مستويات تعليمية ناهضة، خاصة بعد الطفرة النفطية التي شهدتها عقب حرب أكتوبر في العام 1973، وهي اليوم تشهد نهضة تعليمية غير مسبوقة في مختلف مراحل التعليم العام والجامعي، تتمثل في وفرة عدد الطلاب والطالبات، والتوسع في إنشاء المدارس والجامعات.
بيد أن هذا كله لم يمنع الكتابات القارئة للواقع التعليمي خاصة في مراحله الأولى، من متابعة هذا الواقع، حيث يقدم الكاتب الدكتور حمزة بن قبلان المزيني رؤية ناقدة للتعليم، من خلال مجموعة متنوعة من المقالات التي جمعها في كتاب صدر حديثا بعنوان: quot; اختطاف التعليم في المملكة العربية السعوديةquot; صدر عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت( الطبعة الأولى 2010) وحاز على إقبال كبير في معرض الرياض للكتاب (مارس 2010).
يحوي هذا الكتاب بعض المقالات التي اختصت بنقد التعليم من حيث المناهج والجو المدرسي والنشاطات التي تقام في المدارس، بالإضافة إلى سياسات التعليم في السعودية التي توجه العملية التعليمية، وترسم لها الإطار الذي تعمل فيه.
كان الكاتب قد نشر هذه المقالات في صحيفة الوطن خلال السنوات الثماني الماضية، وكان لهذه المقالات صدى واسع حين نشرت، فكان هناك من يتفق معها، ومن يرفضها، وكانت مجالا لنقاش واسع لم يكن موضوعيا في أكثره، ذلك أن بعض المواقع المتطرفة تخصصت في تسفيه هذه المقالات وصاحبها، وشوهتها بالإضافة إلى تشويه سمعة كاتبها.
يتضمن الكتاب (47) مقالة، تدور حول التعليم العام في السعودية، وما يرتبط بالعملية التعليمية من مناهج، ووسائل تعليمية، وما يحدد العلاقة بين الطالب، والمعلم، والإداري، والمسؤول.
والهدف الجوهري من الكتاب يتمثل في الدعوة إلى تطوير التعليم، وتخليصه من مختطفيه ممن ينتمون إلى التيار السلفي المتشدد؟ فكيف قدم الكاتب هذه الدعوة؟ وما مبرراته التي أزجاها للقارىء؟
سعة الوطن:
تحت عنوان: quot; الوطن يسعنا جميعاquot; يستهل المزيني كتابه بمقدمة ضافية حول الوحدة الوطنية، وكأنه يقدم تقليدا مباشرا نجده في معظم الكتب التي قد توصف بأنها كتب جريئة، أو غير مهادنة، وهذا التقليد ربما لا يكون مجديا تماما، حين يدعو الداعي إلى تغيير منهج أو فكرة، وربما يتعارض مع الكتب الصدامية التي تسعى لتبديل مسلمة أو الإغارة على مفهوم أو فكرة، لدى طائفة أو فئة أو تيار، مع ذلك يشير المزيني إلى أن الوطن ndash; السعودية ndash; quot; يتألف من طيف عريض يتوزع على متواصل شديد التنوع والتعقيد من الطوائف التي تنتمي جميعها إلى الإسلام، وكان من المفروض والمتوقع أن يكون هذا التنوع مصدرا ثريا نستمد منه عناصر القوة التي لا تأتي إلا من تفاعل العناصر المتنوعةquot; ويستدرك الكاتب : quot; هذا التنوع صار يمثل عاملا من عوامل الفرقة والتشرذم، ويوجب هذا علينا جميعا العمل على دراسة العوامل التي تؤدي إلى التنابذ والحد من خطرها والعوامل التي تؤدي إلى التلاحم وتنميتها ونشرهاquot;.
ويؤكد الكاتب هنا على أن التيار السلفي هو المهيمن، وهذه الطوائف تعد في مقياس هذا التيارquot; غير موجودة ولا شرعية لهاquot; بل: quot; ويوصف بعضها بأوصاف ربما تخرجها عن دائرة الإسلام الصحيحquot;.
سلفنة التعليم:
تتمثل هيمنة التيار السلفي في التعليم ndash; فيما يوضح المزيني- في قصر تعليم الدين على ما يراه هذا التيار خاصة في مادة التوحيد، والاختلافات العقائدية التي فرقت بين المسلمين لم تكن في الفقه، بل كانت في ما تسميه الطوائف الإسلامية المختلفة بquot; العقيدة الإسلاميةquot; وهو ما تعمل مادة التوحيد في مراحل التعليم العام على بيان ما يجب على المسلم اعتناقه من quot; عقيدة صحيحةquot; ومن المعلوم أن التيار السلفي ينظر من خلال هذا الشكل quot; للعقيدةquot; إلى كثير من المسلمين على أنهم ليسوا على هدى في اختياراتهم العقائدية ويصنفهم على أنهم quot; مبتدعةquot; وهو وصف يمكن أن يصل إلى حد التكفير.
