حسين السكّاف من كوبنهاغن: يستدعي quot;البيانستquot; غزوان الزركلي، روح أستاذه quot;شاعر البيانو في العصر الرومانتيكيquot; حيث دمشق القديمة ليحتفل بعيد ميلاده... المناسبة مهمة، فالأستاذ قد بلغ من عمره مئتين عاماً.
هكذا يحتفل أستاذ الموسيقى السوري غزوان الزركلي (الحاصل على شهادة الدكتوراه من كونسرفاتوار تشايكوفسكي في موسكو) بالمأوية الثانية لولادة الموسيقار البولوني/الفرنسي فريدريك شوبان Fryderyk Chopin (1810-1849) الذي يرى الزركلي فيه خصوصية متفردة بما يخص تاريخ آلة البيانو، حيث يقول: quot;لم يظهر في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية الأوربية اسم موسيقي وهب روحه لآلة البيانو عازفاً ومؤلفاً ومدرساً مثل فريدريك شوبان، فبعد حوالي ثلاثة قرون من عمر هذه الآلة ومروراً بعباقرة جمعوا بين التأليف والأداء quot;باخ، موتسارت، بتهوفن، ليست، رحمانينوف، سكريابين، ديبوسي...quot; لم يزل شوبان حجر الزاوية في الكتابة للبيانو بعدما أخذت هذه الآلة من خلال مَنْ سبقه ومَنْ تلاه مِن موسيقيين وصنّاع آلات، شكلها الأحدث الذي استمر استعماله إلى يومنا هذا.quot;
احتفالية غزوان الزركلي (1954) بميلاد أستاذه جاءت على شكل إصدار قرص مدمج (CD) يتضمن إحدى عشرة قطعة موسيقية من عزفه، كلها من مؤلفات شوبان، وقد حرص الزركلي على تضمين القرص المدمج، نبذة عن حياة شوبان وأهميته التاريخية في الموسيقى العالمية، جاءت باللغتين العربية والإنكليزية، يقول فيها: quot;أصبح شوبان الابنُ البار للعصر الرومانتيكي، ومثلاً للموسيقى الرومانسية والموسيقي الرومانسي، لقد اخترق الذات الإنسانية باحثاً في أدق تفاصيلها، راصداً لحظات سعادتها وشقائها. وكان البحث عن الذات والغوص في خبايا النفس البشرية من أهم خصائص ذلك العصر. إلا أن شوبان من حيث الشكل الموسيقي ndash; quot;نثرquot; الألحان، ترتيب المقاطع، بناء الأقسام وتقسيم الأجزاء، أي من حيث quot;الحبكةquot; الموسيقية ndash; أميل إلى المحافظ...quot;
والناظر إلى غلاف الـ CD سرعان ما يكتشف ذلك الجهد الفني الخاص الذي بُذل على إخراجه وتصميمه، حيث نجد أن اسم فريدريك شوبان قد كتب بالطريقة البولونية (Fryderyk ) وليست الفرنسية (Frederic) إصراراً من المؤلف واعترافاً بأصول شوبان البولونية على خلاف الكثير من النقاد الذين ينحازون إلى أصول شوبان الفرنسية... ثم نشاهد صورة فريدريك شوبان وهي تأخذ حجم الغلاف الأول كله، صورة هي في الحقيقة لوحة quot;بورتريهquot; شهيرة رُسمت بريشة الفنان الفرنسي أوجين ديلاكروا laquo;1798-1863raquo; موجودة الآن في متحف اللوفر بباريس، وللوحة قصتها الشهيرة أيضاً، التي تأخذنا لتلك العلاقة التي ربطت شوبان بالروائية الفرنسية quot;جورج صاندquot; والتي استمر لأكثر من أحد عشر عاماً. تلك العلاقة التي تعرَّف من خلالها شوبان على الفنان ديلاكروا والتي أثمرت هذه اللوحة الشهيرة، هي العلاقة نفسها التي وضعت شوبان في مصاف كبار المؤلفين والعازفين الموسيقيين، حين راحت جورج صاند تقدم شوبان إلى معارفها من نبلاء باريس وأعلام عصرها الذين أوكلوا لشوبان بعد ذلك تعليم أولادهم العزف على آلة البيانو.
إحدى عشرة مقطوعة موسيقية يقدمها الألبوم، عزفاً منفرداً على آلة البيانو، لتكون بمثابة الرسائل الشخصية التي تبعثها روح الزركلي وأحاسيسه إلى أستاذه الذي طالما تعلم من موسيقاه الكثير، فالعزف المنفرد تعبير عن الذات وانسجام روحي بين روح المؤلف الموسيقي الذي يحاول العازف استحضارها وبين دواخل العازف التي تصل به إلى حالة الإبداع، وهذا ما يتلمسه المستمع لمقطوعات الألبوم، التي جاءت موسيقاها تلخيصاً لتجربة روحية عاشها هذا العازف المتمكن من أدواته مع مؤلفات شوبان الموسيقية. وعن خصوصية العزف المنفرد يقول غزوان الزركلي: quot;إن مجال العزف المنفرد، هو فرصة نادرة ndash; تتسلح بأدوات الاحتراف وبقوانين الجمال ndash; للحديث مع الآخر ولإيصال المعلومة البشرية لتجربة إنسانية عبر شكل فني محدد ينتقل في تبسيطه وتركيبه وفي تخصيصه وتعميمه ما بين مختلف الأحاسيس والمشاعر...quot;
quot;لا يوجد عازف بيانو محترف لم يدرس موسيقى شوبان ملياً، ولم يحتفظ في quot;ريبرتوارهquot; بأعمال مختلفة لفريدريك شوبان الذي أهدى التراث الإنساني الموسيقي أعمالاً خالدة، لآلة البيانو تحديداً وعلى نحو شبه حصري. ويحتفل العالم بأسره بذكرى مرور 200 عام على ولادة هذا الموسيقي العبقري الذي أضحى علماً من أعلام التراث الإنساني...quot; هكذا يقدم غزوان الزركلي لشوبان في ألبومه الذي ظهر بشكل أنيق يليق بمكانة شوبان ويشير إلى ذلك القدر من التأثر والاحترام الذي يحمله الزركلي لأستاذه الذي لم يراه إلا من خلال الموسيقى.

[email protected]