... وجريمة قتل

سميرة التميمي من لندن: يبدو ان على مسرحية اوناسيس (Onassis) التي تقدم حاليا على مسرح London's Novello Theatre في لندن ان تحارب على جبهتين، جبهة النقاد الذين استقبلوها ما بين مهلل ومستهجن وجبهة عائلة الملياردير اليوناني الشهير اوناسيس التي اثارت حفيظتها هذه المسرحية واخرجتها عن صمتها الذي كانت تواجه به الاشاعات والاقاويل والفضائح التي رافقت حياة هذه الشخصية الزئبقية غريبة الاطوار واستمرت حتى بعد رحيله عن هذه الحياة في عام 1975 فالمسرحية تبني احداثها على فرضية ان اوناسيس قد ارتكب جريمة قتل ودبر لاغتيال روبرت كيندي لانه وقف في طريق زواجه من ارملة الرئيس الامريكي الراحل جون كيندي، وكان عليه ان يزيحه كي يحقق ما يريد ويصل الى قلب الارملة الجميلة، وربما تكون الشائعات مقبولة وممكن احتمالها بالنسبة للعائلة ولكنها لا يمكن ان تغض الطرف عن الاتهام بجريمة قتل. وكانت المسرحية التي تلقي الضوء على السنوات الاثنتي عشر الاخيرة من عمر الرجل وتحديدا منذ عام 1963 قد قدمت قبل عامين في مهرجان Chichester تحت عنوان Aristo وهي معدة اصلا عن كتاب صدر في عام 2005 تحت عنوان Nemesis للكاتب بيتر ايفانز،و قد اعربت كريستينا ابنة اوناسيس عن مخاوفها وقلقها من هذا العمل المسرحي الذي قد يجعل من قضية القتل حقيقة يصدقها الجمهور، اما الجمعية الخيرية التي تحمل اسم الملياردير ويديرها احد اصدقائه القدامى فقد اصدرت بيانا اوضحت فيه ان المسرحية قد بنت افتراضاتها على الاشاعات وانه لا يجوز اعادة انتاج ماهو غير يقين وتقديمه للجمهور كحقائق ثابتة قد تؤثر عل ذكرى الرجل، واكد البيان على ان المسرحية ليست سيرة ذاتية وان الكاتب لم يأخذ موافقة اوناسيس من اجل الخوض في تفاصيل حياته كما انها لا تعتمد على بحث جدي ورصين وانما على محض اشاعات متطايرة، ولم يعر بيتر ايفانز مؤلف الكتاب الذي اعدت عنه المسرحية هذه الاحتجاجات اية اهمية وابدى استغرابه من تحرك العائلة في هذا الوقت رغم ان الكتاب قد صدرمنذ خمس سنوات واكد بانه قد استند في كتابه على سنوات من البحث والتقصي وانه قد قابل اوناسيس قبل وفاته واتفقا على كتابة قصة حياته وهذا يعني انه قد انجز كتابه بمعاونة وموافقة وتشجيع الثري اوناسيس.

