سيف عادل من لاهاي*: في عرس جديد لرابطة بابل وفصلاً من فصول أماسيها الثقافية الشعرية الفنية، وعلى بركة أماني الحضور وعلى طريقة برشت راح الدكتور سلام الأعرجي يجمل فضاءات المكان ويسافر بمفرداته السحرية وأدواته الإدارية، يسافر بالحضور الكريم إلى ذالك النفس العراقي الأصيل مقدماً وممسكاً لدفة الحديث بين شاعرين تلاطمت بهم الحكايات والأيام والتأريخ والعذابات التي نقشت في ثنايا أروقة منجزهما الإبداعي، شاعرينا فينوس فائق وسعد عزيز دحام، هنا اليوم يحكيا عن تجاربهما الشعرية بين الألم والفرح، السهل والجبل، الغربة والوطن.
بدأ الدكتور سلام الأعرجي محاوراً شاعرينا وبطريقة غرائبية للحضور الكريم حيث طلب من الشاعرة فينوس فائق والشاعر سعد عزيز أن يجلسوا بين الحضور كيفما أتفق وراح يحاورهم من منصته بتلك الأسئلة المستقاة من منجزهم الإبداعي ثم طلب من الشاعرين مرافقته إلى المنصة وسط الأهازيج العراقية والتصفيق المصحوب بذالك الفرح والحب والأمل العراقي.
وما أن تحدث عن ألم الشعب الكردي حتى نطقت الدموع في عينيها بدل الكلمات كانت الشاعرة فينوس كتله من الشموخ الأصيل والحب الذي ظل يسافر بها إلى أديم الأرض، هناك في العراق كانت كالطائر الذي يرحل في كل الصباحات ليأتي لنا بحكاية جديدة هكذا كانت تسافر بقصائدها إلى تلك الذكريات التي نزفت الأهل والأحباب والعصافير التي طالما غردت للوطن.
هكذا عصف الصوت منادياً بغزل لآلهة الحب والشعر فينوس أن أقدمي وتمسكي بقصائدك وأعلني عن ما يدور بعوالمك من عذاب، حب، وطن وطيف أسمه الأماني تلك المرأة الكردية الروح والملامح التي سكن فيها جنوب كردستان ليبدأ ألقها وعبير قصائدها يسيل فوق جراح وطن وحبيب مكبلاً بها، هنا من الجدير بالذكر أن أشير إلى أن الشاعرة لها تأريخ ممتلئ بسيرة ذاتية رائعة وخبرات علمية\ شهادات أكاديمية \ رئيسة المعهد الكوردي في هولندا\ عضوة في حركة شعراء العالم \ عضوة في منظمة (on-file) الخاصة بالصحفيين المهاجرين في هولندا \ عضوة في نقابة الصحفيين الدولية \ عضوة في هيئة تحرير مجلة (الأنفال) \ مستشارة في الملحق الأدبي لجريدة (الناقوس) التي تصدر باللغة العربية في منطقة كرميان في كوردستان \ حاصلة على جوائز وشهادات تقديرية \ مشاركات في مهرجانات ومؤتمرات وندوات عدة في عواصم أوربية \ لها مقالات نشرت في عدت مجلات \ لها عدة دواوين باللغة الكردية\ لها أيضاً دواوين باللغة العربية \ ناشطة مستقلة في مجال حقوق المرأة\ ناشطة بمنظمات المجتمع المدني\ ناشطة مستقلة في مجال البحث في جرائم الأنفال و الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد الشعب الكوردي و تعريفها بالأوساط العالمية.
