د. لوتس عبد الكريم: كعاقلٌ جدًّا ومجنون جدًّا وهو طيب جدًّا وقاس جدًّا.. عاطفيٌّ أحيانًا وجامدٌ ومتحكم في أحاسيسه أحيانًا كثيرة.. وهو سهلٌ وممتنعٌ وهو هادئٌ وثائرٌ... بسيطٌ للغايةِ ثم مبهمٌ وغامضٌ أكثر المراتِ.. وهو عميقٌ ومدركٌ وأذكى الأذكياء ثم يبدو غير ذلك مرات كثيرة
تتلمذ في حارة العوالم على عازف الناي حسين فاضل والمايسترو حسب الله والأسطى منيرة المعداوى، وأصبح حلمه الأول أن يصبح موسيقارًا دائمًا يحفظُ المسافةَ بينه وبين أقربِ الناسِ إليه..
إنه يصفعك بنظرةٍ ويربت كتفك بيدٍ حانيةٍ

حين كتبتُ مقالى عن الدكتور مصطفى محمود فى مجلة quot;الشموعquot; أول مرة كان القصد منه إيقاظ غفلة أهل العلم والفن والإعلام الذين ينامون فى سباتٍ عميقٍ متناسينَ قيمةَ ما قدَّم هذا العالمُ العظيمُ من فكرٍ وعلمٍ ودينٍ لمصر وكل العرب على مدى زمنٍ طويلٍ وأنه واجهةٌ مضيئةٌ بكل ألوان الثقافة التى أصبحنا نفتقدها اليوم فى عالمنا الخاوي المتناسي لكل أنواعِ الإبداعِ..
وهو مريضٌ وقد طال به المرضُ لم يلاحظ أحدهم انقطاعه عن الكتابةِ المعتادةِ والمطلوبةِ دائمًا فى صحفنا، والتي تزخرُ بآرائه الملأى بكل ما هو مفيدٌ وعميقٌ وجديدٌ من كل الوجوه..
لم يلاحظ أحدٌ انقطاع برنامجه الشهير والذى كانت تتابعه الجماهيرُ العربيةُ بشغفٍ واستزادةٍ (برنامج العلم والإيمان).. لم يذكره أحدٌ منذ أمدٍ ليس بقصيرٍ ونحن لا نذكر عظماءنا وآثارهم إلا بعد أن يرحلوا..
والدكتور مصطفى محمود أستاذٌ وصديقٌ عزيزٌ لم أنقطع عن زيارته والسؤال عنه طوال كل هذه السنين..
وَرَدَ في مقالي بعض الجمل غير المقصودةِ التى أثارت غَضَبَ بعض الصحافيين حددت دون قصدٍ مني في أن أسىءَ إليه كيف؟ وهو ذو الفضلِ الأكبرِ عليَّ في كل مراحل حياتي..
ولكنَّ عزائي كان بعد مقالي في احتشادِ عشراتِ الصحفِ والمجلاتِ والإذاعاتِ العربيةِ للحديثِ عنه كما يليقُ به وتذكُّره كما طلبت
بل وإعادةِ برنامجهِ العظيمِ فى بعضِ القنواتِ
وإعادة النظر في اللومِ والعتابِ لمن تناسوه حتَّى ولو بالسؤال عن صحته..
سعدت كثيرًا بأن مقالي كان له ذلك الأثر الكبير
وعاد اسم الدكتور مصطفى محمود يتردَّد كل يومٍ وفى كل مجالٍ..
احترمتُ نفسي وغبطتها وحمدتُ الله أن هداني لتقديمِ شىءٍ من الولاءِ لهذا الإنسان الذى يستحق كل الخير وكل الولاء..
وطلب الكثيرون مني بعد ذلك أن أكتب عنه كتابًا ككل ما كتبتُ عن أصدقائي المقربين الملكة فريدة، ثم إحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، ومحمد عبد الوهاب، ويوسف وهبي.. ولكن..
إنَّه غير كل هؤلاء
إنَّ ذكرياتي معهم وسيرتهم ولون علاقتي بكل منهم غير مصطفى محمود..
