في مقالي بجريدة إيلاف والمعنون: (الفوضي القدرية والمستقبل) quot;أكدت علي أن quot;الدولة الدينيةquot; تتمتع بالسطوة الدينية والسياسية معا، وأن رجل دين في quot;الدولة الدينيةquot; يستطيع ان يكفر الرأي المعارض والمختلف معه، لأن السلطة التي يستمدها رجل الدين في مجتمعاتنا التي لم تتعلمن بعد quot;فوق الحريةquot; أو قل ان هذه السلطة هي التي تحدد quot; مساحة الحرية quot; وضوابطها، وهذا يتماشي تماما مع المساحة ذاتها التي تريدها السلطة السياسيةquot;.
هذا الكلام لم يكن جديدا علي الاطلاق، لكنه متجدد بإستمرار في عالمنا العربي الإسلامي البائس. قبل أيام منع الدكتور نصر حامد أبو زيد من دخول الكويت، رغم أن أوراقه الثبوتية سليمة وتأشيرته سليمة فضلا عن أنه يحمل دعوة كريمة، ولم يكن هاربا أو متهربا أو مطلوبا في قضية إرهابية، وليس متهما او مشبوها أو حاملا لمرض معدي خطير!
كل جريمة أبو زيد أنه quot; منير بذاته quot; إينما حل، يفضح خفافيش الظلام والظلم، يحمل أفكارا ناسفة للجهل والتعصب، متمنطق بالعلم والبرهان، لهذا منع في الكويت وكفر في بلده مصر، وتم التفريق بينه وبين زوجته الصابرة المثابرة.
قصة quot; أبو زيد quot; وكتيبة التنويريين أصبحت أخطر مما نتصور، لأن هناك خطة محكمة وتنسيق عالي المستوي ينفذ ضدهم من طنجة إلي جاكرتا. قبل أيام أكد الشيخ يوسف القرضاوي، في مذكراته التي تنشرها جريدة quot; الخبر quot; اليومية أن الدكتور محمد أركون المتخصص في الإسلاميات التطبيقية، لا يؤمن بالشريعة الإسلامية، أي أنه quot; مرتد quot;، وهي تهمة جاهزة تكفي لقتل الرجل في أي مكان.
فقد قتل الدكتور فرج فودة لأنه أعلن صراحة رفضه تطبيق الشريعة، مؤكدا عجزها عن تقديم أية حلول لقضايانا المعاصرة. اغتيال فودة أمام مكتبه في 8 يونيو 1992 من قبل أحد أعضاء الجماعة الإسلامية جاء بعد أن عمد بعض شيوخ الأزهر إلي وصفه (بالمرتد) وهو ما اعتبر تصريحا بالقتل وضوءا أخضر لتنفيذ عقوبة الموت.
الأخطر من ذلك أنه عقب اغتياله بارك الشيخ محمد الغزالي ما حدث أمام المحكمة قائلا: quot; من يعترض علنا علي تطبيق شريعة الله فهو كافر ومرتد، ومن الواجب إهدار دمه أما قاتله فلا تجب معاقبته quot;.
لن أتحدث عن محاولة الاغتيال الفاشلة لأديب مصر الكبير نجيب محفوظ بسبب اشاعه أنه كافر لأنه كتب رواية quot; أولاد حارتنا quot;، لأن معظم التنويريين من quot; إبن رشد quot; وحتي quot; أركون quot;، مرورا بquot; علي عبدالرازق quot; وquot; طه حسين quot; وquot; نصر أبوزيد quot; وquot; سيد القمني quot; وغيرهم، تحفظوا علي تطبيق الشريعة.
لم يشر الشيخ القرضاوي في مذكراته لأي من مؤلفات أركون ودراساته الإسلامية الرصينة، معترفا أن لقاءه به كان مجرد صدفة (في طريقه إلى الفندق) مكّنته رغم ذلك من اكتشافه الخطير لحقيقة هذا المفكّر غير المؤمن.
القرضاوي، حسب الكاتب والشاعر الجزائري عادل صياد في مقاله المهم quot; القرضاوي يكفّر البروفيسور الجزائري محمد أركون quot;: quot; يستخف من قامة فكرية بحجم أركون، فيطلق عليه رصاصة الرحمة، متهما إيّاه بالخروج من ملة الإسلام، دون أن يقدم دليلا معرفيا أو شرعيا لتبرير موقفه هذا... أركون لا يؤمن بالشريعة الإسلامية، وهو بذلك مرتد عن الإسلام، لأن طريقة لباسه ولغة حديثه لا تعجب القرضاوي، والدليل القاطع على إلحاد أركون هو عدم إطلاقه اللحية، وتفضيله بدلة quot;الألباغا quot;على القميص الشرعي، وقوله (الإسلاموية) بدل (الإسلامية) و(التاريخانية) بدل (التاريخية) على خلاف ما يقول القرضاوي وعلماء الدين quot;.
لكن صياد يروي قصة تكاد أن تتشابه أحداثها مع الأحداث التي سبقت مقتل فرج فودة وهي مناظرته الشهيرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1992، يقول: quot; تحضرني هنا المبارزة الفكرية بين القرضاوي وأركون عبر إحدى الفضائيات العربية ذائعة الصيت، قبل بضعة سنين؛ حيث بلغ الشيخ قمة غضبه ولم يتمالك هدوءه أمام رزانة أركون الذي كان يتحدّث بلغة العلم المنسجم مع الإسلام، وحيث راح يدعو الشيخ إلى عدم تكفير الناس وإلى ضرورة تحيين خطاب الإسلام مع ما يشهده العالم من تطورات وإنجازات لبلوغ مرحلة من الإنسجام والإحترام بين الديانات، تفاديا للغة القرن الأوّل الهجري غير المفهومة وغير القابلة للتصريف في سوق العولمة.
ولا شكّ عندي في أن القرضاوي لم ينس هزيمته النكراء في تلك المبارزة الفكرية مع أركون، وقد وجد في مذكراته فرصة تاريخية للإنتقام منه quot;.
[email protected]