على الرغم من أن ديننا الإسلامي يؤكد من خلال القرآن الكريم على أن أمة الإسلام هي خير أمة قد أخرجت للناس، وعلى الرغم من أن الرسالة الخاتمة رسالة الإسلام تركز على أداء أركان الإسلام الخمسة من شهادة التوحيد إلى الصلاة والزكاة والصوم والحج، بحثا عن تطهير النفوس، وتجديد الأرواح وتنقيتها من الشرور والسيئات، على الرغم من ذلك كله فإن من ينظر لحال المسلمين في العالم اليوم، وإلى أفعالهم وأقوالهم لا يرى اختلافا كبيرا بينهم وبين الأمم الأخرى، بل يشهد تماما أن الفعل الإنساني فعل متشابه، ومتقارب إلى درجة التطابق.
إن الدين، أي دين، ينطوي على جملة من الشعائر والطقوس والفرائض، وفي الأديان السماوية ترتبط هذه الأشياء بالخالق ndash; عز وجل-، ويتوجه الإنسان في الأديان السماوية إلى الخالق طلبا للمغفرة والرحمة، وطلبا للثواب الإلهي المنجي من العقاب، وطلبا للرزق أيضا.
وتتشابه الأديان الأخرى غير السماوية في هذه الطقوس التي تتوجه للأرض في البوذية والكونفوشوسية، أو إلى الحيوان كما في بعض الديانات الهندية، أو إلى النار كما في المجوسية، أو إلى الزعيم والقائد كما لدى بعض القبائل الإفريقية. فالطقوس والشعائر التي تتضمن القراءات والتمتمات والتعويذات، وأداء الحركات الجسمانية، والإشارات باليدين أو بالأذرع، او بالعينين، تجدها نفسها متكررة بشكل أو بآخر يتقارب أو يتباعد مع طقوس وشعائر الأديان السماوية الثلاثة.
وإذا كان الإسلام هو خاتمة الرسالات السماوية، وجاء الرسول الكريم (ص) ليتمم مكارم الأخلاق، فإن من ينظر إلى الأديان السابقة التي نسخها الإسلام، سيجد أنها تركز أيضا على براءة الفعل الإنساني، وعلى التحلي بالقيم الإنسانية من التسامح والصبر والإخلاص والعبادة والرحمة، بيد أنها quot;حرفتquot; عن مواضعها، كما ذكر القرآن الكريم.
وعلى الرغم من هذا التحريف من جانب، وهذا الإيمان بالدين السماوي الخاتم من جانب آخر، فإن الفعل الإنساني ما يزال متشابها في كل أنحاء العالم. فلم يختلف المسلم في أقواله وأفعاله عن أي إنسان آخر في الدنيا يدين بديانة أخرى سواء سماوية أم غير سماوية، يهودية كانت أم مسيحية أم بوذية، أو لأية طائفة أو مذهب من المذاهب. وباستعارة من مولانا أبي الطيب المتنبي، فقد تعددت الأديان وظل الفعل الإنساني واحدا.
إن أفعال المسلم اليوم، وممارسته للحياة لا تختلف كثيرا عن أفعال المسيحي أو اليهودي أو الشرقي أو الغربي في أي مكان في العالم. فلم يمنح الدين الإسلامي، وأي دين آخر، حصانة للإنسان كي يقوم أفعاله وأقواله. فإذا كان المسلم يزكي ويتبرع ويدفع الضرائب، ففي المقابل يتبرع الخيرون من أنحاء العالم، ويقيمون الجمعيات الخيرية التي تهدف إلى تأمين الإنسان ضد الجوع والفقر والمرض، وتبرعات بيل جيتس بنصف ثروته مشهودة.
وإذا كان المسلم في حياته يقع بين فعلي: الخير والشر، فالأمر نفسه موجود لدى الأديان الأخرى سماوية وأرضية، إذ يشترك بنو الإنسان جميعا في القيم والأخلاق، ويشتركون في التعامل مع جميع الشركات والمؤسسات والمنابر بذهنية متقاربة، خاصة في التعامل مع البنوك، وحركة المال والاقتصاد، والبيع، والشراء والتجارة، والاستيراد والتصدير، بل في الموضة، ونوعية الأزياء، وقصات الشعر، واختيار الطعام والشراب، بل وفي الفساد أيضا، حيث توجد الرشوة، وغسيل الأموال، والسرقة، والتأخر في الذهاب عن العمل، والهروب من المعركة، والغش التجاري، والكذب الإعلاني، وفي التسلط، والقهر، وغياب العدالة في أغلب المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية والغربية، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الفعل الإنساني واحد، ومتقارب، ولا يتسنى لنا أن نؤكد اليوم على أن هذا مجتمع خير، وهذا مجتمع شرير، وأن هذه ديار مباركة، وديار خير، وهذه ديار فسق وفجور. فالمسألة ترتبط دائما بالظاهر والباطن، وهي أمور تعزى في التحليل الأخير إلى الفعل الإنساني.
إن الدين يظل رمزا أو شعارا، بقيمه، وطقوسه، وفرائضه، لكن القدرة الإنسانية لا تتمثل في تطبيق هذه الأمور، إنما تتمثل في انعكاسها على السلوك الإنساني، وعلى الفعل، والتعامل المثالي في إقامة العلاقة مع الآخرين.. وهنا نشير إلى المقولة الإسلامية الفذة التي تلخص كل الطقوس والشعائر والفرائض مقولة: quot; الدين المعاملةquot;.