وهذا ما يجعل كثيرا من الآباء السعوديين المسلمين - والأمهات السعوديات المسلمات ndash; يشتكون من أن أبناءهم وبناتهم يتعلمون في المدارس الرسمية ما يكاد يكون تكفيرا لهم، ويزيد الأمر سوءا أن هؤلاء المواطنين والمواطنات لا تتاح لهم الفرصة لتوضيح ما يؤمنون به من quot; عقيدةquot;.
ويشير الكاتب إلى وجود ظاهرة quot; التصنيف المذهبيquot; ومن مظاهره أن بعض المناهج الدراسية لا تزال تتضمن تنقصا من بعض المذاهب، ولا تزال بعض الفتاوى تصدر في التشنيع عليها، وهناك بعض الكتاب يشككون في ولاء المنتسبين إلى هذه المذاهب للوطن.. وهنا يدعو الكاتب إلى احترام ثقافة الرأي والرأي الآخر، ونشر ثقافة حقوق الإنسان.
وينتقد الكاتب في معرض رد له على وزير التعليم السابق الدكتور محمد الرشيد المناهج الدراسية خاصة اللغة العربية، والتربية الوطنية، وينتقد المستويات اللغوية والثقافية والفكرية المتدنية جدا عند أغلب خريجي الثانويات الذين يزج بهم إلى الجامعات التي تحاول أن تصلح شيئا من تلك المستويات بعد فوات الأوان.
إنها صورة سلبية تماما يقدمها المزيني للمناهج الدراسية، فهي المصدر الأول لعيوب التعليم كلها، وهي مكتوبة بلغة رثة لا يمكن لها أن تساعد الطلاب على تكوين ملكات لغوية سوية، أما الموضوعات التي تتضمنها فأكثرها لا علاقة له بتربية ملكة التخيل والاستنباط والتحليل، فأغلبها لا يزيد عن كونه جرعات من التعبير الرديء، وهي تنحو إلى تناول الأمور بشكل زاه مفتعل خادع تغلب عليه المبالغة.
ثقافة الموت:
يعلق الدكتور حمزة المزيني في مقالة له بعنوان:quot; ثقافة الموت في مدارسناquot; على نشاط مدرسي تم في إحدى المدارس المتوسطة حيث قدم النشاط نموذجا لميت ملفوف بكفن، ثم حفرة تمثل القبر، ويصحب ذلك بشريط تسجيلي لعملية غسل الميت وموعظة باكية تبين أحوال القبر وأهواله، ويعلق على هذا النشاط بأن وقع هذه المشاهد كان قاسيا على كثير من الطلاب الذين أصيبوا بهلع وخوف شديدين، خاصة وأن أعمارهم لا تزيد عن خمس عشرة سنة، وهم أكثر عرضة للوقوع فريسة للخوف والوساوس والأحلام المخيفة في هذه السن الغضة. ويورد المزيني أنشطة أخرى مشابهة تمت في عدد من المدارس، ومحاضرات في المدارس تدعو الطلاب إلى الانضمام إلى التيار الذي يطلقون عليه quot; تيار الصحوة الإسلاميةquot; أو quot; تيار الدعوةquot; وهو الذي كثيرا ما ينتهي إلى quot; تيار الجهادquot;.
ويرى المزيني أن هذه الأنشطة والعروض ليست إلا مثالا لثقافة الموت التي انتشرت مؤخرا في مجتمعنا، فهناك إصرار عجيب من بعض الوعاظ على المبالغة في تضمين مواعظهم التخويف من عذاب القبر وأهواله، والكلام عن أحوال الموتى، وهو يرى أيضا أن هذا يعرض كثير من الناس للأمراض النفسية والوساس، فهذه الطرق لبث الرعب والقلق في نفوس الناس من أهم المصادر لأكثر هذه الأمراض خاصة عند الصغار.
ويعزو المزيني هذه الثقافة الوعظية الموتية إلى أنها طريقة تضمن بذر الخوف في نفوس الشباب مما يجعلهم أكثر تقبلا لما يوعظون به بعد ذلك، وتشبع الشباب بفكرة الموت يزهدهم في الدنيا ويجعلهم أكثر قبولا للانخراط في النشاطات الدينية التي يمكن أن يديرها أناس لهم أغراض خفية.
