حوار مع الشاعر السعودي علي بافقيه:
- ثقافتنا لم تتجاوز بعد ثقافة العرب اليومية السائدة وأدغال أفريقيا
- لاشيء جدير بالاحترام أكثر من مكابدات الكائن البشري على مر العصور


عبدالله السمطي من الرياض: طالب الشاعر السعودي علي بافقيه بإنشاء اتحاد للأدباء السعوديين، وإنشاء دور سينما ومسرح، وفتح ما أسماه بـquot;النوافذ المغلقةquot;، كما أوضح صاحب: quot;جلال الأشجارquot; أن اللوم لايقع على النقاد فلا النقد الثقافي يتجرأ على مقاربة الثقافة الاجتماعية السائدة التي سوف تجرنا الى كارثة عما قريب ولا النقد الادبي يتجرأ على الغوص في مجامر النصوص. الحقيقة الساطعة ان الافراد نقاداً وكتاباً ومثقفين ومواطنين بمئات الملايين تطحنهم الفوضى اليومية وتقودهم كما ينقاد القطيع، علي بافقيه أحد شعراء جيل الثمانينيات المؤسس للنقلة الفنية في قصيدة الحداثة السعودية تطرق إلى تجربته الشعرية المترعة بالتأمل، وبالصور الشعرية الكثيفة، مؤكدا على أنه يسكن في quot;القلقquot; دائما، وأن المسألة الشعرية عنده مسألة حياة في اللغة، وتوليد للإشارات، وهذا نص الحوار:
* تتجلى الصور الشعرية لديك بشكل متراكم، كأنها فيض متوال من الرؤى.. هل صياغة هذه الصور يتأتى من مشاهد واقعية، أم نتيجة التعامل الكثيف مع اللغة؟
- أشكرك على ربط الرؤى بالصور الشعرية. في ظني ان صياغة الصور هي تواشج بين الرؤى واللغة الشعرية أما المشاهد الواقعية فهي تأتي من مكان ما في الذاكرة قد تكون مشاهد واقعية حديثة معاشة وقد تكون معتقة متوغلة في التجربة الشخصية والجماعية وقد تكون من وقائع تاريخية عمرها دهور من الزمن فتأخذ طزاجتها وتجلياتها لحظة الكتابة من خلال تجذرها في التجربة الشخصية والجمعية والانسانية وهذا طبعاً ليس بعيداً عن ما تسميه التعامل الكثيف مع اللغة.

bull;المسافة الزمنية بين صدور ديوانك الأول:quot; جلال الأشجارquot; والثاني quot; رقياتquot; حوالى 15 عاما، أين كنت تسكن إبداعيا طوال هذه الفترة، هل في حال التأمل أم في حال التوقف؟
- أسكن في القلق ولهذا لا أكف عن التأمل والتفكير.أعيش حالات شعرية دائمة لا تذهب الى الورقة لكنها تبقيني على قيد الحياة أتنفس الصعداء من خلالها. يبدو أنني أكتب القصيدة عندما أكتظ بها. ربما يكون نموذجي عالياً لأنني لا أقتنع بسهولة فأنتظر لحظات غامرة أشبه بالمواسم.

bull;لماذا يسعى بعض النقاد إلى إهالة الركام فوق تجربة الثمانينيات الشعرية على الرغم من أنها تشكل التجربة المؤسسة لقصيدة الحداثة في السعودية؟
- أعجبتني (إهالة الركام) هذه. إذن دعنا نأخذها من حيث هي على حقيقتها إذا أردنا ان نقارب السؤال بجدية فهي تضيء المشهد بكامله. نحن الآن وفي هذه المنطقة من العالم لا نقوم سوى بإهالة الركام على كل ما هو جوهري وأصيل سواء أكان في ثراثنا او في الحياة الانسانية المعاصرة الماثلة الآن. لدرجة اننا نخشى -بل نرتعب- من التعرف على الحياة الاجتماعية أيام الرسول عليه السلام. هذا على سبيل المثال فقط فنحن نخشى التعرف على ذاتنا وعلى التجارب الانسانية التي تحيط بنا الآن من كل ناحية. اللوم لايقع على النقاد فلا النقد الثقافي يتجرأ على مقاربة الثقافة الاجتماعية السائدة التي سوف تجرنا الى كارثة عما قريب ولا النقد الادبي يتجرأ على الغوص في مجامر النصوص. الحقيقة الساطعة ان الافراد نقاداً وكتاباً ومثقفين ومواطنين بمئات الملايين تطحنهم الفوضى اليومية وتقودهم كما ينقاد القطيع. وثقافتنا الخاصة،نحن المثقفين، لم تتجاوز بعد الثقافة اليومية السائدة في العالم العربي وأدغال أفريقيا.

