جونثان جونز: هل ثمة جدوى بعد الآن لوجود نقاد في الفن؟ ما الذي يمكن ان يُسهموا به في تطوير الفن؟ لزمن طويل كنتُ اتهرب من هذا السؤال. ولو سألتني في أي وقت خلال السنوات القليلة الماضية لأجبتُ ان النقد لا يمارس تأثيرا جديا في الفن، ولكن له مبرره الخاص، كأدب. وإذا بدت كلمة quot;أدبquot; هنا من باب التفخيم والمبالغة اللغوية فلنقل quot;تسليةquot;. فان شهية القراءة عن الفن لا تشبع ولا ترتوي بقدر الحاجة الى رؤية الفن والنظر الى الأعمال الفنية. ويقدم الناقد خدمة تتيح فرصة التحدث عن الفن والفنانين والتفكير فيهم وفي اعمالهم وسرد حكايات عنها وعنهم. قد لا يكون للنقد الفني تأثير في الفن ولكنه يتبوأ موقعا في الثقافة عموما. هذا ما كنتُ سأقوله حتى عهد قريب.
ولكن هذا دفاع ضعيف عن النقد. والحقيقة ان النقاد في حالة تقهقهر منذ زمن طويل. وفي بريطانيا مُني نقاد الفن بخسارة كارثية قبل ظهوري على الساحة. في سنوات الدراسة كان الناقد الفني الذي ابتاع كتبه بيتر فولر Peter Fuller، مؤسس مجلة Modern Painters وناقد لا يرحم لغالبية اتجاهات الفن المعاصر. كنتُ استمتع بالجدية الاستفزازية لمقالاتاه. كنتُ ايضا أحب كتابات روبرت هيوز Robert Hughes، وهو ناقد آخر كانت فصاحته وبلاغته ـ ولا تزالان ـ تأتيان على حساب الفن نفسه بمدارسه الراهنة. ما يُنشر من نقد في الصحف لا يرقى الى مستوى هذين الناقدين إلا ما ندر ولكن ما كان يشترك به النقاد في ثمانيات القرن الماضي هو نظرة متماثلة في ارتيابها بالصرعات الجديدة وquot;جديةquot; يحددها هذا الشك. بالطبع ان التاريخ ضحك على هؤلاء النقاد، بمن فيهم فولر وهيوز. فعلى حين كانت المطابع تصب سيلا منهمرا من الازدراء الأخلاقي الرفيع لضحالة الفن الحديث كان جيل من الفنانين البريطانيين يتقدمهم دايمين هرست Damien Hirst ينتج ما يحلو له وينال ما يتمناه على ما ينتجه دون تمحيص ـ المرة تلو المرة تلو المرة. كانت الصور تسحق الكلمات واختُزل دور النقاد الى منظمين ورعاة. لم يكن لديهم دور آخر.
اليوم أرى ان هناك فرصة لعودة النقاد ـ وحاجة اليهم. فان حجم ما يُضخ الينا من فن ونطاقه في ثقافة مهووسة بالصالونات من السعة والإرباك بحيث يمكن للناقد ان يدلو بدوله ويمارس تأثيره في هذا المعمعان. وقد حان الوقت حقا للدفاع عن الفن الحقيقي ضد ما له جاذبية بلا قيمة. ومن الممكن العثور على أمثلة تجسد الفن الراقي كما المبتذل. بكلمات أخرى، اليوم هو يوم النقاد، كي يحاولوا أن يرونا ما يستحق حقا رؤيته.
نعم هناك كم هائل من الفن الهابط يتحدث عنه مغفلون. ولكن هناك مواهب حقيقية وافكارا حقيقية ايضا. ومهمة الناقد ان يشخص ما هو قيِّم ويدافع عنه بصرف النظر عن اتجاه التيار ـ وان يرفض الهابط بكل صدق وامانة. ويمكن لتاريخ الفن ان يساعد الناقد في مهمته هذه بإثراء منظوره. وبمقدور الكتابة ان تمنحه مرونة في كيف يشتبك ومتى يشتبك. ولكن الاشتباك لازم، وسوف نشتبك. (عن الملحق الاسبوعي لصحيفة الغادرديان/ قسم الترجمة في إيلاف)
ولكن هذا دفاع ضعيف عن النقد. والحقيقة ان النقاد في حالة تقهقهر منذ زمن طويل. وفي بريطانيا مُني نقاد الفن بخسارة كارثية قبل ظهوري على الساحة. في سنوات الدراسة كان الناقد الفني الذي ابتاع كتبه بيتر فولر Peter Fuller، مؤسس مجلة Modern Painters وناقد لا يرحم لغالبية اتجاهات الفن المعاصر. كنتُ استمتع بالجدية الاستفزازية لمقالاتاه. كنتُ ايضا أحب كتابات روبرت هيوز Robert Hughes، وهو ناقد آخر كانت فصاحته وبلاغته ـ ولا تزالان ـ تأتيان على حساب الفن نفسه بمدارسه الراهنة. ما يُنشر من نقد في الصحف لا يرقى الى مستوى هذين الناقدين إلا ما ندر ولكن ما كان يشترك به النقاد في ثمانيات القرن الماضي هو نظرة متماثلة في ارتيابها بالصرعات الجديدة وquot;جديةquot; يحددها هذا الشك. بالطبع ان التاريخ ضحك على هؤلاء النقاد، بمن فيهم فولر وهيوز. فعلى حين كانت المطابع تصب سيلا منهمرا من الازدراء الأخلاقي الرفيع لضحالة الفن الحديث كان جيل من الفنانين البريطانيين يتقدمهم دايمين هرست Damien Hirst ينتج ما يحلو له وينال ما يتمناه على ما ينتجه دون تمحيص ـ المرة تلو المرة تلو المرة. كانت الصور تسحق الكلمات واختُزل دور النقاد الى منظمين ورعاة. لم يكن لديهم دور آخر.
اليوم أرى ان هناك فرصة لعودة النقاد ـ وحاجة اليهم. فان حجم ما يُضخ الينا من فن ونطاقه في ثقافة مهووسة بالصالونات من السعة والإرباك بحيث يمكن للناقد ان يدلو بدوله ويمارس تأثيره في هذا المعمعان. وقد حان الوقت حقا للدفاع عن الفن الحقيقي ضد ما له جاذبية بلا قيمة. ومن الممكن العثور على أمثلة تجسد الفن الراقي كما المبتذل. بكلمات أخرى، اليوم هو يوم النقاد، كي يحاولوا أن يرونا ما يستحق حقا رؤيته.
نعم هناك كم هائل من الفن الهابط يتحدث عنه مغفلون. ولكن هناك مواهب حقيقية وافكارا حقيقية ايضا. ومهمة الناقد ان يشخص ما هو قيِّم ويدافع عنه بصرف النظر عن اتجاه التيار ـ وان يرفض الهابط بكل صدق وامانة. ويمكن لتاريخ الفن ان يساعد الناقد في مهمته هذه بإثراء منظوره. وبمقدور الكتابة ان تمنحه مرونة في كيف يشتبك ومتى يشتبك. ولكن الاشتباك لازم، وسوف نشتبك. (عن الملحق الاسبوعي لصحيفة الغادرديان/ قسم الترجمة في إيلاف)
التعليقات