ما الذي يجمع بين quot;سوزانquot; اللبنانية و quot;نداquot; الإيرانية و quot;مروةquot; المصرية؟... القتل غدرا، رغم تعدد الأسباب والدوافع والأبعاد. فالأولي قتلت ذبحا علي يد قاتل محترف بدافع الانتقام في دبي، والثانية قتلت بالرصاص على يد السلطات الإيرانية خلال المظاهرات الأخيرة، والثالثة قتلت طعنا بيد متطرف ألماني في قاعة محكمة دريسدن.
وطبيعي ألا تنل quot;نداquot; أو quot;مروةquot; من الاهتمام الإعلامي، ما نالته جريمة قتل سوزان تميم حيث: المال والفساد والجمال والسلطة، وألاعيب المحامين ومانشيتات الصحف الملونة، وتوابل برامج quot; التوك شو quot; الحريفة علي موائد الفضائيات. لكن، غير الطبيعي أن تصبح quot;نداquot; محور الإعلام العربي والغربي وليس الإيراني، أوأن تصير quot;مروةquot; الموضوع الرئيس في التلفزيون الإيراني وليس العربي أو الغربي.
والحقيقة ان الإعلام العربي قام بالواجب وزيادة، حين نقل بأمانة (انتهاكات) السلطات الإيرانية التي كان يبثها شباب الإصلاحيين، علي مواقع الانترنت: quot;تويترquot; وquot;يوتيوبquot; و quot;الفيس بوكquot;، وعبر وسائل الإعلام الغربية المختلفة، حيث أصبح قتل ندا رمزا للتيار الإصلاحي في إيران.
بالمثل لم تفوت إيران الفرصة، حين تردد الإعلام العربي وتقاعست الميديا الغربية، عن متابعة جريمة القتل البشعة لمروة الشربيني داخل محكمة بألمانيا، فسارات مظاهرات منددة بالعنصرية الغربية تجاه المسلمين، و quot;كأن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وجد في مأساة الشابة المصرية ndash; كما تقول ديانا مقلد - مادة للردّ على الانتقادات التي طالته ونظامه بعد مقتل المتظاهرة الإيرانية نداquot;.
هذه المفارقات في عالمنا العربي والإسلامي البائس، وغياب دور فاعل ومتوازن للمثقفين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، أوجد حالة من الفراغ أصبحت من نصيب الإسلام السياسي دائما، الذي يعزف علي مشاعر العامة الملتهبة إلي حد الهوس الديني، والمحتقنة اجتماعيا واقتصاديا إلي درجة الانفجار، ويجيد (تدمير) علاقتنا بالآخر الذي يقطننا ونعيش تحت جلده، بل ويستمد حيويته وديمومته من مقولة (الصراع) والعداء بين الإسلام والغرب.
ففي حفل تأبين مروة الشربينى بنقابة الصيادلة، حيث شاركت عائلة الفقيدة وممثلو الأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية بالإسكندرية، أكد الأمين العام لنقابة الصيادلة بمصر: أن النقابة لن تقبل العزاء فى مروة ابنتها إلا بعد (الأخذ بالثأر) من القاتل و (أسرته الألمانية)، حسبما جاء في موقع quot;اليوم السابعquot;.
وأنقل هنا ما كتبه quot;د. شريف حافظ quot; في مقاله المعنون (مروة الشربيني وتمثيلية تقديرنا للحياة)، يقول: quot;هل نحن نُقدر حياة البشر؟ هل نقدر حياة المصريين لتلك الدرجة؟. فى الوقت الذى كان الناس يعلنون عن غضبهم ضد ألمانيا quot;الكافرةquot;، على حد تعبيرهم، كان هناك بحارة مصريون محتجزون لدى قراصنة صوماليين، يطلبون فدية وإلا quot;ذبحوهمquot;، ولم نبالِ! بل متى اهتمامنا أصلاً بمواطنينا، سواء مسلمين أو غير مسلمين؟؟؟ ألم يكن هناك من تم الاعتداء عليهم بقرية الشورانية، بمحافظة سوهاج، وأُحرقت بيوتهم من المصريين البهائيين؟ أم أن القصة كلها تدور فقط حول المسلمين؟ إن كان هذا كذلك، فنحن أكثر عنصرية من قاتل مروة الشربينىquot;.
لكن يبدو أننا أصبحنا أكثر من مجرد عنصريين، فالأجواء الملبدة بالكراهية الدائمة والانتقام (العام) من الآخر، والمشحونة بنوازع القتل والتحريض عليه، طالت حتي المسلمين (المستنيرين) أنفسهم، وما نقرأه في الصحف ومواقع الانترنت ونشاهده يوميا علي الفضائيات من تكفير وتهديد ووعيد، منذ حصول الدكتور سيد القمني والدكتور حسن حنفي علي جائزة الدولة التقديرية للعلوم الاجتماعية هذا العام 2009، هو عملية قتل (معنوي) كل يوم بل كل (لحظة)، وهو يذكرنا بنفس الأجواء التي سبقت اغتيال الدكتور فرج فودة، وإن كانت الموجة الآن أعلي وأعتي وأسرع مما نتوقع، وهو ما يدفعنا إلي التساؤل: هل نمتلك فعلا quot; فطرة سليمة quot; مثل باقي البشر الطبيعيين، أم أن جيناتنا تشوهت بالفعل؟
[email protected]