العثور على طرود مشبوهة من ضمنها اثنان يحتويان متفجرات في كل من بريطانيا ودبي، كانا في طريقهما من اليمن إلى الولايات المتحدة، حيث كانت وجهتيهما النهائية مركز عبادة يهودي في مدينة شيكاغو، يؤكد نظرية quot;يوشكا فيشرquot; وزير خارجية ألمانيا الأسبق ونائب مستشارها في الفترة من 1998 إلى 2005، من أن دول الشرق الأوسط أصبحت تحمل العديد من الأوصاف الجديدة، مثل: quot;فاشلةquot;، quot;محافظة quot;، quot;مارقةquot;، quot;مخيفةquot;، وهو ما تناولته في مقالي السابق (شرقان وسيادتان وجسر!).
الشرق الأوسط (القديم والجديد) بات من أكثر المناطق الساخنة (خطورة) في العالم، وهناك دوماً حرب قادمة، أو هجمة إرهابية متوقعة، أو مبادرة سلام فاشلة في الطريق. الرئيس أوباما قال: أن الطردين يشكلان quot;تهديدا ارهابيا حقيقياquot; على الولايات المتحدة الأمريكية من قبل quot; تنظيم القاعدة quot; في جزيرة العرب، ووصفهما quot;جون برينان quot; مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب بأنهما: quot; يحتويان علي مواد quot;حساسة جداًquot;، تهدف إلى التسبب بأكبر أذي ممكنquot;.
الهدف المعلن لتنظيم القاعدة في quot;اليمنquot; هو استهداف quot;المصالح الأمريكيةquot;، وحسب quot;بروس هوفمانquot; خبير الإرهاب الدولي، في مقال له نشرته صحيفة (واشنطن بوست)، فقد عمد تنظيم القاعدة في أعقاب الأزمة المالية العالمية، إلى تكثيف استراتيجية الحرب الاقتصادية ضد الولايات المتحدة.
الجديد هو الدور البارز الذي لعبته المملكة العربية السعودية، في الكشف عن الطردين. فقد أعلن جون برينان أن: quot;الولايات المتحدة ممتنة للمملكة العربية السعودية لمساعدتها في توفير المعلومات التي مكنتنا من التعرف على التهديد القادم من اليمن.quot;، وأضاف: إن السعوديين ومسؤولين في بريطانيا ودولة الامارات العربية المتحدة وغيرها من quot;الأصدقاء والشركاءquot; قد مدوا يد العون للولايات المتحدة في التعرف على الطرود المريبة في مطار دبي ومطار ايست مدلاندز البريطاني.

لكن ما دلالة ذلك علي تشكيل الشرق الأوسط الجديد؟
أولا: تغيير (مركز الثقل) السياسي والعسكري في المنطقة بأكملها، حيث أصبح الصراع المهيمن والرئيسي في المنطقة يتركز في (الخليج) أساسا، مما يتطلب تعاونا من نوع خاص بين القوي الدولية والإقليمية، سياسيا وعسكريا واستخباراتيا، خاصة وأن العمليات المستمرة والمتسارعة لتنظيم القاعدة في اليمن، نبه الأذهان إلي خطورة الوضع الاستراتيجي في العالم، وليس علي المملكة العربية السعودية فقط.
ثانيا: الشرق الأوسط الجديد، حسب تقسيم quot;فيشرquot;، والذي يتضمن دبي، وقطر، والبحرين، وإسرائيل، (واليمن)، علاوة على حزب الله وحماس وجنوب السودان ـ وجزئياً، إيران والمملكة العربية السعودية، فضلا عن الأردن والمغرب، شهد في نفس التوقيت تقريبا: اعتراض مجموعة من النساء المحجبات quot;المنتميات لحزب اللهquot;، فريق التحقيق الدولي في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو ما يسلط الضوء ليس علي سلاح حزب الله وتكريسه لفكرة (الدولة داخل الدولة) كتقسيم جديد لجغرافية الشرق الأوسط فحسب، أو حتي تمرده علي السلطة المركزية اللبنانية وتعاقداتها الدولية فقط، وإنما يسلط البؤرة علي استخدام حزب الله (سلاح الجسد) كمفهوم جديد للحرب اليوم.
ثالثا: ان الموقف الجديد للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لابد وأن يقابله تغييرا في اتجاه الاستراتيجية الأمريكية (الحالية والقادمة) وتعاملها مع قضايا المنطقة الحيوية. ولا يعقل مثلا أن يكون (أمن النفط) أو تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية علي حساب معاناة دول المنطقة وإفقار شعوبها وتخلفها، وأشير هنا إلي النغمة السائدة داخل المطبخ الأمريكي والتي تطالب صراحة: quot; علينا دعم ميزانيتنا (الولايات المتحدة) وإضعاف ميزانية أعدائنا (دول الخليج). أما الطريقة الفضلي لتحقيق ذلك في خطوة واحدة فتكمن في فرض ضريبة كبري علي البنزينquot;.
هذا ما بلوره quot;مايكل ماندلبومquot;، أستاذ السياسة الخارجية الأمريكية بجامعة جونز هوبكنز، في كتابه الجديد: quot;القوة العظمي المقتصدة: قيادة أمريكا العالمية في عصر الضائقة المالية quot; - The Frugal Superpower: America?s Global Leadership in a Cash-Strapped Era
خطورة كلام quot; ماندلبوم quot;، وهو من أهم الثقات في بيوت التفكير ومراكز الدراسات والأبحاث والميديا في العالم، فضلا عن كونه أحد المصادر المهمة للكتاب والصحفيين، ومنهم الكاتب الأمريكي المعروف quot; توماس فريدمان quot;، تتمثل في أنه: حتي لو تمكنت الولايات المتحدة من خفض استهلاكها للنفط بنسبة تصل إلي 17%، وهو المطلوب علي وجه السرعة لتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة، فسوف تظل مضطرة إلي الاعتماد علي نفط الخليج، وبالتالي علي (أمن الطاقة) في المنطقة، وهذا لا يتطلب اللجوء إلي استخدام قوتها العسكرية فقط، وإنما يفترض أولا التعاون والتنسيق التام مع دول الخليج (وليس إنهاكها اقتصاديا أو إحراجها داخليا)!