شفاء العمري: المسرح ضد الظواهر التي تريد ان تقمع الانسان
عبد الجبار العتابي من بغداد: يعد المخرج المسرحي شفاء العمري من ابرز الاسماء المسرحية التي انجبتها مدينة الموصل، وهو صاحب انجازات عديدة على طول تجربته التي امتدت الى نحو خمسين عاما، وتخرج من بين يديه عشرات الفنانين، لا زال منشغلا بالهم المسرحي وتعداه الى الهم الثقافي العام، ولديه العديد من الاراء في المستجدات التي قرأناها في حوارنا معه.
* ما الذي تعمله الان؟
- انا نعني بالقضية الوطنية، ولعل اهمها الوقوف امام ثقافات الاحتلال، ومن خلال الدراما والكلمة الصادقة احاول ان اتواصل مع كل المبدعين العراقيين الذين ينحون في سلوكهم وافكارهم نحو التأسيس لثقافة الوطن وتعميقها والحفاظ على وحدة العراق ارضا وشعبا، وصد كل الثقافات الطائفية والعنصرية التي جاءت مع الاحتلال ال بلدنا العزيز.
* هل هذا يعني انك لم تعمل في مجالك الفني؟
- عندما يؤسر الوطن فبالضرورة يكون الابداع مأسورا ايضا والكلمة الخارجة من نطاق اضطهاد الاسر هي كلمة صامتة وممنوعة، لذلك وجدت من الضروري، لا بل من الواجب ان اتقوقع داخل الماضي في محاولة مني للنهوض به ليعود الوطن كما كان سابقا حرا ابيا ليتألق بالتالي الابداع الثقافي الانساني بصورة عامة، فالظواهر الحضارية لا تتألق ولا ترنو الى الظهور بشكل واضح الا بالعمل ضمن وطن حر ابي يعمل من اجل الصالح الوطني والقومي والانساني.
* هل تقصد بالتقوقع؟
- ربما تكون الكلمة غير مشروحة، التقوقع يكون في حالتين اساسيتين، اما الخوف الشديد او محاولة الحفاظ على الجنس، فالحيوانات التي تتقوقع هي هاربة وخائفة وتحاول الحفاظ عل جنسها، والفنون هي من اكثر الظواهر الانسانية حسا ومن اكثرها شغفا بالوجود وبالحضور والتآلف، فمن خلال المسرح العراقي الذي عملت به طوال (50) عاما مضت، ومنذ بدايتي في الستينيات وهي سنوات عمل مع العمالقة الكبار في المسرح العراقي الذين علمونا في نصوصهم واعمالهم وابداعهم على الوقوف امام الظواهر التي تريد ان تقمع الانسان وتقف امام تطلعاته وتسعى من اجل الحفاظ على التواشج الوطني والانساني ضمن مكونات الشعب العراقي من اقصى شماله الى اقصى جنوبه.
* هل تطالب الفنان بالتقوقع؟
- نحن الان لانطالب بالتقوقع المنكمش المهزوم وانما نطالب بالتقوقع الايجابي الذي يحاول الحفاظ على معطيات الماضي من اجل ان ينبثق ثانية من قمقمه كالمارد الجبار.
* هل تعني ان يلتزم الفنان الصمت الان؟
- الصمت هو التحدي الاكبر الان، فعندما تصبح الكلمة مأسورة فالصمت اقسى انواع التعبير والرفض ولعل التظاهرات الصامتة هي اكثر التظاهرات مستوى في العالم.
* اذن.. أليس للمسرح دور في الواقع العراقي؟
- عندما نتحاور حول المسرح علينا ان نتذكر ان المسرح انساني وكل ظاهرة انسانية لايمكن ان تكون خارج مفهوم الدور، لذلك المسرح هو في المقدمة ولكن يبقى السؤال مطروحا: هل نعمل فقط من خلال الخشبة ونحن مبدعون ويمكن ان تؤثر كلمتنا في الناس ونتحول الى قادة للثقافة بوجهها العام، وانا الان من خلال السنوات المنصرمة كنت دائما اساهم في معظم المؤتمرات والندوات التي عقدت في الجنوب كما في الشمال وساهمت في صورة فاعلة والقيت كلمة نينوى في الحضرة الحسينية عام 2009، كما ساهمت في الندوات التي اقيمت في شمالي الوطن والتقيت بالاخوة الاكراد وتحاورنا من اجل ان نتفق جميعا عل العناية بالوطن والحفاظ عليه، وهذا العمل هو الدور الاكثر فاعلية من الخشبة التي اصبحت مأسورة بالخوف ومأسورة بالمفاهيم التي اريد لها ان تسوغ في الوطن، وانا احث كل المسرحيين العراقيين على ان يكون الوطن هو الافق الاسم والاعلى عندما يفكرون في الدراما، واملي بالشباب والشابات في المسرح العراقي كما اكبر الاساتذة الذين لا زالوا يعملون في حقول التربية والتعليم الدرامي من اجل ان نبقى على هذه الجذوة في الابداع العراقي.
* خلال وجودك في بغداد.. ألم تحاول تقديم اعمال للفرقة القومية للتمثيل؟
- حاولت وبحثت مع المدير العام الدكتور شفيق المهدي ان اساهم باعمال الفرقة القومية وفرعها بالموصل باعمال من تأليفي واخراجي، وقد ارسلت اكثر من عمل منذ سنة ولكن الى الان لم استلم اي رد من الدائرة، ويبدو انهم منشغلون بامور اسمى من ان ينشغلوا في محافظة بعيدة ولعلهم اقرب الى العطاء منا.
* كيف ترى واقع المسرح في الموصل؟
- انه يقع في حيز الواقع العراقي برمته، فمن ينظر الى العراق يرى المسرح الموصلي !!.
* لو استطلعنا ذاكرتك.. ما ابرز المحطات في سيرتك المسرحية؟
- حياتي.. اذا اردت ان اعود بالذاكرة اليها اجدها كالسلّم، من الدرجة الاولى التي كانت عام 1963ال الدرجة الاخيرة في عام 2009 اجدني نائما، اراني في محطات بدأت في نادي الفنون المسرحية بالموصل مع مجموعة من الشباب ثم جامعة الموصل في فرقة مسرح الجامعة وفي فرقة نينو للتمثيل وفي محطات اخرى قصيرة وسريعة كنت دائما اقوم بدورين اساسيين، الاول: دور تعليمي تربوي، والثاني ابداعي فني، فأداة المخرج هم الممثلون وانا دائما اعمل مع الشباب من صغار السن وصغار التجربة وكنت احاول ان احول المسرحية الى معهد او اكاديمية حين تنتهي المسرحية يكون قد تخرج منها شباب اسهم العديد منهم في نشاطات المسرح العراقي، منهم عل سبيل المثال لا الحصر: يوسف سواس / محمد العمر، صبحي صبري، مروان ياسين، سمر محمد، ريكاردوس يوسف، عبد الرزاق ابراهيم وعبد الوهاب ابراهيم، ورهط اخر كبير من شباب الموصل، وانا فخور بهم، واتمنى ان امتلك القابلية لكي استطيع ان ادفع باجيال جديدة.