* ذكر الشاعر علي الدميني أنك شديد الاقتصاد في الكتابة وأنك تشتغل كنحات على قصائدك، كيف تبتكر مفردات الواقع حيال هذا الاقتصاد وهذا النحت؟ هل تصلح الإشارة الشعرية المكثفة في زمن التفاصيل الصغيرة؟
- التحدي أمام الشاعر أن أداته هي اللغة. واللغة مشاعة في نفس الوقت للجميع. فمن أين للغة أن تكون شعرية إذن؟ تلك هي المفارقة التي يصعب تعريفها. لهذا فإن المسألة الشعرية مسألة حياة في اللغة وتخليق في اللغة وتوليد للإشارات في اللغة وتصوير ونحت في اللغة فالشاعر بطريقة او بأخرى رسام ونحات وموسيقي ليس بالمعنى العملي لهذه المفردات ولكن بمعنى آخر من المعاني. لدي ذاكرة بصرية وميل للفنون التشكيلية. الاشارات يمكن ان تكون معبأة بالتفاصيل. لا أحب المباشرة والتقريرية وإن بدت عبارة شبه مباشرة فإن تحتها طبقة أخرى من الإشارات.

bull;ما زلت متمسكا بأيقونات شعر التفعيلة؟ ألا تحتاج هذه الأيقونات إلى تطوير يستفيد من التجارب الشكلية الأخرى خاصة في قصيدة النثر؟
- لا توجد لدي أيقونات أتمترس عندها أو تطوق خياراتي لا في الحياة ولا في الشعر. لقد تخلصت من أيقونات اكثر تجذراً من التفاعيل والاشكال. إنني منذ البداية أعتقد ان قصيدة التفعيلة يجب ان تستفيد من التجارب الاخرى وخاصة قصيدة النثر

bull;ما موقفك من مقولة زمن الرواية وهرولة النقاد إلى قراءتها وإهمال المنجز الشعري؟
- رأيي في هذه الناحية لا يختلف كثيراً عما قلته حول سؤال سابق. نحن نحمّل النقاد فوق ما يستطيعون. وبالمعنى الفعلي للكلمة لايوجد نقد. يوجد في العالم العربي ملايين الوعاظ وبضعة نقاد فقط. فهل يوجد نقد؟! العمل النقدي عمل حضاري إبداعي يبدأ بالارتقاء على الذات بنقدها. هو عمل مغامرة وكشف وجرأة وخروج على القطيع. والفكر النقدي محارب في العالم العربي وأدغال أفريقيا. هذه إشارة لابد منها وإذا كانت الرواية تكشف أكثر من غيرها ndash;وهذا ليس صحيحاً- عورات ومثالب الثقافة الاجتماعية السائدة فليكن دون اصدار مسميات ومصطلحات.

bull;لماذا أنت بعيد عن الضوء الإعلامي؟ وما موقفك من الملاحق الثقافية بالصحف السعودية؟

- ربما لأنني لا أستسيغ الترويج ولا أجيد العلاقات العامة. اما الملاحق الثقافية فأنتقدها كمؤسسات وليس كأفراد لأن علاقتي بالجميع نقية على المستوى الشخصي. وفي حوار لجريدة شمس ألقيت اللوم على رؤساء التحرير في الصحف. أعتقد أننا بحاجة الى تجديد ولو أن رؤساء التحرير لاحظوا أوراق مؤتمر الفكر العربي الذي عقد في مراكش حول تجديد الثقافة وثقافة التجديد ربما تنبهوا الى أهمية الأقسام الثقافية في صحفهم.

bull;تعود في شعرك إلى التاريخ لاقتناص الجمالي منه؟ لم لا تكتب شعرا في الواقع القلق المضطرب؟
- أعود إلى التاريخ لكي أفهم ماتسميه الواقع القلق المضطرب وأتفق معك على هذا التوصيف. في رأيي المتواضع أننا لا يمكن ان نفهم الحاضر دون ان نهضم التاريخ البشري وأن نستشرف المستقبل في آن معاً. بمعنى آ خر دون معرفة حقيقية،أي بعيدة عن الوهم وبعيدة عن المحاباة، بالماضي وبالمستقبل لا يتحرك الواقع او الحاضر إلا إلى الخلف. لاشيء جدير بالاحترام أكثر من مكابدات الكائن البشري على مر العصور إنها مكابدات باتجاه المستقبل. لا يوجد الماضي الا لكي نتجاوزه ومن يقول غير ذلك فهو يجرنا الى الحضيض. لكن، وياللأسف، الذين يقولون غير ذلك هم القدوة والمثال لأكثر من 300 مليون عربي.

bull;أخيرا: ما هي القضية الثقافية التي تشغلك ونحن قادمون على المؤتمر الثالث للأدباء السعوديين؟
- القضية المهمة الآن هي مطلب الجميع الذي طال انتظاره وهو إنشاء (إتحاد الأدباء السعوديين). وهناك قضايا أدبية كثيرة أهمها كيفية الارتقاء بالادب المحلي ولا شك ان اهم خطوة بهذا الاتجاه هي فتح النوافذ المغلقة. نحن بحاجة الى ما يوقظ حواسنا ويثري تجربتنا الابداعية ومعرفتنا ويصقل أدواتنا مثل دور السينما والمسارح والنشاطات الثقافية والفكرية والابداعية الراقية التي تواكب العصر.