حسن النعمي يناقش الرواية السعودية وواقعها وتحولاتها
* أربع مراحل شكلت الرواية السعودية ونقلتها من التأسيس إلى طفرة التحولات الكبرى
* بدءًا من العام 2000 نشر السعوديون 271 رواية تخطت كميًا كل ما نشر طوال سبعين عامًا
* الناشر العربي أغرى الكثير من الكتاب والكاتبات بالنشر على حساب القيمة الفنية.
* الرواية السعودية كاشفت المسكوت عنه وأفضلها روايات القصيبي والحمد وخال ورجاء عالم.

عبدالله السمطي من الرياض: انتقد الدكتور حسن النعمي أستاذ الأدب الحديث بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، سعي بعض الروائيين السعوديين إلى الظهور والانتشار في عصر الإعلام، مسايرة لموجة الرواية، وهو ما أوقع بعضهم في الكتابة لمجرد الكتابة رغبة في الظهور والانتشار في زمن الانتشار السريع، فسهولة النشر واندفاع الناشرين العرب لاستقبال الروايات السعودية الجديدة أغرى الكثير من الكتاب والكاتبات بالنشر. حيثأدى الناشر العربي دورًا بارزًا في الترويج للجرأة الروائية على حساب القيمة الفنية، رغبة في الكسب المادي الصرف.
جاء هذا النقد في سياق قراءته الظاهرة الروائية السعودية في أحدث كتاب نقدي له بعنوان:quot; الرواية السعودية: واقعها وتحولاتهاquot; الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام الطبعة الأولى 1430هـ 2009م، يشتمل الكتاب على ثلاثة فصول، الأول: يناقش فيه الكاتب مراحل تطور الرواية السعودية بدءًا من صدور رواية: quot;التوأمانquot; لعبدالقدوس الأنصاري في العام 1930م حتى العام 2008م والثاني يعالج مسألة مضمون الخطاب الروائي من خلال قراءة عدد من النماذج الروائية ناقشت مواضيع مثل: الآخر في الرواية السعودية، وموقع الرجل في الرواية النسائية، أما الفصل الثالث فيناقش فيه الكاتب تطور البناء السردي متخذًا عددًا من النماذج الروائية عند عبدالعزيز مشري وغازي القصيبي، وعبده خال، ورجاء عالم، مركزًا على قراءة البنية النصية وبنية الحكي.
إن الاهتمام النقدي بالرواية السعودية يظل في حال اطراد دائم للمتابعة وقراءة الإصدارات الروائية السعودية المتتالية التي شكلت ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ الأدبي السعودي، فالروايات السعودية تصدر بشكل متوال من بيروت والقاهرة ولندن، من البحرين والأردن، فضلا عما يصدر من روايات من داخل السعودية. أصبحت اللحظة الإبداعية السعودية الراهنة لحظة سردية بامتياز، بسبب الإقبال الكتابي على كتابة الرواية من مختلف فئات الكتاب: قاصين، وشعراء، وروائيين، وإعلاميين، وصحافيين، وكتاب زوايا وكتاب رأي بالصحف اليومية السعودية، فضلا عما تحققه الرواية النسوية من مساحات جديدة مدفوعة بهذا الزخم الإعلامي والثقافي الذي أحدثه صدور رواية:quot; بنات الرياضquot; للكاتبة رجاء الصانع في العام 2005 من جهة، والإقبال القرائي الذي يتجلى في إعادة طبع بعض هذه الروايات أكثر من طبعة.
كما تلقى الرواية عناية إعلامية تتجلى في متابعتها عبر الملاحق الثقافية بالصحف السعودية خاصة ملحق: quot;ثقافة اليومquot; بصحيفة الرياض، وملحق: quot;الأربعاءquot; بصحيفة المدينة، وملحق: quot;الثقافيةquot; بصحيفة الجزيرة.
مواكبة فنية:
لعل السؤال الأكثر إثارة في هذا الكتاب يتمثل في السؤال عن القيمة الفنية للرواية السعودية، ومدى مواكبتها للفن الروائي العربي والعالمي، وهو السؤال الذي يثير قلقًا منهجيًا لدى متابعي الرواية السعودية. فيشير المؤلف إلى أننا أمام تجربة روائية عمرها قصير، خاضعة في نموها لمجتمع متحول ومتغير تبعا للظروف المحيطة به، ويومئ في هذا السياق إلى وجود مرحلتين للرواية السعودية تتمثلان في: النشأة والتأسيس حيث تواضع التجربة الفنية في هاتين المرحلتين.
وفي المرحلة الثالثة التي يسمهيها المؤلف بـquot;مرحلة الانطلاقquot; وتبدأ من ثمانينات القرن العشرين، حيث تبدأ مسيرة التنمية الاقتصادية بالسعودية وما واكبها من طفرات اقتصادية واجتماعية، وفي هذه المرحلة ظهرت روايات عبدالعزيز مشري مثل: الوسمية، والغيوم ومنابت الشجر، وما تلاها من روايات في تسعينيات القرن لعشرين. وظهرت في هذه المرحلة روايات رجاء عالم quot; 4 صفرquot; وعبدالعزيز الصقعبي: quot;رائحة الفحمquot; وحمزة بوقري: quot;سقيفة الصفاquot;.
د. حسن نعمي
أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة التحولات الكبرى، وتجلت بدءًا من تسعينات القرن العشرين وحتى اليوم، حيث حدث التحول في سياغة مشروع روائي جديد، ويأتي ذلك بعد إرهاصات اجتماعية جديدة هزت ثوابت الحياة الاجتماعية بسيل من الأسئلة القلقة عن ماهية العلاقة بالآخر، وماهية الذات الاجتماعية في عالم مفتوح، وماهية التمدن ومتطلباته، وماهية الثوابت والمستجدات.
