هذا التقرير بالغ الأهمية، صدر عام 2008 عن مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، تحت عنوان quot; الاتجاهات العولمية 2025: عالم قد تحول quot;. تصدت المكتبة الأكاديمية في مصر لعرضه باللغة العربية ضمن السلسلة الثالثة لمشروع quot; الكراسات quot;، الذي يعني بمحورين كبيرين: العلم والمستقبل.
حملت السلسلة الأولي من هذا المشروع التنويري عنوان quot; كراسات مستقبلية quot; منذ عام 1997، وظهرت السلسلة الثانية تحت عنوان quot; كراسات علمية quot; عام 1998، أما السلسلة الثالثة ndash; التي نتناول باكورة إصداراتها - فهي تحمل اسم quot; عروض quot; وصدرت هذا العام 2010، لمواكبة الاصدارات المهمة التي لا تلاحقها حركة الترجمة العربية.
يقول الدكتور أحمد شوقي أستاذ علم الوراثة ورئيس تحرير هذه الكراسات المهمة،: quot; منذ عام 1997 دأب مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي علي اصدار تقارير مماثلة كل أربع سنوات. وحظيت هذه التقارير باهتمام الإدارات الأمريكية، حيث تستفيد منها في رسم استراتيجياتها وسياستهاquot;
يتميز التقرير الحالي، الذي عرضه بإقتدار باحث واعد هو الأستاذ صموئيل رمسيس، باتساع ومشاركة أوسع من جهات غير أمريكية، بالاضافة إلي معاقل الفكر الأمريكية: معهد quot; تشاذام هاوس quot; بلندن، المعهد الدولي لبحوث السلام بستوكهولم، المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة ببكين، مؤسسة quot; راند quot; بكاليفورنيا، وغيرها.
التقرير يري أن (15 ndash; 20 سنة القادمة) بمثابة واحدة من أهم نقاط التحول التاريخية، حيث العديد من العوامل سيكون لها دورها الهام والحاسم في تشكيل أحداث المستقبل، والتي يناقشها عبر فصوله السبعة (المستقبليات البديلة الممكنة)، وهي: عولمة الاقتصاد، ديمغرافيات الخلاف، اللاعبون الجدد، ندرة في غمرة الوفرة، زيادة احتمالية النزاع، هل سيكون النظام العالمي علي مستوي التحديات، تقاسم القوي في عالم متعدد الأقطاب.
في ثنايا هذه الفصول، يطرح التقرير أربعة سيناريوهات توضح بعض الطرق العديدة التي يمكن أن تسلكها أو قد تتفاعل معها (العولمة، والديمغرافيا، وصعود قوي جديدة، وتراجع المؤسسات الدولية، والتغير المناخي، وجيو ndash; سياسية الطاقة)، لينتج عنها تحديات وفرص لصانعي قرارات المستقبل. هذه السيناريوهات تؤكد علي انه نتيجة للتحول العالمي المستمر سوف تبرز تحديات جديدة، وهي لا تكشف كل المستقبليات المحتملة، كما ان ليس من بينها ما هو محتم وضروري، وهي: عالم بلا غرب، مفاجأة أكتوبر، الشجار الذي نشب بين البرازيل وروسيا والصين والهند، سياسات ليست دائما محلية.
الاختلاف الأكثر أثارة بين التقرير الحالي (2025.. عالم قد تحول) والتقرير السابق له (2020.. رسم خرائط مستقبل العالم) هو الافتراضات بشأن مستقبل متعدد القوي وتغير النظام الدولي، فتقرير 2025 يصف عالما تلعب فيه الولايات المتحدة دورا بارزا في الأحداث العالمية، ولكنها ستكون واحدة ضمن عدة لاعبين آخرين من القادرين علي إدارة المشكلات، في المقابل فإن تقرير 2020 توقع استمرار سيطرة الولايات المتحدة، وافتراض نبذ معظم القوي الكبري لفكرة إحداث توازن مع الولايات المتحدة.
كذلك فإن التقريرين مختلفين في معالجة قضايا إمدادات وطلب ومصادر الطاقة البديلة الجديدة. ففي تقرير 2020 تم الأخذ في الاعتبار إمدادات الطاقة التي لازالت في باطن الأرض والغير مؤكدة لمقابلة الطلب العالمي، في المقابل فإن تقرير 2025 يري أن العالم سيكون في منتصف تحول هام إلي وقود أكثر نظافة، مع احتمالية ان تلعب التكنولوجيا الجديدة دورا هاما في ايجاد بدائل الطاقة وعلاج مشاكل ندرة الطعام والمياه. في تقرير 2020 الطلب علي الطاقة سيؤثر علي علاقات القوي الكبري، ولكن تقرير 2025 يعتبر ندرة الطاقة هي العامل المؤثر جيو ndash; سياسيا.
كل من التقريرين توقع حدوث نمو اقتصادي عالمي قوي، مع ذلك فإن تقرير 2025 يؤكد علي أن عدم الاستمرارية هي التي ستكون الاتجاه السائد، غير ان العشرين سنة القادمة من التغيير إلي نظام دولي جديد ستكون محفوفة بالمخاطر مثل سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط أو احتمال صراع علي الموارد.
السيناريوهات في كل من التقريرين تعالج مستقبل العولمة، ومستقبل إنشاء نظام دولي، والخطوط الفاصلة بين العوامل التي ستتسبب في نزاعات أو تقارب بين القوي. وكلاهما يري العولمة محركا سيعيد تنظيم الاختلالات الحالية علي أسس جغرافية وإثنية ودينية وسوسيو ndash; اقتصادية.
الأخطر من ذلك (في التقريرين) أن منطقة الشرق الأوسط ستظل أسخن مناطق العالم، والمختبر الرئيسي للأفكار الجديدة والصراعات المتجددة، أو قل ستظل مفعولا بها علي الدوام ولن تكون فاعلة أبدا، رغم امتلاكها الملعب والجمهور !