*دعوة إلى التعاون لمواجهة التحديات العالمية وقراءة المثل والقيم المشتركة

* طلاب يابانيون: الإسلام دين مقيد به الكثير من الأوامر والقليل من الحرية

في الاستهلال الذي كتبه الدكتور محمد بن سعود البشر رئيس الفريق العلمي لمشروع الفكر العالمي عن السعودية في كتاب: quot;الحوار بين أتباع الأديان ndash; رؤى عالميةquot; يشير إلى أن الغايات السامية للحوار بين أتباع الأديان لن تؤتي ثمارها وتحقق نتائجها التي يتطلع إليها العقلاء في كل أمة إلا إذا تجرد المحاورون من الاستغلال السياسي أو الثقافي تجاه هذه البادرة الحضارية، وأن تكون لديهم ndash; قبل حواراتهم وبعدها- معلومات صادقة وموضوعية عن غيرهم من أطراف الحوار، وأن يأخذ العدل مكانه الطبيعي بين هذه الأطراف المتحاورة.
في هذا الإصدار الفكري الصادر عن دار غيناء للدراسات والإعلام بالرياض بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، في طبعته الأولى 2010 تتجلى مجموعة من الرؤى الثقافية المختلفة التي تناقش ما ينبغي أن يكون عليه الحوار المرتجى، وتشخص أهم المشكلات التي تواجهه بأسلوب علمي وموضوعي، ويتضمن عشر مقالات ودراسات لكل من د. عبدالله التركي، ود. صالح بن حميد، ود. عز الدين إبراهيم، وإدوارد كيسلر، وعبدالواحد بيدرسين، وكينتا كاساي، وجون حبيب، ود. محمد السماك، ووليام بيكر، وجف جيتس.
وقد تضمن الكتاب ثلاثة محاور تناقش: الإسلام والحوار مع الآخر، والحوار والعلاقة بين أتباع الأديان، والمشكلات التي يمكن أن تحل بالحوار.

الإسلام والآخر:

في مقدمة ضافية كتب الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي في عنوان:quot; الحوار بين أتباع الأديان.. من مكة إلى نيويوركquot; وفيه تناول التركي مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، بدءا من انطلاقتها الأولى في مؤتمر علماء المسلمين الذي عقد بمكة المكرمة في يونيو 2008 الذي ناقش فكرة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ووضع أهدافه وآفاقه وسبل تطويره، ودراسة العوائق التي تعرقل مسيرته. حتى توالي تكرار اللقاءات الحوارية العالمية في مدريد 2008وفي فيينا وجنيف ونيويورك في العام 2009.
ويبرز التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي والوزير الأسبق للشؤون الإسلامية والأوقاف القيمة السامية لهذه المبادرة، خاصة وأن المتأمل فيما لدى أتباع الأديان من قيم ومثل- على حد قوله- يلحظ أنها تملك قدرا مشتركا من القيم النبيلة، والرؤى المشتركة التي يمكن التعاون من خلالها في مواجهة التحديات العالمية التي يجمع معظم عقلاء العالم على خطورتها، وضرورة التصدي لها في عالم أضحى كالقرية الصغيرة يتأثر كله بما يموج في جوانبه.
وأكد التركي على أن الإسلام المستعلي على دعوات الصراع أرسى منهجا حواريا واضح المعالم والأهداف، فهو رسالة الله ورحمته للعالمين، والمسلمون كانوا من أسبق الأمم إلى الحوار وأكثرها تعاونا مع المكونات الثقافية الأخرى، ولا ريب أن حركة الترجمة وتجربة التعايش كانتا من أبرز مظاهر هذا الانفتاح على الآخرين الذي لم يؤد إلى الاستلاب الحضاري كما لم يعن ابدا فقدان الخصوصية أو التماهي مع الآخر.
من جانب آخر يشير د. عز الدين إبراهيم مستشار الشؤون الثقافية بدولة الإمارات العربية المتحدة، إلى أن مشكلة الإرهاب هي مشكلة إنسانية غير مقيدة بدين معين أو شعب معين أو ظرف سياسي معين، بل هي تفجر شبابي يقع في جميع القارات وبشتى المبررات، ومن سذاجة التحليل حصره في العالم الإسلامي، مما أدى إلى تحفظ بل معاداة غير مبررة تحت عنوان:quot; إسلاموفوبياquot; وعلاج هذه المشكلة متشعب ويجب أن تتضافر جميع الدول على دراسته والتعاون في تطبيقه.

