فهد الشقيران:في صُلب مسألة quot;الخوفquot; أذكر أنني كنتُ أقرأ نصوص مارتن هيدغر وأنا أتخيّله كما هو، في ذروة شموخه في غابته، منعزلاً عن الضوضاء، كارهاً حياة quot;الهُمquot; متسربلاً عالمه الداخلي، يعيش بين أفكاره، داخل الطبيعة الخصبة التي عصاها الإنسان طويلاً، لذا جاءت نصوصه ناشرة للسكينة، وكلّما ترددتْ كلمة quot;الخوفquot; أشعر أن نداء هيدغر العميق والصاعد ينبع من حروفه الأثيرة، والتي ساهمت في تثوير الفلسفة في القرن العشرين، لتتحول فلسفته إلى فلسفة رئيسية في رسم مسارات quot;التقويضquot; الذي ساهم هيدغر في تجذيرها عبر نصوصه الصعبة، والهامة، والمؤثرة في آنٍ واحد، كما ساهم في إيقاد نار quot; الهرمينوطيقياquot; بكل انبعاثاتها التي أخذت صلابتها على يد تلميذه الفيلسوف هانز جورج غادامير ولعلّ تجارب أمثال هؤلاء الفلاسفة اليومية، تكشف عن مكنونٍ لم نتبه له البعض، وهو أن quot;القلقquot; يسكن كل فلسفة، وأن الفلاسفة ليسوا quot;باعة أفكار جاهزةquot; وإنما هم قدورٌ تغلي، تعيش بين أكوامٍ من المستغلِقات.
لا يمكن فصل أفكار أي فيلسوف عن ظروف حياته، لذا جاءت ضرورة البحث في quot;الآثار الذاتيةquot; على تكوين الفلسفات الكبرى، كما يمكن البحث في quot;آثار المرضquot; وهذا البحث لا يأتي على الطريقة التقليدية التحذيرية التي يمارسها سفهاء الأحلام لغرض ضرب الفلسفات بسلوك أصحابها، وإنما لغرض علمي يقود إلى استيعاب أعمق لفهم تلك الفلسفات، وهذه هي quot;منطقة التوترquot; أن نفهم أن بيئة الفيلسوف ليست هي quot;فلسفتهquot; كما أن quot;فلسفتهquot; ليست هي بالضرورة سلوكه، لكن بين المنطقتين شيء من الاشتراك والتعالق، لقد كانت فلسفة ماركس مثلاً تعتمد على quot;العمل، والاقتصادquot; ولكنه لم يكن تاجراً، ولا عاملاً، وأعجبني نص كتبه أحدهم عنه قائلاً: (عانى ماركس أمراضاً متكررة، كان معظمها أمراضاً نفسية، وحتى حينما كان سليماً من الناحية الجسمية كان يعاني الكآبة والفتور، وعدم القدرة على العمل لساعاتٍ طويلة، وقد فقد جميع أصدقائه عدا انجلز، وأصبح كثير منهم أعداء له) كما أُثر عنه طُرفة يقول فيها quot;أنا أكثر الناس حديثاً وتنظيراً عن (العُملة) وأقل الناس استخداماً لها وعثوراً عليهاquot; كما عانى ماركس من مرض أبنائه وموت بعضهم وحاول الانتحار. لقد كانوا بشَراً يحركهم الأمل، ويجتاحهم الخوف، كما يجتاحهم المرض، ولم يؤثّر المرض على مرجعياتهم الفلسفية، إيمانويل كانط وأبرز نقّاده فريدريش نيتشه أصيبا بأمراض في آخر حياتهما، أصيب الأول بالزهايمر، والثاني بالجنون، كلاهما فقد القدرة على الاستذكار لكن لم تؤثر هذه الأمراض على ما كتباه من نظريات ونصوص أثّرت أيما تأثير.
إن quot;الخوفquot; قد يكون علّة مثبّطة، وقد يكون جذوة لا تهدأ تُشعِل من تصيبه بالقلق المستمرّ، الذي يدفعه نحو الغرق بالعلم، والتفكير، ليهرب من غلواء الخوف والوساوس والأوهام، والتغزّل بالكتاب والتفكير كوسيلة من وسائل طرد الخوف بات من نافلة القول، فالمكتبة التي يكتنزها الإنسان في منزله تضم نخبة من خيرة البشر، من فلاسفة وشعراء، وكتّاب ورواة، من كل العصور، بإمكان خوفك أن يتبدد وأنت تقرأ quot;الشرح الكبير لابن رشدquot; أو quot;الجمهوريةquot; لأفلاطون، أو quot;مبدأ العلةquot; لهيدغر، أو أيّ كتابٍ في أيّ فنٍ يعشقه المرء، ليدخل في عوالم من المتعة واللذّة والانتشاء إنها القراءة فعل سلطةٍ وخيال كما يقول الباحث الانثربولوجي الارجنتيني ومؤرّخ علاقة الإنسان بالقراءة quot;البرتو مانغويلquot;. لم يعد الخوف المستطير quot;نهايةquot; بل ربما يكون بداية، لافتتاح عوالم أخرى ممكنة.