صاح بصوت بين الحضور نُقش على انحناءات أفكاره، الترقب، الدهشة، المرح، وتطايرت علامات الاستفهام في سماء القاعة عن يوم فيه أبن الشطرة يتشاطر التأريخ والدهر والوقت معه، ويعزف ويتغزل في حبيبة هلامية الروح غائرة بعيدة .. ووطن حبيبٌ قريب، طيور نهر الشطرة بين ضفتي نهرها اليوم تحضر أبهى حليها بين يدي معشوقها الشاعر والكاتب والممثل المسرحي سعد عزيز دحام، سعد عزيز حبس الأنفاس لرهف حس كلماته العذبة التي شاخت بصدورنا أريجاً يعبق ويسيل بصوره الجميلة وخطف السكون المصغي لدفء حسه وأرتحل حاملاً الذكريات والحضور معه يعزف ويرقص رقصاتٌ جميلة الالتفافات بكلمات قصائده ليدق أسوار الوطن، هنا اليوم نغني لك أيها الحبيب (عـــراق) ترتسم ابتسامتك بقلوبنا رغم الآهات المعمرة فينا عبر الأجيال .. بعد أن أستفهمه الأعرجي بعدة أسئلة شدني بسؤاله (هل لازلت أسمر طوخ؟)
نعم أنا عراقي ولوني أسمر طوخ..
و أبيض گلب ويگطر نـــزاهه
عشت حرب وسجن والغربة ودموع
غيمة الدنية شر تمطـــر سمــهه
بس والله أبتسم ما هزنــي الضيــــم
أنا أبن اليــوم والرايــح فــداهه
أنه أبن المالواه الوكت لمن ضاك
آنه أبن العراق وبيه نتبـــــاهه
ما أن نطق ببطاقة شعرية وترنم بصوته قصائده الدافئة لتُضيء ابتسامات ترتعش خلف الشفاه تستأذن ترغب أن تنطلق ملئ الأفواه من حشدٍ حاضرا يعلن عن ارتواء دواخله سهُّافُ الأغتراب.
لسعد هذا المبدع تاريخ ليس بالقليل بين عذابات الدهر التي مرت به رفض كل تقليدي وواصل مسيرته وطمر خلفه الخوف والعذاب والسجون بمسيرة امتلأت بنياشين الانجاز لديه مجموعة مؤلفات مسرحية\ تأليف مجوعة سهرات تاريخية تلفزيونية \ حوارات صحفية عديدة \ ممثل مسرحي \ عضو نقابة الفنانين .. قسم المسرح \عضو نقابة الصحفيين العراقيين \ عضو اتحاد الأدباء \ عضو جمعية الشعراء الشعبيين \ رئيس التجمع الثقافي المستقل \ رئيس تحرير مجلة فجر الحرية \ عضو هيأة أدارية لرابطة بابل للكتاب والفنانين الديمقراطيين العراقيين في هولندا \ أحد مؤسسي فرقة بيت أكيتو للمسرح الحديث في هولندا.
ابتدأت آلهة الحب والعشق فينوس بقصيدة باللغة الكردية (جيبوتير) وتحدثت قليلاً مترجمة لبعض من فصول القصيدة للجمهور باللغة العربية وقالت غالباً ما أمزج بين القضايا السياسية وألفها بلقاح من الحب، استمرت فينوس بانهمار ينابيع قصائدها وما تحمله من عشق ومرارة ألم وأحلام تعيشها يومياً بين أوراقها وأرقها الطويل مع إبداعها الشعري وتعيش بكثير من قصائدها ظلاماً متبوع بنور الحلم والمشاعر المرهفة التي تحفرها بمعاني كلمات قصائدها، ألقت من مجموعة طلاء الأظافر قصيدة (أقداح الشاي) قصيدة لأمي .. فيها من الروائح والوجع والهيل والقمح المنثور فوق أمنيات الحب، فناجين الشاي التي رصت من التعب لدهر وضع أخيرا لمساته على أواخر العمر، وعصافير غادرت وتركت خلفها الصدى والذاكرة المتعثرة بالغياب .. قصيدة حفرت لهفة العودة إلى الأم والارتواء بحنانها الغامر، وفي حديثها عن لسان رجل (قال لي) quot; أتعلمين يا مولاتي أنني اليوم سلطان quot; يفكر هذا الرجل بأفكار فينوس وعلى لسانه تتكلم عن أحلام كل الرجال لحبيباتهم بين زهوهم بهذه المخلوقة الحبيبة وتبخترهم بين الخلائق بأني أحب هذه الملاك هذه القديسة وأنا أنتمي اليوم لمملكتها وأزرع وألون الشموس وأنزل الأمطار وأفتح أبواب السماء لكِ، أزرعك دماً أزلياًً في عروقي لاحيا بكِ ما بقي لي من العمر، وما زالت فينوس تعزف ما سطرته من الكلمات بين قصائدها باللغة الكردية والعربية بين قصيدة (تموز) وقصيدة (لا إله إلا الله) و (على الجدار) أن تجربة فينوس مع هذه القصائد استحقت بحق ذالك الإطراء الرائع والجميل من السيدات والسادة الحضور لقد كان للحضور تجربة رائعة مع قصائدها المعطرة بعبق ودفء وعذوبة ومرارة وتجربة حياتها.
