لم تعد حالة المواطن العراقي، الفاقد لأغلب حقوقه التي يكفلها له دستور العراق الجديد، حالة سياسية، بل هي في الحقيقة حالة أخلاقية... فحين يكون المواطن بحاجة إلى الخبز والدفء والنور لسنوات طوال، فهذا يشير إلى تردي أخلاقي قد أصاب أصحاب القرار، فالشعب يمتلك المال، ويمتلك الثروات، ويمتلك حريته، كل هذا نقرأه ونسمعه في نشرات وفضائيات الدولة العراقية ومن أفواه رجالها، ولكنها على أرض الواقع غائبة أو تم اغتيالها بليل. وهذا يدلنا إلى أخلاقيات مهادنة خادعة صارت تميز أصحاب القرار العراقي، وهي أخلاق إن نظرنا إليها جيداً لوجدناها تقترب كثيراً من أخلاق اللصوص والعصابات... وهنا يحق لنا أن نتهم أصحاب هذه الأخلاقيات بالفساد... قد نجد من بينهم من يطالب بالدليل على فساده الذي نتهمه به، حينها نقول له:
حين يقف المواطن العراقي لأكثر من يومين في طابور طويل لا نهاية له من أجل الحصول على قنينة غاز أو برميل نفط في بلد النفط، فحكومتكم فاسدة.
حين ينخرط خريج الهندسة والاقتصاد وعلم النفس مجبراً في سلك الشرطة أو الجيش ndash; بعد دفع مبلغ محترم من المال كرشوة - نتيجة انعدام التعيينات، فأنتم فاسدون.
حين تصدرون قرار اجتثاث شخص بعينه بسبب انتمائه السابق لحزب البعث وتشغلون أجهزة الإعلام فترة طويلة، ثم تعيدوه إلى صفوفكم ليكون نائباً لرئيس الوزراء دون أن تبرروا ذلك لشعبكم، فأنتم فاسدون.
حين تكون نسبة مزوري الشهادات من بينكم تزيد عن الـ 30% ثم تغضون النظر عن محاسبتهم بعد معرفتكم بتزويرهم للشهادات فأنتم فاسدون، بل إن حكومتكم أسوأ مثالاً للفساد.
حين يكون داخل تشكيلتكم الحكومية أكثر من عشرة وزراء دون وزارة، أو دون أية مهمة تذكر، فأنتم فاسدون.
حين يُطلب من المواطن العراقي الذي يريد التعيين أو حتى الراتب التقاعدي، أن يجلب لكم كتاب تأييد من حزب معين، فأنتم ضد الديمقراطية ولا تحترمون كرامة الإنسان واستقلاليته، فالفساد عنوان لكم.
حين يتم اغتيال وكيل ومستشار وزارة الثقافة في وضح النهار وسط بغداد وتمر عليه قرابة الثلاث سنوات دون الكشف عن قاتليه أو الجهة التي تقف وراء هذه الجريمة النكراء، فأنتم فاسدون.
حين تُباع الأدوية التي لا تصرف إلا باستشارة طبية على الأرصفة، وتكون الصيدليات خالية منها، وحين تُصرف للمرضى أدوية فاسدة في المستشفيات، فأنتم الأكثر فساداً.
حين يأتي الطفل العراقي إلى مدرسته صباحاً وأقدامه ملوثة بالوحل، فأنتم فاسدون.
حين يفترش طلبة المدارس الابتدائية الأرض، ولا يجدون كرسي واحد في الصف، في بلد النفط الذي تعلن حكومته بكل وقاحة أن ميزانيتها للعام 2011 هي 78 مليار دولار، فأنتم فاسدون.
حين يرمم رصيف شارع خمس مرات في العام الواحد، وتصرف له الأموال الطائلة خمس مرات في العام الواحد، فحكومتكم فاسدة.
حين يصبح شرطي ndash; نائب عريف أو عريف ndash; سابق في قوى أمن الديكتاتور، رئيساً لمجس بلدي أو مسؤولاً في محافظة، أوحتى مستشاراً لكم، فحكومتكم بكل تأكيد، فاسدة.
حين يتوسلكم عنصر الشرطة أو الجيش ممن أصيب أثناء خدمته للوطن وتسببت إصابته بإعاقة دائمة، أن تنظروا إليه وأن تنقذوه من العوز والفقر وتصرفوا راتبه الذي توقف لأكثر من عام، فأنتم فاسدون.
حين تعبث إيران بأمنكم وأمن مواطنيكم، وبأرضكم وقراراتكم الحكومية، دون أن تتخذوا أي إجراء ضدها، فأنتم فاسدون.
حين تستوردون أطنان من الكلور الإيراني quot;منتهي الصلاحيةquot; لغرض تصفية مياه الشرب، وتنتشر الكوليرا في العراق على أثر ذلك، فأنتم فاسدون، بل مجرمون.
حين لا يحاسب عضو البرلمان لتغيبه عاماً كاملاً عن جلسات البرلمان، فأنتم برلمانيون فاسدون.
حين يتم القبض على الإرهابي الذي يعترف بجريمته التي راح ضحيتها العشرات من أبناء شعبكم، ومن ثم يتم إطلاق سراحه، فأنتم قتلة، فاسدون.
حين يحكم على إرهابي بالإعدام ويبقى سنة كاملة في السجن ثم يتم تهريبه دون تنفيذ الحكم، فأنتم فاسدون
حين تخصصون أموال شعبكم على شكل حصص مالية كبيرة إلى الأحزاب المكونة لتشكيلة حكومتكم، فأنتم فاسدون.
حين تستعرضون عضلاتكم مستخدمين أبناء شعبكم من البسطاء بأفواج هائلة وهي تسير على الأقدام فاتحة صدورها لمفخخات وعبوات الإرهاب الناسفة دون أن تهزكم ضمائركم، فأنتم قتلة فاسدون.
حين يترحم الشعب العراقي على أيام الطاغية الديكتاتور، لأنه لم يكن خلالها جائعاً أو مهدداً بأمنه، فأنتم فاسدون.
حين يتظاهر أبناء العراق لأيام متتالية مطالبين بحقهم الذي يكفله لهم الدستور quot;دستوركمquot;، ولا يتم مناقشة مطالب المتظاهرين تحت قبة البرلمان بصورة عاجلة، فأنتم فاسدون.
حين تتعرض الرموز الثقافية للإهانة من قبلكم، وحين تحارب معاهد الفنون ويتم إلغاء بعض أقسامها، ويتعرض اتحاد الأدباء إلى هجوم مسلح متكرر، فأنتم جهلة، فاسدون.
حين يمزق العراقي بطاقة جنسيته العراقية وبطاقته التموينية، احتجاجاً، أمام مؤسساتكم الحكومية وهو يتظاهر مطالباً بأبسط حقوقه، فأنتم فاسدون.
حين يصبح حفاتكم في فترة قصيرة أصحاب أموال وعقارات وسيارات فارهة، في العراق وخارجه، فأنتم بكل تأكيد حكومة فاسدة لا تستحق البقاء وإن جاءت عن طريق صناديق الانتخابات.
حين لا تسمحون للمواطن العراقي أن يدلكم على فسادكم، فأنتم بامتياز، فاسدون.
حسين السكّاف
[email protected]
التعليقات