من جهةٍ أخرى، ربما تكون quot;ممارسة الأخطارquot;وسيلة من وسائل quot;هزيمة الخوفquot; كما يقول نيتشه، وألذّ الأخطار وأكثرها إنتاجاً أن يمنح الإنسان إمكاناته الفكرية حريّة التحليق، حريّة العبور في كل الجُدر المحصّنة وأن يجتاح بآلياته الفلسفية والعلمية كل شيء يخاف منه، وعلى حدّ تعبير المثل، quot;الذي تخاف منه، ابدأ بهquot; ولم تؤثّر في الأجيال الصاعدة إبان الثورات الطلابية في فرنسا، أو أثناء التمدد الفكري العلمي في أوربا عامة كلمة كما أثّرت على تفكيرهم كلمة نيتشه الشهيرة (حتى تجني من الوجود أجمل ما فيه عشْ في خطر) أو كلمته الأخرى التي يقول فيها: (لا نشعر أننا في قمة السعادة إلا حيث نكون في قمة الخطر).
وقد ذكرها من قبل هيراقليطس الفيلسوف الذي قال عنه هيغل إنه (الأب الروحي الحقيقي لمذهبه في الروح المطلق الذي تتلاقى فيه الأضداد لتستريح، ويتعانق عنده الفكر والوجود بعد طول فراق، وترسو عليه سفينة المصير بعد رحلة الصراع والضياع)، هيراقليطس رأى أن: (من الخير للفكر أن يتجوّل بين أحراش المجهول، بدلاً من أن يسير على الطريق الهين اليسير، وأن يتعذب ويقلق بدلاً من الخلود إلى الراحة والسكون). قدَر الفكر، أن يقود إلى مفازاتٍ وخياراتٍ حاسمة.
إنه الخوف من quot;التحرّكquot; وإيثار السكون، بينما الصيرورة والتجوّل بين المعاني التي يمكن استحلابها من جوف الحياة يمكن أن تصدع الخوف، إن أقسى أنواع الخوف التي يمكن أن تجفّف عروق الإنسان، quot;خوفه من التفكيرquot; ليصبح حبيس قناعاته، وسلوكياته، وأزيائه المعتاده ليصبح خلواً من التفكير أسير رهانات قديمة، علماً أن المعنى يتبدّى دائماً في ظلال quot;التغييرquot; تغيير كل شيء، تغيير الوجوه، والقناعات، والأفكار، نشعر أثناءها بمعنى الحياة، أن نخرج من الكهوف كلما شعرنا بهيمنة الظلام، وأن نستعيد المصابيح ونشعلها في وضح النهار بحثاً عن نورٍ آخرٍ منير، كما فعل quot;ديوجينquot; أن ننتقد ndash;حتى-quot;النقدquot; لنتحرك في مساحات أخرى، لنتزحزح باستمرار.
لا يمكن فصل أفكار أي فيلسوف عن ظروف حياته، لذا جاءت ضرورة البحث في quot;الآثار الذاتيةquot; على تكوين الفلسفات الكبرى، كما يمكن البحث في quot;آثار المرضquot; وهذا البحث لا يأتي على الطريقة التقليدية التحذيرية التي يمارسها سفهاء الأحلام لغرض ضرب الفلسفات بسلوك أصحابها، وإنما لغرض علمي يقود إلى استيعاب أعمق لفهم تلك الفلسفات، وهذه هي quot;منطقة التوترquot; أن نفهم أن بيئة الفيلسوف ليست هي quot;فلسفتهquot; كما أن quot;فلسفتهquot; ليست هي بالضرورة سلوكه، لكن بين المنطقتين شيء من الاشتراك والتعالق، لقد كانت فلسفة ماركس مثلاً تعتمد على quot;العمل، والاقتصادquot; ولكنه لم يكن تاجراً، ولا عاملاً، وأعجبني نص كتبه أحدهم عنه قائلاً: (عانى ماركس أمراضاً متكررة، كان معظمها أمراضاً نفسية، وحتى حينما كان سليماً من الناحية الجسمية كان يعاني الكآبة والفتور، وعدم القدرة على العمل لساعاتٍ طويلة، وقد فقد جميع أصدقائه عدا انجلز، وأصبح كثير منهم أعداء له) كما أُثر عنه طُرفة يقول فيها quot;أنا أكثر الناس حديثاً وتنظيراً عن (العُملة) وأقل الناس استخداماً لها وعثوراً عليهاquot; كما عانى ماركس من مرض أبنائه وموت بعضهم وحاول الانتحار. لقد كانوا بشَراً يحركهم الأمل، ويجتاحهم الخوف، كما يجتاحهم المرض، ولم يؤثّر المرض على مرجعياتهم الفلسفية، إيمانويل كانط وأبرز نقّاده فريدريش نيتشه أصيبا بأمراض في آخر حياتهما، أصيب الأول بالزهايمر، والثاني بالجنون، كلاهما فقد القدرة على الاستذكار لكن لم تؤثر هذه الأمراض على ما كتباه من نظريات ونصوص أثّرت أيما تأثير.