ويشير الكاتب إلى أننا أصبحنا محاطين بما يسمى quot; الدعوةquot; وأن عددا من المعلمين أصبحوا quot; دعاةquot; في المدارس، وأصبح مصطلح:quot; داعيةquot; من أكثر المصطلحات رواجا، وأن الموضوعات التي أصبحت منتشرة ومتكررة تتمثل في: الموت، والحجاب، وتفسير الأحلام، والجهاد، وكيف تكون سعيدا، وخطر العشق، وقد تسرب هذا الجو العام إلى المدارس، فلم يعد الحديث عن الدين مقصورا على مدرسي المواد الدينية بل أصبح مدرسو المواد الأخرى يشاركونهم فيه إذ ينشغل كثير منهم عن تدريس المواد التي يكلفون بتدريسها بquot; الدعوة إلى اللهquot;، ولم يقتصر الأمر على مدرسي المواد الإنسانية والأدبية بل وصل إلى مدرسي الرياضيات أو علوم الطبيعة أو الكيمياء، وهذا إجحاف بالوظيفة التعليمية مما جعل الطلاب لا يتلقون تعليما صحيحا بقدر ما يتلقون فيضا من المواعظ، وأكثرها يتعلق بالموت، والدجال، والسحر، والأحلام، والجهاد، والحجاب، وتغسيل الميت.
ويؤكد المزيني على أن المجتمع السعودي تعرض لموجة عاتية من الأدلجة التي اتخذت طابعا إسلاميا خلال الأربعين سنة، ومن أسبابها، وفود أعداد كبيرة من الحزبيين quot; الإسلاميينquot; من مختلف البلاد العربية الذين كانت لهم حظوة فتولوا رسم خطط التعليم العام ووضعوا مناهجه، وانتشار كتب الإخوان المسلمين ومجلاتهم، وانتشرت كتب أبي الحسن الندوي، والمودودي، وسيد قطب. وازدياد التركيز على المظاهر الخارجية للتدين، وكانت من أبرز القضايا التي استحوذت على الاهتمام: قضية المرأة، وتقصير الثياب والسواك ووضع اليدين في الصلاة، والمسح على الخفين، وتحريم الغناء والموسيقى والتصوير، والتطيب والتداوي بالعسل، والرقى والكلام عن الحسد والسحر والعين والأحلام والرؤى، ونتج عن ذلك إصابة المجتمع بما يشبه quot; الوسوسةquot; عن كثير من هذه القضايا، والهجمة الشرسة على ما كان يسمى بquot; الحداثةquot; والتوسع المفرط في الحديث عن quot; أسلمة العلومquot; وquot; الأدب الإسلاميquot; وquot; الإعجاز العلمي في القرآنquot; وكان أكثره حديثا إيديولوجيا تعبويا، وسيادة الخطاب الجهادي خاصة بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان، وانتشار ما يسمى بquot; الشريط الإسلاميquot; وتحول المراكز الصيفية إلى مخيماتquot; دعويةquot;، وقد تسربت هذه الأدلجة إلى المدارس، ويطالب الكاتب بترشيد الخطاب الديني خارج المدارس وإصلاح المناهج وجعل المدارس أماكن للبهجة والتعلم الحقيقي.
اختطاف التعليم:
يتحدث المزيني في مقالته:quot; اختطاف التعليمquot; عن تعدد الإشراف على التعليم في السعودية، ويجعل هذا التعدد بمثابة اختطاف للتعليم، ذلك أن كل جهة تغير على هذا الرصيد من أبناء الوطن وتحتجز جزءا منه في سنوات التعليم الأساسي وتصوغ منه قبيلا مختلفا، وعلى الرغم من أن التعليم قد تم توحيده منذ سنوات في السعودية تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، بعد دمج الرئاسة العام لتعليم البنات في الوزارة، فإن السياسات والتقاليد والقواعد ظلت على ما كانت عليه خلال الأربعين سنة الماضية، حيث انصرفت البنات إلى دراسة التخصصات الإنسانية، مما أحدث فراغا في تخصصات أخرى يحتاجها المجتمع السعودي، وكان ذلك سببا في تحجيم وظيفة المرأة وعزلها عن ممارسة كثير من الوظائف المهمة، ويلحق عدد كبير من الطلاب بمدارس تحفيظ القرآن، كما يلحق عدد آخر بquot; المعاهد العلميةquot; التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ويتوجه أكثر من ثمانين بالمائة من الطلاب إلى التخصصات الأدبية والشرعية والإدارية، مما يخرجهم من العصر الحاضر، والحرمان من التزود بالمعرفة العلمية الضرورية، ويجعلهم يمثلون النسبة الأعلى من العاطلين عن العمل. ويوجب هذا كله ndash; كما يقول الكاتب- إعادة النظر في توحيد الإشراف على التعليم الأساسي وإعطاء الأولوية للتعليم الذي يؤهل الطلاب للتخصص في المجالات العلمية التي يحتاجها سوق العمل وتحتاجها البلاد في الأمد الطويل من أجل التقدم في الميادين المعاصرة.
التعليقات