عبد الجبار العتابي من بغداد: في وجهها تأتلق القصائد كالثريات، وتعبق من كوامن نفسها روائح الابداع.. زكية، فلا تكاد تقرأ لها قصيدة حتى تتسلل الى نفسك بشكل عفوي ازدهارات مفعمة بالعذوبة والحنين، ولا تكاد تتحدث معها حتى تعرف مقدار القوة في ذاتها وان كانت تغطيها اجنحة من حياء ترفرف بسرعة فتكسو ملامحها بشكل واضح، انها الشاعرة والقاصة العراقية فليحة حسن، التي استطاعت ان تضع له بصمة على الواقع الادبي العراقي وليس النسوي فقط، معها اجرينا هذا الحوار الذي تعرفنا من خلاله على الكثير مما في نفسها.

* عرفناك شاعرة لكننا عرفناك قاصة ايضا، ايهما بدأت اولا؟
- الشعر أول مخاضاتي واسبق من حيث الانتماء إليه.

* لماذا الشعر والقصة معا؟
- مثلما لا تستطيع المرأة التحكم بجنس جنينها لا استطيع أن أتحكم بجنس كتاباتي فأشير لما في داخلي أن يولد شعرا أو قصة أو مسرحا أو رواية أو حتى كتابة للطفل، الإبداع واحد لديّ وان اختلف في شكله.

* هل ثمة عقبات اعترضت طريقك نحو الانتشار؟
- الانتشار غاية لايدركها كل مطالب لها، فهي من الصعوبة بمكان تتطلب ممن يبحث عنها سعياً حثيثاً، والصعوبات التي اعترضت انتشاري وما تزال عديدة، لكني اسعى الى الوصول الى مبتغاي، ولو بعد حين.

* ما الذي منحتك اياه مدينة النجف؟
- النجف مدينة يتداخل فيها الموت والحياة البداية والنهاية اليأس والأمل، اليباس والاخضرار، فحين أسير في المدينة القديمة منها اشعر وكأنني أتسلل في أحشاء كائن حي، يحسني وأحسه لكنها أيضاً تخنقني بقبورها المتنامية يوما بعد آخر مما يجعلني أتكور كجنين محتمية بذاتي، النجف بكل تناقضاتها هذه أعطتني الشعر وجعلتني امتلأ به، لكنها أيضا لم تسمح لي بالبوح به بيسر، ربما لأنني فتاة.

* هل ثمة صعوبات عانيت منها في الامساك بادواتك الشعرية او القصصية؟
- في اعتقادي إن الفن معرفة معبر عنها باللغة والصورة معاً، لذا فانا أخشى الورقة الفارغة، حد إنني اردد أمامها حين الشروع في الكتابة: اللهم انصرني على بياض الورقة.

* ما أكثر ما يقلقك في تكوين القصيدة؟
- كثيرا ما أعيش حدث قصائدي قبل كتابتها والحدث عادة يكون اكبر من اللغة المعبر بها عنه، وهنا يأتي القلق، لكنه قلق من النوع الصحي الذي يصب في صالح القصيدة إذا انه يجعلني أفتش مراراً في قاموسي الشعري عن لغة توازي الحدث المعاش أو تقترب منه في الأقل.

* متى تهربين من القصيدة الى القصة او العكس؟
- لم يحدث أن هربتُ من احدهما الى الأخرى، بل على العكس أن هروبي للإبداع باختلاف أنواعه هو هروب من عالم الآخر المفروض عليّ الى عالمي الإنساني الداخلي.

* هل كان تأثرك الاول بشاعر ام شاعرة ولماذا؟

- إذا كان معنى التأثر هنا بمعنى محاولة النسج على منوال الأخر، فهذا لم يحدث لي مطلقاً، لأنني اسعى الى الفرادة الكتابية ووضع البصمة المميزة لي في كل ما اكتب، لكني مدمنة على قراءة المتنبي والسياب ولي أسبابي في ذلك.

