لا شك في أن أغلب أعضاء الحكومة العراقية الحالية والتي سبقتها، وتحديداً منذ تكوين مجلس الحكم العراقي، هم ممن كانوا مناهضين لنظام الديكتاتور الزائل، أي أنهم كانوا ضمن التنظيمات العديدة ndash; أحزاب، منظمات، وأفراد - التي كانت تشكل معارضة عراقية، على اختلاف انتماءاتها وأفكارها، تجتمع برؤية أساس تتمثل في إسقاط الديكتاتورية وتأسيس نظام ديمقراطي يحكم العراق دون حروب وسفك دماء وغزوات ومهاترات وعرض عضلات بوجه دول الجوار،

جاء في القاموس المحيط، ومثله في quot;لسان العربquot; وفي quot;الغنيquot;: أن الأَرْعَنُ هو: الأهوج في أقواله، أو الأهوج في منطقهِ المُسْتَرْخي - ما أكثر ما يَختصم الأرعن مع الناس/ جيشٌ أرعن، أي مضطرب لكثرته/ جبل أَرعن، أي ذو رعانٍ طوال، أي أنوف عظام شامخة.

وغيرها الكثير من الأفكار وquot;الشعاراتquot; التي يمكن لنا إعادتها إلى الذاكرة بنظرة سريعة على أدبيات ونشرات ت لك الأحزاب والمنظمات التي كانت تصدرها زمن الديكتاتور. ومما لا شك فيه أيضاً أن quot;الحزب الشيوعي العراقيquot; و quot;حزب الدعوة الإسلاميquot; كانا على رأس تلك التظيمات كونهما الأعرق تاريخاً، والأكثر تقديماً للشهداء منذ خمسنيات القرن الماضي، وبكل تأكيد فإن الحزب الشيوعي العراقي، هو صاحب النسبة الأعلى عربياً من بين جميع الأحزاب العربية المعارضة، في تقديم الشهداء والمغييبين.
وكنا داخل هذه الأعداد الغفيرة من الأحزاب والمنظمات والأفراد، ننادي بإسقاط الديكتاتور أولاً، كونه العقبة الرئيسة أمام تطور العراق وبناء الديمقراطية المنشودة، حتى تَحقَقَ الحلم المنشود وسقط الديكتاور، ولكن بأيدي غير عراقية للأسف.
اليوم، وبعد قرابة الثمان سنوات من التغيير، نشعر وكأننا لم نزل نطالب بإسقاط الديكتاتورية!! ولكنها هذه المرة ديكتاتورية من نوع آخر، فهي ديكتاتورية تلتحف بالديمقراطية لتحوك تحتها خطط رامية إلى مصالح شخصية بالدرجة الأولى، ثم تأتي بعدها الدعوة إلى عودة العراق حيث الماضي وحسب المفهوم الحديث quot;المشوَّهquot; لذلك الزمن. وهذا يشير بوضوح إلى أن أغلب التنظيمات والأحزاب التي كانت معارضة للديكتاتور لم تضع الخطط العملية والعلمية المدروسة لعملها بعد مرحلة الديكتاتور! وبالتالي فهي لم تقدم للشعب أي خطة عمل ndash; ربما قدمته لـquot;بريمرquot; وهذا لا يمت للشعب العراقي بصلة - وأن شعارها الأوحد واليتيم، كان زوال ذلك الغول المتمسك بكرسي السلطة. وأن كل ما كان يصاحب مطلب إسقاط الحكم الديكتاتوري، لم يكن إلا شعارات فارغة تهدف إلى تخدير عقول من ينتمي إليها، وكأن هناك ثأر شخصي بينهم وبين الديكتاتور ابن العوجة. وقد تكون الطريقة وأختيار المكان الذي أعدم فيه الديكتاتور، إشارة واضحة إلى ذلك الثأر.
إن مفهوم ومظاهر الديكتاتورية الجديدة التي ظهرت في العراق الجديد، لم تكن موجودة قبل خمس سنوات من الآن، ولكنها بدأت تظهر للعيان شيئاً فشيئاً بعد ذلك التاريخ، وتحديداً حين تسلم شخص بعينه منصب رئيس الوزراء! وقد يجد البعض غرابة في ذلك، رغم كل الشعارات والهتافات التي صارت تملأ شوارع العراق والتي تشير إلى ديكتاتورية مغلفة بالديمقراطية وشعارات وأكاذيب خاوية، وقد يكون الشخص المعني نفسه، مستنكراً لهذه quot;التهمةquot; نافياً كل ما جاء بها جملة وتفصيلاً. لذا، وفي هذه الحالة، يكون من واجبنا تقديم أدلة على ذلك، وهذا حقه بكل تأكيد، فنقول له:

هل تعي يا رئيس الوزراء، ما ذا يعني حكومة بدون وزير دفاع وداخلية؟ هل تجد تعريفاً لشخص يشغل منصب رئيس الوزراء وفي الوقت نفسه يشغل منصب وزير دفاع ووزير داخلية والقائد العام للقوات المسلحة؟ هل تعرف بأن هذا يعد التعريف الأمثل للديكتاتورية؟