إنَّ كتاباتى عن كلِّ هؤلاء كانت انطباعات ومشاعر أساسها الاندماج الكلي والأحداث والعشرة والفهم الكثير والتأثُّر بمسيرتهم في حياتي ودورهم فيها
فأنا أكتبُ بفطرةٍ بالغةِ الصدقِ ولستُ محترفةَ كتابةٍ،
إنما أسجِّل مشاعري دون دراسةٍ أو نقدٍ أو تحليلٍ، وهنا أذكر له (مصطفى محمود) أنه قال لي ذات مرةٍ (أنتِ يا لوتس أكتر واحدة عندك القدرة على فهم وتحليل الشخصية)... هذا ما قاله، وما لم أعرفه في نفسي..
ورغم ذلك فحين أقدمتُ على محاولةِ الكتابةِ عنه... شعرتُ للمرة الأولى بعجزٍ شديدٍ فتوقفتُ تمامًا لمدةٍ ليست قصيرةً..
لماذا؟
إنه عملاقٌ ليس كبقيةٍ من عرفت من عمالقةٍ..
عملاقٌ فريدٌ في شخصهِ
في خصالهِ
في أدبهِ
في تفكيرهِ
في عقليتهِ..
في نظرتهِ إلى الحياةِ وفلسفته..
إنه من كبار المفكرين العربِ في عصرنا الحاضرِ.
هو أصعبُ من كلِّ هؤلاء العمالقة..
أعجزُ تمامًا عن الوصولِ إلى عقلهِ أو قلبهِ
رغم سعة هذا العقل سعةً غير طبيعيةٍ
وعمق هذا القلب عمقًا غير عادي..
إنه عاقلٌ جدًّا ومجنون جدًّا وهو طيب جدًّا وقاس جدًّا..
وهو عاطفيٌّ أحيانًا وجامدٌ ومتحكم في أحاسيسه أحيانًا كثيرة..
وهو سهلٌ وممتنعٌ وهو هادئٌ وثائرٌ..
وهو بسيطٌ للغايةِ ثم مبهمٌ وغامضٌ أكثر المراتِ.. وهو عميقٌ ومدركٌ وأذكى الأذكياء ثم يبدو غير ذلك مرات كثيرة..
إنه إنسانٌ لا يستطيع أن يفهمه إنسان
لكن إنه ذلك الرائعُ العملاقُ المستعصي على فهمِ الأذكياءِ بفلسفته المحبوكةِ المحكمةِ وعلمه الذي تفوَّق على العلم..
وعمق إدراكه لكل ما لا يُدْرَكُ..
إنني أكتبُ عنه وأنا مصابةٌ بالهلع والخوف والاضطراب الشديد
وفي مخيلتي أنه أمامي يحاسبني بنظرةٍ واحدةٍ حادَّةٍ من عينيه
ويقول لي: من أنتِ حتى تكتبي عني؟
ما استطاع أحدٌ أبدًا أن يفهمَنِي..
بل ما استطعتُ أن أفهم نفسي لفرط صدقها وعنفوان انفعالاتها وعمقِ علمها وإحساسها..
كل هذا إلى جانبِ رقَّةٍ شديدةٍ وحنانٍ بالغٍ ووداعةِ طفلٍ صريحٍ..
ودائمًا يحفظُ المسافةَ بينه وبين أقربِ الناسِ إليه..
إنه يصفعك بنظرةٍ
ويربت كتفك بيدٍ حانيةٍ،
ومع ذلك فقد تجرأتُ وها أنا أكتب عنه عساني أصلُ إلى أعماقه
يمسُّ قلمي الصفحات..
أرتعدُ من الرهبةِ..
أخشى أن أخطئَ في تحليلي
أو أقعَ في محظورٍ..
وأنا أكتبُ عن أذكى الأذكياءِ
وأنقى الأولياء
أكتبُ عن إنسانٍ لا يتكرر في زماننا أو أي زمان آخر...
لقد مضت سنوات طوال وشارف العمر نهايته.. حسرة في نفسى أنني لم ألازمه ليلَ نهارٍ...