هل الاثرياء حقا بلا قلب؟
تدور احداث المسرحية التي يخرجها مارتن شيرمان حول حياة ملك المال والسطوة والنفوذ اوناسيس بكل ما تحمله هذه الحياة من تناقضات رهيبة وانفعالات متضاربة وبدت المسرحية وكأنها تجول في تضاريس واحدة من التراجيديات اليونانية القديمة مبتدأة من العام 1963 مرورا بالسنوات التي سبقت رحيله في ملاحقة لاهثة لخطوات واحد من اكبر اقطاب امبراطوريات الشحن اليونانيين الذين وظفوا المال في الفن والسياسة في توليفة عجيبة تبرز من خلالها علاقته بايقونة الاوبرا ماريا كالاس ثم تركه لها بكل ترفع وازدراء من اجل الزواج من جاكلين كيندي التي تحمل ارث الارستقراطية السياسية الامريكية، وعودته مجددا ليواصل علاقته بكالاس، تلك العلاقة التي كانت تعذبها نفسيا وعقليا فالرجل هو نموذج كلاسيكي للثري الفظ المتعجرف محدود الرؤية الذي يستغل ثروته وامتيازاته بفوضوية فيها كثير من الخبث والاذى للآخرين cedil;وقد حاولت كالاس ان تكون قريبة من قلبه لكنه كان محاطا بالمداهنين والمتملقين وتتلبسه الأنا المروعة التي تسحق وتهرس كل من يريد ان يقف الى جانبه بصدق، وقد اثارت المسرحية امتعاض بعض النقاد الذين تساءلوا عن الهدف المرجو من تقديم حياة هذا الرجل الغامض وعلاقاته المتشابكة مع ماريا كالاس وجاكلين كيندي وابنه اليكسندروس، لكن المخرج شيرمان يقدم دفاعاته قائلا:quot; اعتقد ان ثمة حنين وشوق للتعرف على حياة الاشرار الراحلين، لان وحوش هذه الايام لا يثيرون كثيرا من الاهتمام فيما كان السابقون متوهجين بطريقة تجعل الانسان يكرههم بشغف، وهم افضل بكثير ممن نرفضهم الآن ونستهجن افعالهم...ولكن دون شغفquot;.
لقد اعاد الكاتب تسخين بعض الاحداث التي جمدتها السنين،وارجع الى الاذهان بعضا من الحكايات الاسطورية عن الاثرياء الذين ينكرون الحب على قلوبهم وقلوب من حولهم وقد ظهر هذا واضحا في هذا الحوار العميق من احدى فصول المسرحية:
اوناسيس وهو يسأل مستشاره ايدي: كيف تسير الامور مع ابني اليكسندر؟
ايدي: بشكل رائع يا سيدي، انه شاب محترم وذكي وفطن...ولطيف.
اوناسيس : لطيف؟ ماذا تعني بكلمة لطيف؟ هل تدرك مدى خطورة ان يكون الانسان لطيفا في العالم الذي نعيش فيه؟ اعتقد انها تلك المرأة اللعينة التي بسترته وعقمته وجعلته جاهزا للشرب، انا اعدك باني ساكسر رجلها واشوه وجهها..انا لا اريد ابنا لطيفا.
وقد قتل الابن اليكسندر في حادث تحطم طائرة في عام 1973 وقد ادمى رحيله قلب والده الذي رحل بعدة بعامين فقط.

حين يتفوق الممثل على النص

ولعل من اكبر فضائل هذه المسرحية انها اعادت الممثل البريطاني روبرت ليندسي الى خشبة المسرح بعد انقطاع دام اكثر من عشرين عاما انشغل خلالها بالسينما والتلفزيون، فهم نجم المسلسل التلفزيوني الشهير My Familyالذي تقدمه قناة BBC لكنه يبقى ابن المسرح الذي بنى على خشبته امجاده الفنية، وقد قدم في هذا العمل اداءا رائعا ورسم بحركاته وانفعالاته وصوته بورتريه كامل عن شخصية اوناسيس الصعبة وبعيدة المنال، وقد كان مجبرا على المبالغة احيانا لتغطية الغياب الكبير في الاحداث الدرامية في هذه المسرحية التي تعتمد على الحوار، وقد منحه هذا العمل الفرصة لتقديم اداء فائق الرؤية وهذا بعض من مهاراته التي دفعت بعض النقاد الى الادعاء بانه من احيا هذه المسرحية نصف الميتة وحملها على كتفيه لوحده وانه قد تفوق على النص وعلى المسرحية كلها.
وقد علق روبرت ليندسي عن دوره في هذه المسرحية قائلا:
quot;لقد استمتعت حقا بلعب دور اوناسيس، هذا الرجل الذي اثيرت حوله الاشاعات والاقاويل والذي ما يزال اسمه يجمد الدم في عروق الناس الذين عرفوه وتعاملوا معه quot;

ويضيف روبرت ليندسي :
quot; كنت في احد الايام منشغلا في تصوير عمل تلفزيوني في الاستودو عندما حضرت جلالة الملكة اليزابيث الثانية بصحبة دوق ادنبرة، وقالت لي : روبرت ما هو مشروعك القادم بعد هذا العمل؟
قلت لها : ساقوم بدور اوناسيس على خشبة المسرح.
قالت: اوه روبرت.. هل عليك ان تفعل هذا؟