بسببك أنتَ، تأخر تشكيل الحكومة لأشهر عدة - وهي ما تزال ناقصة رغم ترهلها لغاية الآن - لأنك لا تعرف أهمية المعارضة في تشكيل حكومة ديمقراطية، وتحت هذا القصور في الفهم عملتَ جاهداً على تشكيل حكومة شراكة، لتعود بنا إلى quot;المحاصصةquot; البغيضة خوفاً من كلمة معارضة، دون أن تعرف بأن الحكومات الديمقراطية والتي عرفتها الدول الأكثر تطوراً في العالم، تصنع لنفسها معارضة حين لا تجد من يعارضها، لأنها تعي تماماً ومن حرصها على استمرار عجلة التطور في البلد، أن المعارضة عنصر مهم في التطور.

حكومتك المترهلة يا رئيس الوزارء تشكلت من أجل كسب المال وليس انفاقه على الشعب، فهذا العدد المهول من الوزراء، لا يشير إلا لخوفك من المعارضة، فذهبتَ إلى إرضاء خصومك على حساب ميزانية الدولة.

هل تعلم يا رئيس الوزراء أن quot;الساكت عن الحق، شيطان أخرسquot; وهذا من صميم الأخلاق الإسلامية السامية؟ لذا فمن يتستر على المفسدين لا يمكن أن يعوَّل عليه في تطهير الحكومة من الفساد، أليس هذا من البديهيات؟ وأنتَ تعرف أن سكوتك هذا، جاء بقرار شخصي منكَ أنتَ، والقرارات الشخصية دون الرجوع إلى القانون يعد ملمحاً من ملامح الديكتاتورية.

أنتَ يا سيادة رئيس الوزراء قد عملت على تشويه سمعة كل المنفيين العراقيين الذين أفنوا سنوات عمرهم في المنافي ومقارعة الديكتاتورية، حين أدخلت بيدك كل المفسدين والمزورين والسرّاق ممن كانوا يعيشون في (الدول الكافرة) إلى صلب التشكيلة الحكومية، فصار العراقي يصرخ غضباً بوجه كل شخص هرب من جحيم ابن العوجة وعاش المنافي، متهماً إياه بالعمالة وتصيّد الفرص وعدم النزاهة حتى قبل أن يعود إلى العراق. وهنا علينا أن نتذكر إساءة الديكتاتور الزائل إلى المنطقة الغربية من العراق، هذه المنطقة المعروفة بتاريخها المشرف وقيمها السامية، حين أتى بحثالات جهلة، لم يعرفوا مقاعد الدراسة من قبل، وجعلهم وزراء ونواب ومنحهم الرتب العسكرية الرفيعة، فصار العراقي يضمر الكره لأبناء تلك المنطقة دون أن يلتفت إلى أهميتها الحضارية والتاريخية في بناء تاريخ العراق وحاضره، ناهيك عن الإساءة التي لحقت بتاريخ الجيش العراقي المشرف وسمعته ومكانته الرفيعة بين جيوش المنطقة.

حين تتجاوز قدسيّة القانون، وتتجاوز على شرعية البرلمان ومرجعيته القانونية، وترتجل قرارات مجحفة بحق شريحة من المجتمع متمثلة بكتلة سياسية تمتلك تاريخاً مؤثراً بتاريخ وحياة العراق السياسية، وتغلق مقرات أحزاب مشاركة في بناء الدولة العراقية الجديدة، وتغلق قنوات فضائية دون سبب معلن، فأنت بهذا تثبت لشعبك بأنك شخص خائف ومهزوز، أو أنك لا تفهم أو تعي ما تفعل، كونك لا تعرف إلا مبدأ القوة quot;الرعناءquot; التي تستخدمها سلاحاً بوجه منتقديك. وهذا إن كنت لا تعلم، هو ديدن الديكتاتور.

إن اتهامك لأصوات أبناء العراق الذين ضاقوا ذرعاً بفساد حكومتهم ndash; هي حقاً حكومتهم وليست حكومتكَ، لأنهم، هم من انتخبوها - وقرروا التظاهر سلمياً، بالبعثية والإرهاب والإنتماء لتنظيم القاعدة الإرهابي، وظهورك خائفاً متوسلاً بعدم التظاهر، لا يشير إلا لقصر فهمك للتجربة الديمقراطية. وعليك أن تعي، أنك حين تعمد على إخافة شعبك بعمليات إرهابية وهمية كي تثنيهم عن التظاهر، عليك أن تتذكر جيداً، بأنك وتنظيمك وغيركم من الأشخاص والتكوينات الحزبية المكونة للسلطة، قد سبق لكم وتبادتم التهم في أعمال إرهابية كثيرة... ولا ندري، هل كنتم جميعاً على خطأ، أم الصواب كان حليفكم.

