نعرف أن المحاصصة كمبدأ quot;بغيضquot; في تشكيل الحكومة العراقية، هو الخطأ الأكبر الذي بُنيت عليه، وهذا بشهادة رجالات الدولة العراقية الجديدة وعلى رأسهم السيد نوري المالكي الذي طالما استنكر مبدأ المحاصصة، لذا لندع المحاصصة جانباً ما دامت تحظى برضى واستحسان كل من مقتها وأعلَنَ كرهه لها رغم تمسكه بها عملياً، ولكن هذه المحاصصة أتت بأشخاص غير أكفاء ارتكبوا الكثير من الأخطاء القاتلة، يقف على رأس هذه الأخطاء quot;الجرائمquot; الإغتلاس والسرقة العلنية والكذب ونكث الوعود، إلا أن أحد هؤلاء الأشخاص quot;من أتت بهم المحاصصةquot; ارتكب خطأً قاتلاً بقيت الحكومة العراقية ساكتة عنه حتى هذه الساعة، والخطأ يكمن في تحرش quot;كامل الزيديquot; عضو حزب الدعوة ورئيس المجلس المحلي لمحافظة بغداد، بالوسط الثقافي العراقي ومحاولته إهانته والإساءة إليه علناً حين أصدر أمراً لرجاله بغلق النادي الاجتماعي لاتحاد الأدباء والكتّاب وأرغم الأمين العام للاتحاد الفريد سمعان 82 عاماً على توقيع محضر الإغلاق ndash; حدث هذا بعد منتصف ليلة 29 كانون الأول 2010 - ولم يكتفِ بذلك بل ذهب إلى الاستخفاف بالمثقفين العراقيين من خلال لقاءاته في الفضائيات والمراكز الإعلامية المأجورة لحسابه، وأطلق عليهم تسمية quot;أدباء الخمرquot; ووصفهم بـ quot;المأجورينquot;... وهذه إهانات صريحة لا تصدر إلا عن شخص أرعن لا يعرف حجم وتأثير ما يتفوه به بالإضافة إلى جهله بمكانة وأهمية المثقف في بلده... وما هي إلا فترة قصيرة حتى يتجه الزيدي صوب جريدة المدى ndash; إحدى كبريات الصحف العراقية - ويهددها بالإغلاق، وكان قبل ذلك قد نصب نفسه رئيساً فخرياً لرابطة الإعلام الرياضي (بالمناسبة، مثل هذه التصرفات كانت في السابق حكراً على عدي ابن الديكتاتور) ولا ندري إن كان الزيدي متأثراً به أو يحاول تقليده، حيث لا أحد يعرف عن الزيدي اهتمام سابق بالرياضة أو الإعلام... إنه بحق خطأ قاتل أو أخطاء قاتلة، صادرة عن شخصية جاهلة، لا تعي مكانة ودور المثقف في بلده وتأثيره على أصحاب الكلمة المؤثرة، أو رجالات الإعلام المقروء والمسموع. وإن لسكوت الحكومة العراقية عن تصرفات الزيدي لم يأتي من قناعتها بتصرفاته الهمجية الطائشة، بل نزولاً عند مبدأ المحاصصة الذي يكمم الأفواه ndash; بالمناسبة المحاصصة تعني أيضاً تقاسم السرقات، وبهذا يصبح من الصعب على quot;الحراميquot; فضح ابن quot;كارهquot; مهنته، وبهذا يكون الزيدي quot;خطأ الحكومة العراقية القاتلquot;. الزيدي يا رجال الحكومة العراقية هو من أشعل فتيل التظاهرات وهو من يهددكم الآن. فإن ما يحدث اليوم بالشارع العراقي هو بالضبط quot;صوت المثقف العراقيquot; الصوت المؤثر الذي استهان به الزيدي وخرج أكثر من مرة على وسائل الإعلام ليتهمه بتهمة الـ quot;عرگچيquot; أو محتسي الخمور لأن المثقف العراقي صار يطالب بحقه وحسب القانون بإلغاء قرارات مصادرة الحريات والتضييق عليها في البلاد، وهو من ورفع الدعوات القضائية على الزيدي يطالبه بإعادة فتح النادي الاجتماعي للاتحاد، هذا الصرح الثقافي العظيم الذي خرجت من تحت سقفه أفكار ودراسات وبحوث غيرت وجه الثقافة العراقية وأثرت بشكل بليغ بواقع الثقافة العربية.

لم يمر من الوقت إلا شهران على قرار الزيدي حتى هبت جماهير بغداد تطالب بإقالته، هكذا هو فعل المثقف، شهرين فقط كتب خلالها المقالات وأسس صفحات على quot;الفيس بوكquot; وأقام الندوات والتحق بالعديد من الحلقات التلفزيونية فحشد الجماهير لتطالب بحقوقها... بالمناسبة ليست كل الجماهير المتظاهرة تنتمي لطبقة المثقفين، ولكن المثقف عرف كيف يهيج هذه الجماهير المليئة بالغضب، العارفة بهمومها وما يعوزها، الخبيرة بكل أكاذيب رجال الحكومة ودسائسهم وسرقاتهم، عرف كيف يخرجهم إلى الشارع حين طلب منهم الخروج إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم، قال لهم اخرجوا ونحن معكم، وها هم الآن على أعتاب دار الزيدي وأشباهه يطلبون القصاص من موظف أتخذ من الرعونة عنواناً لعمله. ولكن الموقف الذي لا نجد له مبرراً، هو سكوت الحكومة العراقية على هذا الشخص، خصوصاً لو عرفنا أن اسم كامل الزيدي كان من ضمن الأسماء التي تضمنتها قائمة النزاهة العراقية المتعلقة بمزوري الشهادات، حيث أنه يمتلك شهادة البكالوريوس والماجستير دون حصوله على شهادة الإعدادية، فما كان من الحكومة العراقية إلا السكوت عنه، ثم سكتت، بل شاركته الجريمة حين أعلن الحرب على الحركة الثقافية العراقية والمثقف العراقي الذي كان أول المناصرين لفكرة التغيير أو الواقفين إلى جانب تشكيل أول حكومة عراقية ديمقراطية بعد زوال الديكتاتور، فهل نسيت الحكومة العراقية تلك الوقفة؟... وأخيراً، ولتعرف الحكومة العراقية أن المثقف يعرف كيف يثور وحين يلوذ بالصمت فصمته ثورة...

حسين السكّاف
[email protected]