إن quot;الخوفquot; قد يكون علّة مثبّطة، وقد يكون جذوة لا تهدأ تُشعِل من تصيبه بالقلق المستمرّ، الذي يدفعه نحو الغرق بالعلم، والتفكير، ليهرب من غلواء الخوف والوساوس والأوهام، والتغزّل بالكتاب والتفكير كوسيلة من وسائل طرد الخوف بات من نافلة القول، فالمكتبة التي يكتنزها الإنسان في منزله تضم نخبة من خيرة البشر، من فلاسفة وشعراء، وكتّاب ورواة، من كل العصور، بإمكان خوفك أن يتبدد وأنت تقرأ quot;الشرح الكبير لابن رشدquot; أو quot;الجمهوريةquot; لأفلاطون، أو quot;مبدأ العلةquot; لهيدغر، أو أيّ كتابٍ في أيّ فنٍ يعشقه المرء، ليدخل في عوالم من المتعة واللذّة والانتشاء إنها القراءة فعل سلطةٍ وخيال كما يقول الباحث الانثربولوجي الارجنتيني ومؤرّخ علاقة الإنسان بالقراءة quot;البرتو مانغويلquot;. لم يعد الخوف المستطير quot;نهايةquot; بل ربما يكون بداية، لافتتاح عوالم أخرى ممكنة.
من جهةٍ أخرى، ربما تكون quot;ممارسة الأخطارquot;وسيلة من وسائل quot;هزيمة الخوفquot; كما يقول نيتشه، وألذّ الأخطار وأكثرها إنتاجاً أن يمنح الإنسان إمكاناته الفكرية حريّة التحليق، حريّة العبور في كل الجُدر المحصّنة وأن يجتاح بآلياته الفلسفية والعلمية كل شيء يخاف منه، وعلى حدّ تعبير المثل، quot;الذي تخاف منه، ابدأ بهquot; ولم تؤثّر في الأجيال الصاعدة إبان الثورات الطلابية في فرنسا، أو أثناء التمدد الفكري العلمي في أوربا عامة كلمة كما أثّرت على تفكيرهم كلمة نيتشه الشهيرة (حتى تجني من الوجود أجمل ما فيه عشْ في خطر) أو كلمته الأخرى التي يقول فيها: (لا نشعر أننا في قمة السعادة إلا حيث نكون في قمة الخطر).
وقد ذكرها من قبل هيراقليطس الفيلسوف الذي قال عنه هيغل إنه (الأب الروحي الحقيقي لمذهبه في الروح المطلق الذي تتلاقى فيه الأضداد لتستريح، ويتعانق عنده الفكر والوجود بعد طول فراق، وترسو عليه سفينة المصير بعد رحلة الصراع والضياع)، هيراقليطس رأى أن: (من الخير للفكر أن يتجوّل بين أحراش المجهول، بدلاً من أن يسير على الطريق الهين اليسير، وأن يتعذب ويقلق بدلاً من الخلود إلى الراحة والسكون). قدَر الفكر، أن يقود إلى مفازاتٍ وخياراتٍ حاسمة.
إنه الخوف من quot;التحرّكquot; وإيثار السكون، بينما الصيرورة والتجوّل بين المعاني التي يمكن استحلابها من جوف الحياة يمكن أن تصدع الخوف، إن أقسى أنواع الخوف التي يمكن أن تجفّف عروق الإنسان، quot;خوفه من التفكيرquot; ليصبح حبيس قناعاته، وسلوكياته، وأزيائه المعتاده ليصبح خلواً من التفكير أسير رهانات قديمة، علماً أن المعنى يتبدّى دائماً في ظلال quot;التغييرquot; تغيير كل شيء، تغيير الوجوه، والقناعات، والأفكار، نشعر أثناءها بمعنى الحياة، أن نخرج من الكهوف كلما شعرنا بهيمنة الظلام، وأن نستعيد المصابيح ونشعلها في وضح النهار بحثاً عن نورٍ آخرٍ منير، كما فعل quot;ديوجينquot; أن ننتقد ndash;حتى-quot;النقدquot; لنتحرك في مساحات أخرى، لنتزحزح باستمرار.
كاتب سعودي.
[email protected]
[email protected]
التعليقات