إعلم يا رئيس الوزراء أن شخصك وما تفكر به وما تطمح إليه لا يهم الشعب كثيراً ولا يحسبون له أي حساب، هم يتطلعون لقرارات حكومتك وأفعالها ومنجزاتها على الواقع، يتطلعون إلى التخلّص من quot;الكذبquot; والتزوير والمهادنة والرطانة في خطابات بائسة، وهذا ليس بالجديد، رغم أنه غائب عن فهمك، فهذا ديدن كل شعوب العالم التي تعرف المعنى الحقيقي للديمقراطية.
يا رئيس الوزراء، أتَذَكَر الآن صورتك وأنت تقف أمام أعضاء البرلمان العراقي، مفصحاً عن quot;رغبتك الملحّةquot; وأنت تطالب الكتل السياسية بترشيح المرأة لمناصب وزارية، ورحت تشرح لهم وتعظهم بضرورة مشاركة المرأة وأهمية دورها الفاعل في المجتمع، وقد نسيت بأنكَ صاحب الكتلة الأكبر، لم تقم بتقديم ما طلبته من الآخرين، ترى ماذا تسمي موقفك ذاك، كذب أم تدليس، أم استجداء للرأي العام؟... الديكتاتور والكذب توأمان.

إعلم يارئيس الوزراء أن حكومتك قد عملت على تشويه صورة الإسلام. فحين تكون حكومتك مشكّلة بأغلبية كبيرة من الأحزاب والكتل الإسلامية، ومن ثم تتهم بالفساد والتزوير، وباعترافكم أنتم وغيركم من أعضاء الحكومة، فهذا يعد اعلاناً صريحاً بأن الأحزاب الاسلامية، غير نزيهة، ولا تعمل ضمن نطاق أخلاقيات وقوانين الشريعة الإسلامية وبالتالي فإن إسلاميتها مجرد قناع يراد به إيهام الناس واستجداء صوت وقوة الشعب الانتخابية. ومثل هذه الأساليب الملتوية تنضوي تحت لواء الديكتاتورية. وشتان ما بين روح الإسلام، وروح الديكتاتور القلقة.
واعلم يا رئيس الوزراء، أن الحزب الذي تقوده والذي أوصلك quot;بالصدفةquot; إلى سدة الحكم، هو ليس quot;حزب الدعوةquot; نفسه الذي أسسه وأرسى مبادئة السيد الشهيد محمد باقر الصدر، بل هو صورة مشوهة عن ذلك التكوين الذي قارع نظام الديكتاتور وقدم العديد العديد من الشهداء. هل تعرف ما دلالة أن يستقيل السيد جعفر الصدر نجل مؤسس الحزب وأحد ممثليكم في البرلمان عن منصبه البرلماني، وفي هذا الوقت بالذات، احتجاجاً علي ما وصفه بتردي الخدمات وعدم استطاعة الحكومة تقديم أي شيء للشعب؟ فضلا عن كون استقالته جاءت تضامناً مع المتظاهرين الذين يطالبون بمواجهة الفساد والبطالة، والذين اتهمتهم بخطابك الخائف، بالبعثية والارهاب؟

يا رئيس الوزراء أنت لا تعي ما تقول، فحين تصرّح مفاخراً: quot;كم عدد المظاهرات التي خرجت في العراق وحتى لو كانوا 1000 شخص فأنا لي في بغداد فقط 650 ألف شخص.quot; فأنت بهذا تعلن عن قصر فهمك بلغة الأرقام واستخراج النسبة العددية، بالاضافة إلى قصور في فهم مبدأ التطور وتغير وجهات النظر والرؤى تبعاً لتطورات الجهة المنظور إليها. فأنا وغيري الكثير ممن منحوا أصواتهم لكَ ولحزبك ولأشخاص وأحزاب أخرى مكونة لحكومتك، قد ندمنا وعضينا على الأصبع البنفسجي حتى اصطبغ بدمه ندماً. لذا، عليك أن لا تذكر هذا الرقم مرة أخرى، فالرقم قد تبخر بفعل مواقف وقرارات وأكاذيب وتسويفات كثيرة... ترى هل كان صوت السيد جعفر الصدر ضمن هذا الرقم؟

إن استغلال القناة المملوكة للدولة، وتسخيرها للترويج لحزبك وتخصيص ساعات بث يومية لموظفي الدولة من أعضاء حزبك، ثم تحويل هذه القناة لمنبر لللطم والنواح متناسياً أن العراق ليس للمسلمين فقط، بل ليس لطائفتك فقط، هو قصور وquot;رعونةquot; لا تحترم المواطن العراقي، ولا تعترف بتعدد انتماءاته... هل نسيت ما كان يفعله الديكتاتور الساقط في قنوات الدولة يا سيادة رئيس الوزراء؟

يا فخامة رئيس الوزراء!... أنتَ في المكان الخطأ.

أتمنى عليك يا رئيس الوزراء أن لا تتهمني بالبعثية أو التنظيمات الارهابية، لأن من يعرفني ndash; وهم قلة قليلة بكل تأكيد، قد لا تتعدى أفراد أسرتي - سيضحك كثيراً، رغم أن أمنيتي هذه تدخل في إطار النصيحة الشخصية، ولكن، أجد من واجبي الإشارة لها.


[email protected]