وكيف كان يكون لي ذلك وهو الصعبُ المستحيلُ رغم صداقتنا وحديثنا الطويل أفتقدُ أحاديثه
أفتقدُ عقله الغزيرَ وشذوذَ ردودِ أفعاله،
أخشى أن يخوننى المنطقُ ويجانبي الصوابُ..
أخشى الإساءةَ إليه حين أهدف إلى الخير كله..
أخشى الإبحارَ فى مكنوناته وتلافيف أحاجيه وألغازه..
أخافُ من نفسي وعليه ألا أحسن التعبيرَ عن ذكائه الخارق وعمق وجدانه وبحار اكتشافاته.. وطهارة مراميه.
لقد اضطرتنى الكتابةُ عنه إلى إعادة قراءة كل ما كتب
وأُصِبْتُ بإرهاقٍ شديدٍ
ولم أذق النوم ليالي طويلة
وأنا أغوصُ بكل تأملاتي فى فلسفته وتمرده وقلقه ثم إيمانه..
وأصابتني العدوى..
عدوى القلقِ والكآبةِ والتشاؤمِ والتفكيرِ في الموت وما بعد الموت وما قبل الموت وباللاجدوى من كل شىء حتى حياتنا نفسها ثم... الصعود إلى السماء والتوسُّل إلى الله واللجوء إلى كل ما يقربني منه..
وانشغلتُ بنفسي عما حولي وأصبحت في عالمٍ غير العالمِ..
وأخيرًا هدأتُ، ولجأتُ إلى شىءٍ من التوازنِ
أعاد إليَّ طمأنينتي فدعوتُ له بالشفاءِ، واستكنتُ إلى الكتابةِ..
ووجدتُ بعد المجهود أنه فجأةً - وبلا استئذان - يتسلل إلى وجدانك، قلبك، روحك، حياتك
فيفيض مما وهبه الله من حكمةٍ وسلاسةٍ ودماثةٍ وآياتٍ محكمةٍ في الكونِ كله...
والتقيت ثانيةً بالدكتور مصطفى محمود
واندمجتُ في توحده بالوجودِ وما وراء الوجود.. بالله.. فى صوفيةٍ عارمةٍ أسلمتني إلى لونٍ من الهدوءِ لم أظفر به زمنًا..

الدكتور مصطفى محمود تَخَرَّج في كلية الطب دفعة 1952
وتخصَّص في الأمراض الصدرية،
وتتلمذ على ثلاثةٍ من كبارِ الأطباءِ هم الدكاترة أنور المفتي وعبد العزيز سامي وعبد العزيز شريف.
ثم احترف الأدب،
وتتلمذ على ثلاثةٍ من كبارِ الأدباءِ والمفكرينِ وهم: عباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم.
وقبل أن يصبح مصطفى محمود طبيبًا وأديبًا شهيرًا كان وهو طالب بطنطا الثانوية، يجوب الموالد وراء دراويش إبراهيم الدسوقي ومجاذيب السيد البدوي.
وفي القاهرةِ وجد في شارع محمد علي الموسيقيين الذين يعزفون على النوتةِ والمطرباتِ والعوالمِ اللائى يحفظن أغنياتِ كبارِ المطربين والمطرباتِ فهجر الدراويشَ والمجاذيبَ وتتلمذ في حارة العوالم على عازف الناي حسين فاضل والمايسترو حسب الله والأسطى منيرة المعداوى، وأصبح حلمه الأول أن يصبح موسيقارًا واصطدم الفيلسوف المفكر بأنه سيكون واحدًا في طاقمٍ أو عازفًا في تخت، وفكَّر في احتراف الطب والتحق بكلية الطب وهجر الموسيقى وحارةَ العوالمِ إلى المشرحةِ وقصر العيني.
وهو يقول: quot;إنه اختار مهنةَ الطبِ ليلتقي بكل طبقاتِ المجتمعِ وهم في حالة عري
كلهم يخلعون ثيابهم وأسرارهم ndash;
كل إنسانٍ جاء ليقول السر الذي لم يبح به لملخوقٍ..
الحشَّاش والسكرى وغيرهما يصارحون الطبيبَ الذي يسجل تاريخ حياة مريضه.
وبهذا يتصل الطبيبُ بقلب المجتمع وروحه..