سعد عزيز دحام سحر الحضور بقصائده الشعبية وبطاقاته المكثفة وأبوذياته الجميلة وحلق بسماء عراقنا الحبيب، وخصوصاً مدينة الشطرة التي لم تخلو قصائده منها ولم تخلو هذه الجلسة من المنلوج، فرح عفوي يرافق ابتسامته الممتدة على كل باب كلمة من كلماته، وأحسه يعيش بمفرده عند قراءة القصائد، ابتدأ سعد عزيز بجرة عشق مرحباً بالحضور مغازلاً الحبيبة ومتغنياً بتراب العراق من صوره المكثفة الجميلة التي سحرت الحاضرين وجعلتهم يقاطعونه أكثر من مرة بتصفيقهم الحار ليندمج بولادة جديدة لأحدى قصائده كما يولد شط العرب بدجلة والفرات.
أحلمك وانه صاحي من أنام أصحاك
وأدّثــر بطيفــك لو غفت عيني
وأتحول جرح كلما يصيبك ضيم
وأفز فزت أمسودن من تلاكيني
يا غنوة فرح أطربت ليك الروح
رگص ضيم الكلب جزع شرايني
ما ريدك تجيني وتصد ليك العين ..
أدورنك بروحــــي وإلك تهديني
على دفء أكف المحتفين به فرحاً وابتهاجا ظل سعد عزيز دحام يمطر السماء بهجة بكلمات شعره الشعبي الجنوبي بين صدر وعجز تتلاطم الأسماع حتى ينادي أحد الحضور الله يا سعد ويصفق الجميع يستذكر البهجة بأهل العراق التي ما زالت تنخلط برائحة أنفاس العراقيين.
وتخللت الأمسية الشعرية مداخلات نقدية وأسئلة من الحضور للشاعرين مما أضاف إلى الأمسية ألقاً جديداً ارتقى بهما إلى أعلى مستويات الإبداع.
في نهاية الأمسية تقدم الأستاذ الموسيقار حميد البصري رئيس رابطة بابل للكتاب والفنانين الديمقراطيين العراقيين في هولندا بكلمة شكر للأخوات والأخوة الحضور وتحدث عن رابطة بابل للكتاب والفنانين وعن منجزها الإبداعي وبرنامجها السنوي طالباً منهم هذا التواصل الجميل ثم قدم الفنان التشكيلي فاضل نعمة باقة من الزهور إلى الشاعرة فينوس فائق تلتها الفنانة شوقية العطار بتقديم باقة من الزهور إلى الدكتور سلام الأعرجي الذي كان محلقاً في فضاءات مليئة بالجمال من خلال أدارته الرائع لهذه الأمسية ثم قدمت الفنانة التشكيلية رملة الجاسم باقة من الزهور إلى الشاعر سعد عزيز دحام فكانت بحق هذه الأمسية كرنفال عراقي سافر بنا إلى ليالي دجلة والفرات وفي ختام هذه الأمسية أسدل الستار على فصل من فصول أماسي رابطة بابل للكتاب والفنانين الديمقراطيين العراقيين في هولندا بمزيد من النجاح والإبداع.
*عضو الهيئة الأدارية في رابطة بابل للكتاب والفنانين الديمقراطيين في هولندا.
التعليقات