الإسلام.. منظورا إليه:

تحت عنوان:quot; العلاقات الإسلامية النصرانية اليهودية في ضوء المبادرة السعودية للحوارquot; يكتب إدوارد كيسلر ويرى أن المبادرة السعودية للحوار كشفت أن المسلمين ndash; خصوصا في منطقة الشرق الأوسط- مقتنعون بضرورة الحوار، ولكن لكي يحدث هذا ينبغي أن تكون هناك زيادة في التفاهم المشتركquot;.
ويضيف كيسلر مؤسس معهد وولف للدراسات الإبراهيمية وزميل كلية سانت أدموند- كيمبردج،:quot; من خلال تجربتي مشاركا وناشطا وأكاديميا في الحوار بين أتباع الأديان خلال الخمسة عشر عاما المنصرمة، فإنني أدرك أن الحوار الحقيقي يكون بالاجتماع المباشر بين الأطراف المعنية بالحوار، والتحدث مع الآخر بكل احترام، وهذا أمر عسير جداquot;.
وعن الحوار بين المسلمين واليهود يتساءل كيسلر: كيف يمضي المسلمون واليهود قدما في الحوار؟ ويرى أن تأسيس الثقة المشتركة والاحترام المتبادل يتم خطوة خطوة، مستعرضا الحوارات الفاشلة التي تمت من قبل بين المسلمين واليهود حيث تشكل تأثيرات الصراع في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل جانبا من هذا الإخفاق، ويقول:quot; إن فهم هذا الإخفاق يعد أمرا أساسيا في نجاح الحوار الإسلامي اليهودي في المستقبل، ولكن ينبغي أن تكون هناك مواجهة حقيقية لمعالجة الخلافات الحادةquot;.
ويبدو أن كيسلر الذي يصف صراع الوجود بين الكيان الصهيوني والعرب، بquot; الخلافات الحادةquot; فهل اقتلاع شعب عربي من أرضه عبر مخططات استعمارية كبرى انتهت بقيام هذا الكيان الصهيوني الاستعماري يوصف بكلمة:quot; خلافات حادةquot; ؟
ويذكر كيسلر:quot; إذا كانت التحديات التي تواجه الحوار الإسلامي اليهودي تبدو شائكة، فعلينا النظر في التقدم الكبير الذي حدث في العلاقات النصرانية اليهودية في المائة عام الماضيةquot;.
وعن المسلمين في اليابان يتناول كينتا كاساي quot; المعرفة بالإسلام وتعزيز الحوار بين أتباع الأديان في اليابانquot; ويشير بداية بالقول: على الرغم من أن اليابان ارتبطت بعلاقات تجارية وثقافية مع بعض المناطق الإسلامية في قارة آسيا ومنطقة الشرق الأوسط منذ قرون خلت، وأن أعداد المسلمين الذين يزورون أو يقيمون في اليابان تزداد بصورة مطردة، إلا أن هناك بعض الأسباب التي أعاقت الفهم الصحيح لهذا الدين، وهذا بدوره قلل من فرص إقامة حوار مبني على الفهم المشترك للحضارة الإسلامية والحضارة اليابانيةquot;.
ويوجد باليابان أكثر من 50 ألف مسلم، وعلى وجه العموم لا يمكن القول: إن الشعب الياباني يفهم الإسلام جيدا، وفي دراسة ميدانية أعدها تاكاكي ماتسوموتو أستاذ تاريخ العالم بالمدارس العليا باليابان في العام 2003 تركزت الدراسة حول فهم أو عدم فهم طلاب الدراسات العليا للإسلام وكشف الاستبيان الذي شمل عينة من 1670 طالبا علاقة مثيرة بين معرفة الإسلام والانطباع السلبي المكون حوله، وخلصت الدراسة إلى أن هؤلاء الطلاب يعتقدون أن:
الإسلام دين مقيد به الكثير من الأوامر والقليل من الحرية مقارنة بالأديان الأخرى، وأن الإسلام دين غريب وصعب الفهم وغير شامل لجميع جوانب الحياة، وأن المسلمين غير متسامحين وعدوانيين، وأنهم رجال ملتحون يسكنون الصحراء ويمارسون التفرقة بين الجنسين.
وبالرغم من هذه الصورة السلبية التي تؤثر فيها وسائل الإعلام، فإن الكاتب يدعو للحوار بين الحضارة الإسلامية واليابانية، ويشير إلى عدد من مؤتمرات الحوار عقدت بالقاهرة وجنيف وتونس والبحرين، فضلا عن المؤتمرات التي دعت إليها المبادرة السعودية للحوار، ويخلص إلى أن هذه الحقائق وغيرها تثبت الأهمية التي يعلقها المسؤولون اليابانيون للحوار بين أتباع الأديان، ويبدو أن هناك اقتناعا تاما بين اليابانيين المنخرطين في الحوار بين أتباع الأديان أن الحوار مع المسلمين مهم لإشاعة الحوار مع الأديان والحضارات الأخرى.