والطبيب هو الوحيد الذي يحضر لحظة الموت والميلادquot;

صَدَاقَتُنَا

كان يسمِّيني سوسن أو (سوسنة)
وهو الاسمُ المرادفُ للوتس بالهيروغليفيةِ سوسن..
عرفته في الثمانينيات..
كان زوجي وزيرًا للمالية والبترول بالكويت
وقد حقَّق الكثير..
مثل (مشروع صندوق الخليج من أجل مصر)
ثم (مشروع سوميد للبترول) ndash;
وكانت حواراته العديدة مع الرئيس محمد أنور السادات مدخلاً للنقد،
وإعادة النظر مع تدخُّل الكثيرين من كتَّاب مصر
منهم الكاتب أحمد بهاء الدين والكاتب أنيس منصور ثم الدكتور مصطفى محمود الذي كان صديقًا شخصيًّا وحميمًا للرئيس السادات..
وعرفته وقتذاك ثم اقتربتُ منه كثيرًا
وأنا أحمل إليه تبرعاتٍ خليجيةً من أجل مصر
ثم مشروعاته الإسلامية الخيرية..
وكان زوجي يحرص على زيارته كلما جاء إلى مصر
ويستعين به في حل مشكلاتِ البنوكِ الإسلاميةِ التي كان يؤسِّسُها في لوكسمبورج
ويديرها مصريون فكانت حكمة الدكتور مصطفى محمود وصرامته وعلاقاته المتعددة ذات فائدةٍ قصوى في حل تلك المشكلات التي كانت تنتهي بكسب مادىٍّ للمشروعاتِ الإسلاميةِ في مصر
وفي ذلك الوقت كان يقول لي ضاحكًا:
عندك زوجٌ عبقريٌّ يعاقب ويكافئ في الوقت ذاته
دون أن يخسر شيئًا من جيبه
وهذه طباع رجال المال الأذكياء.. أو اليهود
وتمَّتْ (كامب ديفيد) بعد ذلك
وانقطع زوجي عن الحضورِ إلى مصر
واضطررت للعودة إلى الكويت
واستمرت علاقتنا بالدكتور مصطفى محمود الذى كان يزورنا ضمن زياراته إلى الجزيرة العربية...
كنتُ قارئةً نهمة لكتبِ الدكتور مصطفى محمود قبل ذلك بكثيرٍ
دائمة السؤالِ والاستفسارِ منه عما يكتب أو يقول..
ومن هنا كانت صداقتنا على مستوى إنساني وعائلي...
فكنتُ أقيم أحيانًا فى فيلته بالغردقةِ أثناء وجودهِ وابنته أمل وأولادها
ويحتدم بيننا النقاش فى كل شىءٍ
وكانت تحضر معه أحيانًا شقيقته الكبرى الحاجة زكية - رحمها الله - نقية فطرية أستمع إلى حكاياتها عن طفولته وعاداته وتربيتهم..
وهذه السيدة
هى التى كانت تقوم على خدمته
بإقامتها الدائمة معه بعد انفصاله عن زوجته الأولى السيدة سامية أم ابنيه أدهم وأمل...
وكان يحضر إلينا كثيرًا
الشيخ أحمد زكي يماني وزير البترول السعودى آنذاك
وقد قمتُ بواجب التعارف بينهما
فكنا نقضى أجمل السهرات الدينية معًا والإعلامي المعروف أحمد فراج رحمه الله..
وحين تزوج الدكتور مصطفى من زوجته الثانية زينب
عقد قرانهما بالكعبة وظن خطأ أنه سيستقر أخيرًا
ولكنَّ النزاع بينهما لم يكن ينتهي..
واعتبرتني صديقةً حميمةً لها فى هذه الفترة
حتى أنهما كانا يقضيان بعضًا من أيام الصيف معي في فيلا أمتلكها بالعجمي
وكنت أرقبُ علاقتهما عن كثبٍ
وأقولُ في نفسي لن يستمرَ هذا الزواج...
وفجأة حادثتني هاتفيًّا في يوم ما قائلة:
صاحبك أرسل لي ورقة الطلاق!...
هكذا قال الدكتور مصطفى محمود.. لن تحتمل زواجي أية امرأة..