* الم تخشي سطوة الشعراء الرجال؟
- أنا ولدتُ وعشتُ ومازلتُ في مدينة ذكورية حدّ النخاع لكن إيماني بما اكتب يجعلني أسير بخطى واثقة قد تزعج الآخر الرجل أحياناً، ولكن لم يحدث أبداً إنني فكرتُ بسطوة شاعر أو خفتُ منه، على العكس تماماً قصائدي فرضت سطوتها على بعض الذكور، فقلدها بعضهم وتحاشاها البعض الآخر.

* ما المواضيع التي يتناولها شعرك؟
- أحاول أن اكتب حياتي بكل تناقضاتها بمرارتها وحلاوتها بأفراحها وأتراحها لذا فموضوعاتي الكتابية تحاول أن تكون وعاء لحياة كاملة، وأحاول أن أدون حتى التفاصيل الصغيرة منها لاعتقادي إنها من العناصر التي تمنح العمل الأدبي قيمته.

* لماذا يعاب على المرأة الاديبة فقدان الجرأة؟
- المرأة الشرقية ولدتْ وتربتْ مع الانكسار وهي لم تطلع على حركات التحرر التي عرفها العالم الغربي ومنها النسوية إلا في سنوات متأخرة من هذا القرن، ومطالبتها بالجرأة في التعبير والإفصاح عن مكنوناتها ليس بالأمر الهين فالمبدعة تبحث عن قيمتها في عالم رافض لها يستعيض عن ضعفه بتأكيده لذكورته، وعلى العكس من ذلك نرى العالم الشرقي وخصوصاً العربي منه يعيب على المرأة جرأتها في الطرح، ويعده سبة عليها،

* هل حدث ان صرخت بأعلى صوتك في قصيدة اعلانا للحب؟
- دائما تكون آهاتي مكتومة، فقط حين شعرت بإحساس حبي لولدي احمد قد فاق حجم روحي كتبته شعرا صارخا و حينها فقط أحسست بان حبر كلماتي قد فاض على وجه الورقة وتسلل الى ماوراء الأسطر معلناً ولادة أمل جديد.

* ما أخر مجموعة شعرية صدرت لك؟
- الاصدرالشعري الأخير كان( ولو بعد حين).

* هل كانت هذه هي المحاولة الاولى لك ام لديك غيرها؟
اسمح لي أن ألخص محاولاتي فأقول: (لأنني فتاة)، زرتُ (متحف الظل)، ووضعتُ (خمسة عناوين لصديقي البحر)، علني أراه (ولو بعد حين)، لكني (تشظيتُ فوق مراياهم)، وأصابني (نقص في كريات الفرح)، وصرتُ (حزينيا)، في انتظار (حارس الأحلام).

* ما زال البعض يتهم المرأة بعدم القدرة على الكنابة ودائما يقول لها: من يكتب لك؟ لماذا برأيك؟
- لان الرجل الى الآن مازال مصراً على الاحتفاظ بالصورة الماضوية المتوارثة للمرأة والتي ُتظهرها بهيئة العاجز المتكأ على الرجل، أو التابع له في كل شيء، حتى في الإبداع، ولا وجود في ذهنه لمرأة الحاضر أو المرأة المستقبلية التي تظهر بها كمبدعة حقيقية تطأ مدن البوح بجدارة قد تفوق ما يأتي به الرجل من إبداع.

* هل يلعب جمال الاديبة دورا في انتشارها؟
- إعلامياً، نعم، الكاميرات تعشق الوجوه الجميلة وتسعى جاهدة من اجل ظهورها على أغلفة المجلات.

* ما الأسباب وراء قلة الاصوات الادبية النسائية المبدعة؟
- اعتقد إن أهم تلك الأسباب عائد الى خشيتها من سوء الفهم ؛ واعني سوء فهم المجتمع لإبداع المرأة وخطأ تفسير ذلك الإبداع الأمر الذي يجعلها تنكفئ على ذاتها وتحاول التراجع من مرحلة البوح الى مرحلة متأخرة عنها واعني التلقي.

* ما الطموحات التي ما زالت في نفسك بشكل عام؟
- احلم بالكثير الكثير وابسط أحلامي العالمية.

* ما الجملة التي في نفسك وتودين قولها؟
- بوجود الإبداع، لم تعد في نفسي جملة عصية على البوح.