عبدالله السمطي من الرياض: ما الذي حدا بالشاعر السعودي محمد مسير مباركي أن يهاجر إلى اليمن، ويقيم فيه بشكل دائم، بل ويحصل على الجنسية اليمنية؟ في سابقة نادرة ربما لم تحدث من قبل من مثقف أو أديب سعودي في العقود الأخيرة؟ لأن العكس هو ما يحدث إذ يسعى أبناء اليمن السعيد للحصول على الجنسية السعودية للتمتع بميزات الحياة السعودية، وهناك أعداد كبيرة من السعوديين من أصول يمنية.
فهل سدت منافذ العمل أو النشر والكتابة أمام مباركي فآثر أن يترك السعودية ليبحث عن فرصة عمل هناك؟ أم أنه شعر بالإحباط من الواقع الثقافي الذي ربما لا يلتفت كثيرا إلى المبدعين خارج العاصمة وخارج المدن الكبرى؟
أم أنه وجد من ترحيب المنابر الثقافية به ووزارة الثقافة اليمنية التي طبعت له أكثر من ديوان فرصة للشعور بالذات الشاعرة المتمردة خارج الوطن؟ الوطن الذي ربما رأى أنه لم يستوعب تجربته الشعرية ولم يعطها حقها المأمول؟
أسئلة كثيرة تحيط بهذه الهجرة التي تمت في السنوات الخمس الماضية، وفي هذا التقرير نعرض لرحلة الشاعر محمد مسير مباركي الصحفية والشعرية والثقافية التي قادته إلى التوجه لليمن.
لم يكن الشاعر محمد مسير مباركي ( 36 عاما) يتصور وهو يسافر إلى اليمن للمشاركة في إحدى المهرجانات الشعرية أنه سيقيم هناك بشكل دائم، فمباركي كان أحد الشعراء الشباب البارزين الذين يعول عليهم لإحداث نقلة في الشعر السعودي الحديث، ففي دواوينه الثلاثة التي أصدرها على نفقته قبيل هجرته إلى اليمن والتي تحمل عناوين: تماهي منبتquot; و quot; منسك للسريرة في حرم الرملquot; وquot; الغيد الصناديد والرجال الحائضونquot; قدم مباركي شعرية مختلفة تتماهي فيها شخصية الشاعر وتجربته في الصور والأخيلة والمضامين التي تحملها قصائده، حيث يركز على تجربة الألم، والفقد، والتمرد، وهي خواص تنسرب في مكامن نصوصه وكتاباته التي تنطوي أيضا على قدر من السخرية والمفارقة، السخرية من العالم، والواقع، والناس، بل ومن ذاته الشاعرة أيضا.
وفي تصديره لديوان:quot; منسك للسريرة في حرم الرمل يقول:
إلى الخطايا الخالدة: الكبت والقهر والغربة
إلى خليع الفيافي الشنفرى
ومخلوع المدينة.. أنا
إلى البيانو الذي يسمونه: ليلى
لقد جمعت في هذه الباكورة ما يدينني، وما يشي بي، وينم علي، مبتهلا بخطيئاتي إلى شفيع من صدق الحرف، وشفافية اللحظة الشعرية.
لا أحسبك حين تقرأني تلتمس نبضا هادئا ومستسلما، وإنما ستأنس ndash; إذا آنست روح القصيدة في جسدها- ثائرا وجد حتفه نصيرا فوالاه، هذا إذا كنت تعتقد معي:
أنني المريض النفسي الوحيد في هذا العالم، الذي لا يقبله الأطباء النفسانيون في مصحاتهم الرشيدة، وهذا حلمي الذي تحقق، والأحلام ndash; كما تعلم- هي المدة الوجيزة التي نكون فيها مجانين بأمان.
كنت ndash; وأظنني ما زلت- أتلو هبات الريح في صلوات الجناز، وأرفو على اليقين تابوت الشك، وأسأل الأجنة في الأرحام حق الموتى على الأحياء، وكلما نمت بداخلي نمرودة شقية، فوّفتها ببوتقة أشقى، لا تجيد الغناء ولكنها تنتشي بالرقص على الجراح، وتثمل من لعق رغد الإحباط المترنح.

ويقدم سيرته الذاتية في تصديره ديوانه:quot; نبوءة quot; كالتالي:
الاسم: محمد مسير مباركي.
الشهرة: الشنفرى الأكبر.
العمر: 30 إحباطا.
البرج: يقال إنه الأسد رغم أن القرود هي المستأسدة.
الهوايات: القراءة و الكتابة و البكاء.
الخبرات العلمية: يقرأ و يكتب.
الخبرات العملية: موظف في وادي عبقر بمرتبة ( شاعر صعلوك).
الخبرات القرائية: قراءة كتاب ( عقلاء المجانين ).
المرتب: حزن و بؤس و شقاء يومي.
الحالة الإنسانية: متمرد و ثائر على الورق فقط للأسف الشديد.

صدر للمؤلف: تماهي منبت بيع منه 60 نسخة و البقية إهداءات نفاق.
( منسك للسريرة في حرم الرمل ) و بيع منه 78 نسخة و البقية إهداءات مِراء.
( الغيد الصناديد و الرجال الحائضون ) و بيع منه 300 نسخة و البقية إهداءات رياء

عمل محمد مسير مباركي في صحيفة عكاظ بمدينة جدة لفترة قصيرة ثم انتقل للعمل بمكتب القاهرة مراسلا لعكاظ مدة أربع سنوات، وحين عاد للسعودية عمل مصححا لغويا في صحيفة الوطن براتب بسيط لم يكن يفي بمتطلباته الشخصية والأسرية، فهو أب لسبعة أطفال من زوجتين: سعودية، ومصرية، ولعل هذا ما دفعه إلى التوجه للعمل الحر ndash; بالإضافة إلى عمله بصحيفة الوطن الذي لم يكن منتظما فيه تماما - حيث عمل سائقا ndash; غير منتظم أيضا- على سيارة يقوم بتأجيرها على خط: جازان ndash; صبيا جنوب السعودية.
وحين ذهب للمشاركة في مهرجان شعري بصنعاء قوبل مباركي بحفاوة كبيرة هناك، وكتب عنه عدد من النقاد على رأسهم الدكتور عبدالعزيز المقالح، واهتمت به وزارة الثقافة اليمنية وقامت بنشر ديوان شعري له بعنوان: quot; نبوءة quot; في طبعة زاهية، واهتم به وزير الثقافة اليمني خالد الرويشان.
ترى هل هذه الحفاوة وهذا الاهتمام من كبار المثقفين اليمنيين هو ما جعل الشاعر محمد مسير مباركي يقيم بشكل دائم في اليمن، مغيرا جنسيته السعودية إلى اليمنية؟ وإذا كانت الشخصية قد تغيرت جنسيتها؟ فكيف يمكن للشعر أن يغير جنسيته؟؟!!