وهكذا كانت علاقتى ومعرفتى الحميمة بالدكتور مصطفى محمود..
بعد ذلك تباعدت بيننا الزياراتُ بسبب الظروفِ والأسفارِ
إلا من السؤالِ الدائمِ تليفونيًّا وبعض الدعوات التي يوجهها لي أو لزوجي لحضورِ مناسباتٍ ثم حضوره إلى بعض الصالونات الأدبية التى أقيمها في مسكني
وانشغالي بالملكة فريدة (السنوات الخمس الأخيرة من حياتها) والتي عرَّفته بها..

ونأتي إلى مرحلةٍ أخرى من مراحلِ حياتي المهمة وطدت صلتي بالدكتور مصطفى محمود وهي المرحلة الدينية..
وأنا أقسِّمُ حياتي
إلى مراحل الدين والفن والفلسفة والسياسة،
فالمرحلة الأولى وهى الفلسفة بحكم دراساتي..
والثانية السياسة بحكم زواجي..
والثالثة وهى الفن بحكم الموهبة أولاً ثم اختلاطي بفئةٍ معينةٍ من المجتمعِ على رأسهم أحمد بهاء الدين ساعدتني على نمو تلك الموهبة وكان للملكة فريدة دور مهم فيها..
والرابعة كانت المرحلة الدينية وفيها انقطعت ردحًا طويلاً من الزمنِ عن كل شىءٍ إلا العبادة والتفرغ للتعمق في الدين وكنتُ بحاجةٍ شديدةٍ إلى ذلك..
كان هذا هو الوقت الذي التقيت فيه بالشيخ محمد متولي الشعراوي أثناء العمرة
وقضيتُ بمنزله فترةً طويلةً فى مواجهة الكعبة
وكانت بيننا حواراتٌ طويلةٌ..
ثم التقيتُ بالإمام الأكبر الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود أثناء الحج
فأدخلني معه إلى الكعبة وتوطدت بيننا العلاقة ndash; وكان شيخًا للأزهر ثم وزيرًا للأوقاف ndash; حتى أنني بدأت معه فى دراسةٍ طويلةٍ لدكتوراه أخرى في التصوف الإسلامي اختار لها عنوانًا هو (الأحوال والمقامات).. هذه المراحل يطول الحديث فيها ولكن ليس فى هذا المجال حاليًا وأنا أتكلم عن الدكتور مصطفى محمود
الذي لجأت إليه مرةً ثانيةً لمساعدتي في حل ألغاز ما أحطتُ به نفسي وقتذاك.. وطالت بيننا الحوارات بطريقةً أخرى فهو عالم وفيلسوف وطبيب وفنان ورجل دين فى وقت واحد..
ولذا كان أسهلهم جميعًا في إقناعي واقتناعي.. واستمرت صداقتنا..
كان إذن اتجاهي الديني الصوفي مدخلاً لحواراتٍ لا تنتهي بيننا
وكان يقول لي: تمهلي ولا تندفعي دون تريث
فالدين ليس انفعالاً عاطفيًّا يزول بإزالةِ المسبب..
تأملي برفقٍ وفهمٍ وتعمُّقٍ
حتى يكون اقتناعك دائمًا وليس مؤقتًا وحتى لا يغنيك عنه شئ آخر..
تكلمنا في أحوال أهل الطرقِ الصوفيةِ
وكيف يرتقي الصوفيُّ بمقاماته حتى الذروة العليا من الزهد والترفُّع عن المادة..
كان مدخل الدكتور مصطفى محمود إلى ذروة الإيمان من خلال العلم ndash; وعلى حد قوله بدءًا بالطب ودروس التشريح وتكوين الجسد البشرى كيف أبدع الله بمعجزاته في البشر (وفى أنفسكم أفلا تبصرون)..
ثم الفلسفة التي تثير وتُعمِّق كل فكرةٍ
فتقودها إلى الحيرةِ ثم الشكَّ ثم الانغلاقِ والانفتاحِ حتَّى الوصول إلى الحقيقةِ أو الاقترابِ منها والتأمل فيها.. وأخيرًا الفن.