قبل سقوط الرئيس المصري حسني مبارك وأثناء احتشاد أكثر من مليون شخص في تظاهرات ميدان التحرير في القاهرة والإسكندرية وطنطا والعريش وسوهاج والفيوم وبني سويف والوادي الجديد والدقهلية، خرج رئيس الأزهر الدكتور احمد الخطيب ليعلن أن هذه التظاهرات تخالف الشريعة الأسلامية وتهدد الأمن والأستقرار وتثير الفتن، وبعدها بأربعة وعشرين ساعة فقط سقط الرئيس وأعترف الجيش بالثورة الشعبية ومطالبها، ومباركتها، وأصبح الدكتور الشيخ أحمد الخطيب في موقف لايحسد عليه، لاسيما وأن كلماته الطازجة التي قالها البارحة لا تزال ترن وترن وترن، مما اضطره بعدها لعقد أجتماع صحفي لتوضيح حقيقة موقفه بأنه كان يعلم جيدا بأن سقوط الرئيس وشيكا لكنه خاف على أمن البلاد واستقرارها من الفتن.
هذه التبريرات التي يرددها البعض، يختلط فيها عادة الموقف السياسي والديني، فهو يشتق قاعدة دينية ليستر بها قاعدة سياسية، ليقع المفتي بعد ذلك في أحد ورطتين أما أنه خلط السياسي الذي لم يفهمه ولم يقدر تحولاته وتطوراته وصراعاته مع الديني وتأويلاته المتغيره، وأما أنه سخر الدين لمصلحة السياسي الآنيه التي سرعان ما تختلف وتتغير حالما يسقط الرئيس، وهنا يقع المحظور وينكشف المستور وهو أن رجل المؤسسة الدينيه وظف الدين لصالح السياسي لأنه كان موظفا عنده .
النخب الفكرية العربية التي طالما نادت بفصل الديني عن السياسي كانت تتوخي هذه المواقف والورطات الدينية،لكنها دائما تفسر خطأ وتفهم خطأ ويعتم على هذا المفهوم بل ويحارب بأسم الدين.
فصل السياسي عن الديني لم يكن القصد منه أن يفصل الدين عن الناس ولاعن المجتمع، لكنه عنى بالفصل بين وظيفيتن لمؤسستين يعتبر تحالفها ضد مطالب الشعب جريمة ليس في حق السياسي فقط بل في حق الديني الذي تجاهل مطالب الناس الشعبية وأهمها العدل ومحاربة الفساد، وقبل بتشريع ظلمهم وتبرير جرائم النظام الأمني بحجة حماية الأمن والأستقرار.
أجمع معظم المنتسبين لهذه المؤسسة في مصر- وعلي رأسهم مفتي مصر د. علي جمعة الذي قال ياجماعة أنا موظف عند الحكومة، - علي أن المؤسسات الدينية ليست مستقلة طالما أنها تتلقى تمويلها من النظام الحاكم وطالما أنها تعين وتقال من قبله. لكن السؤال هل سيغفر الناس وفي مثل الظروف التي مرت بها مصر أن يظهر الرجل الأول في الأزهر وهو يحاربهم بفتوي تحريم تظاهراتهم ضد نزيف الفساد واللعب بثروات البلاد وتردي مشروعات التنمية كالتعليم والصحة والعمل، وبعد أربعة وعشرين ساعة وحين يغادر الرئيس موقعه يعود صاحب الفتوي نفسه ويبرر أن ماقام به كان بدافع حماية الأستقرار؟ وكيف يمكن لهذه الأستقرار المزعوم أن يكون أستقرارا وهو مفرغا من حقيقته الأمنية والأقتصادية والأجتماعية ؟؟والحقوقية؟.
يتوقع كثير من الناس وخاصة الفقراء والمظلومين منهم والطامحين للتقدم أن يكون الدين منصفا لهم، ويتوقع المؤمنون أن يكون الدين هو نصير العدالة وحامي قيم المساواة والحرية ويتوقعون أيضا أن يترجم رجال المؤسسة الدينية هذه القيم في خطابهم لا أن يدعو الناس للصبر والأحتساب في الآخرة