تثير الثورة في أكثر من بلد من بلدان الشرق الأوسط، الرغبة في فهمها والإحاطة بجوانبها، باعتبارها quot;حدث تاريخيquot; (اقليمي) غير مسبوق، مع الأخذ في الاعتبار (خصوصية) الثورة في كل بلد علي حدة. والحدث التاريخي وفقا للتعريف الدريدي (نسبة للفيلسوف الفرنسي جاك دريدا) ليس حدثا وحسب، بل هو (اللحظة) التي تصدع الزمان وتفتح الباب أمام أحداث أخري قادمة لا يمكننا توقعها أو التنبؤ بها أو تعريفها.
في محاولة للقبض علي طلاوة هذه اللحظة يسلط الجنرال quot; فلاديمير افتشينسكي quot;، رئيس الانتربول في روسيا، الضوء بقوة علي (التزامن) بين ولاية الرئيس الأمريكي أوباما واستخدام تكنولوجيا المعلومات لتنظيم الثورات الملونة و(الانتفاضات) في كل من مولدوفيا وإيران وتايلاند، ثم في البلدان العربية تباعا. مؤكدا علي أنه عقب تنحي الرئيس مبارك عن الحكم، أجتمع أوباما مع مدراء فيس بوك وجوجل وتويتر وياهو وغيرها من الشركات الأمريكية، فيما أسماه quot; افتشينسكي quot; بـ(العشاء السري)، وهدفه ليس تبادل الأنخاب والاحتفال بالنصر فقط، وإنما لتعميم التجربة الناجحة في تونس ومصر علي بقية دول المنطقة (وقد كان) باستخدام التقنيات المتقدمة، من باب (أطرق الحديد وهو ساخن).
وأذكر جيدا عندما قطع نظام مبارك الانترنت عن مصر لأكثر من أسبوع، لتعطيل مواقع التواصل الاجتماعي quot; فيس بوك quot; وquot;تويترquot; وغيرهما، استطاع quot; جوجل quot; أن يوفر لنا حلا بديلا للتواصل عبر التليفون المحمول، بل ان quot; جوجل ايرث quot; لعب أدوارا متعددة ومركبة في ثورات البلدان العربية، وكما لاحظ الصحفي المخضرم quot; توماس فريدمانquot; فإن: quot;جوجل إيرثquot; بدأ يؤرق السياسة البحرينية منذ عام 2006، عندما كشف كيف يتم توزيع الأراضي بشكل غير عادل، وكيف يقطن عشرات الآلاف من فقراء الشيعة في مناطق صغيرة ومزدحمة، واستغل النشطاء هذا الموقع، وحثوا البحرينيين على استخدام quot;جوجل إيرثquot; الذى كشف عن صور أكثر من 40 قصرا ملكياquot;.
رئيس الانتربول الروسي لم يستبعد أيضا، في حديثه لصحيفة quot;كومسومولسكايا برافداquot;: ان يكون للرئيس الأمريكي علاقة بتسريبات موقع ويكيليكس، ويعتبر ان ملاحقة واشنطن لمؤسس الموقع جوليان أسانج لا تتعدى كونها مناورة لتحويل الأنظار عن حقيقة ما يجري، ودليله: ان أسانج لعب دورا هاما في إسقاط النظام التونسي، حين نشر في بداية ديسمبرالماضي نصوص برقيات سرية للسفير الأمريكي روبرت جيتس عن التعسف والفساد الذي مارسه أعضاء أسرة بن علي، وفي حين اتهم الرئيس بن علي مؤسس ويكيليكس بالتحريض على quot;ثورة الانترنتquot;، اعتبره الشعب التونسي بطلا.
هذا من ناحية، من ناحية ثانية بدأ العديد من الكتاب والمحللين الاستراتيجيين، يتناولون الثورات في العالم العربي من منظور جديد، يعتمد علي فكرة quot; شد اللحاف quot;، أي جذب هذا quot; الحدث التاريخي quot; غير المسبوق بإتجاه القوي الإقليمية الأخري، مثل تركيا وإيران اسرائيل، ورسم العديد من السيناريوهات الممكنة والمتوقعة في ضوء سيولة الأحداث.
وطبيعي أن تستحوذ اسرائيل علي النصيب الأعظم من تطبيق هذه الفكرة، فمع نجاح الثورة المصرية بإعلان الرئيس مبارك التنحي مساء 11 فبراير الماضي، تحولت اسرائيل (180 درجة) من كونها الداعم الأكبر لنظام مبارك (من 25 يناير إلي 11 فبراير) عن طريق ضخ مجموعة من المخاوف في الميديا العالمية حول مخاطر صعود الأخوان المسلمين إلي سدة الحكم، وانهيار اتفاقية quot; كامب ديفيد quot; للسلام بين مصر واسرائيل، إلي رصد المكاسب الإسرائيلية المتوقعة مما حدث وما سوف يحدث، فضلا عن المهارة الفائقة في تحويل سلبيات هذه الثورة بالنسبة لإسرائيل إلي ايجابيات محتملة.
شلومو بن عامي وزير خارجية إسرائيل الأسبق، ومؤلف كتاب quot; ندوب الحرب وجراح السلام: المأساة العربية الإسرائيلية quot;، كتب مقالا لافتا بعنوان quot;انقاذ الثورة المصريةquot; أكد فيه: أن التحدي الرئيسي الذي يواجه مصر الآن هو بناء دولة علمانية حديثة يعتنقها شعب متدين... وأن جماعة الإخوان المسلمين اليوم ليست منظمة جهادية كما صورها نظام مبارك للغرب. فقد هجرت هذه الجماعة منذ فترة طويلة ماضيها العنيف وأبدت اهتماماً صادقاً بالمشاركة السياسية السلمية... وأن تشكيل حكومة وحدة وطنية في فلسطين (حماس - فتح) يؤسس نموذجا جديدا لمستقبل تغيير النظام في العالم العربي، وقد تشكل مثل هذه التسوية السبيل الوحيد لمنع الانزلاق إلى الحرب الأهلية، بل وربما استمالة الإسلاميين إلى التسوية مع إسرائيل والتقارب مع الغرب.
تري هل كان يمكن quot;شد اللحافquot; قبل quot;العشاء السريquot;؟

[email protected]