كتب quot;نيتشهquot;: quot;انها لحماقة جميلة لعبة الكلام هذه، بواسطتها يمكن الإنسان أن يرقص فوق الأشياءquot;.. لكن الكلمة ليست لعبة وإنما هي quot;فعلquot; جاد، وربما، خطير. ومجمل فلسفتنا ndash; كما قال نيتشه أيضا ndash; هي تعديل استعمالنا للغة.
غالبا ما نتساءل، عندما ننشر مقالا في إيلاف، من هو قارئي الافتراضي - الإيلافي هذا، إلى أي جيل، تيار، ينتمي، ماذا ينتظر مني حتى أكون في حسن ظنه، ما هو العنوان المناسب الذي يجذبه لفتح مقالي، أي موضوع قريب من قلبه وعقله، هل أغلبه أنثوي أم ذكري، وأية طريقة مثلى للتأثير فيه/ فيها، حتى أشعر أني ساهمت في التغيير الفكري والاجتماعي المنشود... |
هناك قول لاتيني قديم، هو: quot; للكلمة قوة الفعل quot; verba valent usuquot;، يردده quot;يورجن هابرماسquot; دائما في quot;نظرية الفعل التواصليquot;، ومنه شيد فيلسوفا اللغة الإنجليزيان: quot;أوستينquot; فى بحثه الشهير quot;كيف تفعل الأشياء بالكلماتquot; و quot;سيرلquot; فى كتابه عن الأفعال الكلامية (أو أفعال القول)، نظرية متكاملة ومبتكرة.
وحسب quot; فتجنشتين quot; في كتابه quot; بحوث فلسفية quot;: فإن قول العبارات أو التلفظ بها هو فى الحقيقة تحقيق لأفعال معينة، مثل أفعال الأمر والاستفهام أو التأكيد، بهدف إحداث تأثير ما على الطرف الآخر فى الحديث أو الحوار، من مفاجأة أو إبهاج أو إزعاج أو تعكير.....إلخ.
من هنا، فإن لكل كاتب حقيقي quot;قارئ افتراضيquot; يلازمه كظله، يشاركه في خياله وتفكيره، يحاوره ويقلقه، ينقده ويمدحه أيضا. هذا القارئ الافتراضي هو القرين بإمتياز، كلما احترمه الكاتب كلما كان هذا الكاتب يحترم نفسه بالمثل، يقول quot; نيتشه quot;: quot; من أراد أن يكون عظيما، عليه أن يحترم ظلهquot;.
وفي كتاب أمبيرتو إيكو quot;القارئ في الحكايةquot; إشارة مهمة إلى القارئ الافتراضي الذي يكونه الكاتب داخل ذهنه قبل وأثناء إنجاز الكتابة وبعدها، وكلما كان هذا القارئ الافتراضي مثقفا وذكيا، كلما كان الكاتب متمكنا من موضوعه ولماحا في صياغاته.
وحسب quot;إيتالو كالفينوquot; (1923 ndash; 1985 ) صاحب رواية quot;مدن غير مرئيةquot;: quot;نحن نكتب لإناس قرأوا عشرات بل مئات النصوص من روايات وقصائد وكتب ومقالاتquot;.. لذا فعلي الكاتب أن يكون حذرا لأن ما يكتبه سيوضع علي quot;الرف الافتراضيquot;، إلي جانب كتابات أخري قد يزيحها جانبا ويحتل الواجهة، أو تدفعه هي إلي التقهقر إلي الخلف، هذا ما عناه كالفينو ببحثه: quot;لمن نكتب؟ أو.. رف الكتب الافتراضيquot;، وهو أبرز من عبر عن القارئ الافتراضي، الذي هو في الحقيقة أكثر من مجرد quot;قارئ افتراضيquot;.
أكبر التحديات التي واجهت العقل على مر العصور، فهم أو الوصول الى الأشياء التي نعرف أنها موجودة ولا نستطيع ان نراها. إذ ليس كل ما هو حقيقي ومفيد، يُلمس ويُرى. فالزمن مثلاً، حقيقي ولكن لا يمكن إدارته بصورة كفء إلا عند تمثله الساعة والتقويم الزمني. واخترع الانسان، على مر العصور، أنظمة وصفية تمثيلية مثل: الكتابة، النوتة الموسيقية، الرموز، الرياضيات وغيرها، ليدرك بالعقل ما لا يمكن لمسه أبداً. كما ان للحياة درجات مختلفة من الواقع كثير منها غير مرئي ولا نستطيع الوصول إليها إلا من طريق التوصل لأدوات التمثيل المناسبة. وأشهر قياس للتمثيل هو ما أورده أفلاطون في كتابه quot; الجمهورية quot; حيث تم تشبيهنا بالسجناء المقيدين بالسلاسل في كهف وظهورنا للداخل بحيث ان كل ما نعرفه عن العالم هو الظلال الساقطة على الحائط الذي أمامنا.
وما يدل عليه هذا التصوير هو ان أشياء كثيرة مما نسترشد بها لتحديد مصيرنا ليست واضحة بذاتها، وهذا هو السبب في ان الانسان عمل بجد لاقامة نظم التمثيل اللازمة للوصول الى وإدراك الجانب الافتراضي في واقعنا وتمثيله بمقاييس يمكننا فهمها، وهو ما سماه الفيلسوف quot; دانيال دينيت quot; بالتمديد الأصطناعي للعقل. ومن خلال التمثيل فإننا نجسد جوانب أساسية للعالم حتى نغير من الطريقة التي نفكر بها فيه. وبحسب الفيلسوف quot; جون سيرل quot; فإننا عن طريق الاتفاق الانساني: نخلع منزلة جديدة على ظاهرة ما. ان تنظيم الواقع في عالم من المفاهيم هو مركز الفلسفة على النطاق العالمي، وكما قال quot; فتجنشتين quot; فإن الوعي بالعالم لا بد من أن يقع خارجه. ففي العالم كل شيء على ما هو عليه، ويحدث بالصورة التي يحدث بها. ولا توجد قيمة فيه واذا وجدت فستكون بلا قيمة. واذا كانت هناك أشياء لها قيمة فلا بد ان تكمن خارج كل ما يحدث.
التعليقات