لقد وجدت الرواية ndash; فيما يؤكد الكاتب- مدخلها الأثير للإجابة على تساؤلات الحياة اليومية، فكانت الرواية صلة الوصل بين نخب متعالية، وشرائح اجتماعية متعلقة برجاء الوعي القادم. لقد هزت روايات القصيبي والحمد ورجاء الصانع، وليلى الجهني، وعبدالله ثابت، قراء النص الروائي، أكثر مما هزتهم روايات عبده خال ويوسف المحيميد ورجاء عالم ومحمد حسن علوان على الرغم من جودتها الفنية، الأولى فاجأت القارئ بكشف المسكوت عنه، والتجرد من سلطة الرقيب، بينما الأخرى قاربت هذه التساؤلات برمزية فنية عالية وخاصة روايات رجاء عالم، بل تعد رواياتها محلقة في سماء فنية مغايرة جماليًا ومعرفيًا. وعلى الرغم من هذا التقسيم المرحلي الرباعي، فإن المرحلة االأخيرة: مرحلة التحولات الكبرى يمكن ndash; منهجيًا- أن تسمى بمرحلة الانطلاق، لأن التحولات الكبرى في الرواية السعودية بالقياس إلى نظيرتها العربية لم تأت بعد، فالرواية السعودية تشهد انطلاقًا صوب تأسيس تراكم روائي سعودي، ولا تشهد تحولات كبرى جذرية، بل بدايات تأسيس وعي جديد.
روايات المسكوت عنه:
من أبرز سمات هذه المرحلة الحضور الكثيف للرواية النسائية، فللمرة الأولىيتساوى أو يتقارب عدد روايات المرأة الصادرة مع روايات الرجل في العام نفسه، ففي عام 2006 صدر ما مجموعه (50) رواية، نصف هذا العدد بأقلام نسائية. إن هذا يؤكد رغبة المرأة في أن تُسمع صوتها، وخاصة إذا عرفنا أن أغلب موضوعات الرواية النسائية هو موضوع الرجل بتسلطه وجبروته وهيمنته على المرأة.
ويشير المؤلف إلى ظاهرة مهمة في الرواية السعودية تتمثل في أن الرواية التي كتبها الرجل لا تقل مسايرة لموجة الرواية، وهو ما أوقع بعضهم في الكتابة لمجرد الكتابة رغبة في الظهور والانتشار في زمن الإعلام والانتشار السريع، فسهولة النشر واندفاع الناشرين العرب لاستقبال الروايات السعودية الجديدة أغرى الكثير من الكتاب والكاتبات بالنشر. لقد لعب الناشر العربي في الترويج للجرأة الروائية على حساب القيمة الفنية، رغبة في الكسب المادي الصرف، وفي الإشكالية التي نشبت بين كاتب رواية (المطاوعة) ودار رياض نجيب الريس للنشر خير شاهد على ذلك. لقد أقبل الناشر على النشر لأن الرواية لكاتب سعودي، فاقترح العنوان وهيأ المناخ المناسب لدخول السوق السعودي من خلال نشر هذه الرواية التي بدت مثيرة في تناولها موضوع المؤسسة الدينية في المملكة، ولكنها افتقدت عوامل الجودة الفنية.
الرواية السعودية في المنتديات
ويرى الكاتب أن الرواية السعودية اليوم تتسم بثلاثة أمور، أولها: أن نسبة المنشور فاقت كل التوقعات ففي الفترة من 2000-2008م بلغ مجمل الروايات المنشورة (271) رواية وهو رقم يتجاوز المنشور في الفترة من عام 1930 إلى عام 1999 الذي بلغ (208) رواية.
وثانيها: أن هذا التراكم الكمي أسهم في خروج أعمال جيدة ناضجة في مستواها الفني، مثل روايات: العصفورية للقصيبي، والطين لعبده خال، و(خاتم) لرجاء عالم، و(الحفائر تتنفس) لعبدالله التعزي، و(وجهة البوصلة( لنورة الغامدي)، و(القارورة) ليوسف المحيميد، و(توبة وسلي) لمها الفيصل، و(سقف الكفاية) لمحمد حسن علوان، و(البحريات) لأميمة الخميس.
وثالثها: معالجة الكثير من المواضيع المستعصية اجتماعيًا، أو التي عدت من ثوابت المجتمع. فالجوانب السياسية طرقها تركي الحمد في رواياته بجرأ كبيرة خاصة في ثلاثيته:( العدامة، والشميسي، والكراديب) وتكمن أهمية معالجته في قدرتها على اقتحام الممنوع وتطويعه للأسئلة الروائية، أما الجوانب الدينية فقد تناولها غير كاتب مثل مبارك الدعيلج في روايته (المطاوعة) وسمر المقرن في روايتها (نساء المنكر) لكن أكثرهم عمقًا كان عبدالله ثابت في روايته (الإرهابي 20) ومن روايات الجوانب الاجتماعية (بنات الرياض) لرجاء الصانع، و(فسوق) لعبده خال التي عالجت قتل الشرف، و(الفردوس اليباب) لليلى الجهني التي عالجت وقوع المرأة في غواية الرجل والبحث عن إجهاض جنينها وهي قضايا ذات حساسية استثنائية، حيث لقي كتاب هذا النوع من الروايات من ألعنت ما لقوا لأنهم تجرأوا على الحديث عن المسكوت عنه في أعمال روائية صادمة للسياق العام.