هناك وشائج قربي بين الكلام والنور، كما ان الجذر اللغوي لكلمة quot;يقولquot; ndash; say، وquot;يرىquot; ndash; see في اللغة الانجليزية واحد. والحال نفسه في معظم اللغات الأجنبية، وكأن الحوار (الكلام) بين الأنا والآخر يقترن دائما بالنور. وكلمة quot;نورنيquot; هي إحدي لوازم الكلام في بر مصر، حين يريد شخص ما أن يعرف ما خفي عنه، أو يسترشد برأي أو حكمة أو نصيحة، وحين يصيب الإنسان الهدف، يقال له quot;الله ينور عليكquot;.
واللافت للنظر أنه رغم امتلاك الإنسان لحاسة البصر، فهو بحاجة دائما إلي النور (أولا) كي يبصر جيدا، ففي الظلام يتساوي الجميع.. من يمتلك حاسة البصر ومن يفتقدها علي السواء، ومن هنا جاء المثل الشعبي البسيط العميق (النهار له عينين)، وهو ما يفسر ارتباط quot; النور quot; وquot; التنوير quot; بالثقافة والحرية.
هذا الكتاب.. الجديد في بابه ومنهجه ومضمونه، يحمل أكثر من مصباح كاشف، يسلط الضوء علي المسكوت عنه والمقموع واللامفكر فيه، في ثقافتنا ولا شعورنا وممارستنا، يصحبنا في رحلة ممتعة داخل أنفسنا، صادمة أحيانا لكنها صادقة غالبا، لأنها تخترق العصب العاري والتابو الأكبر في حياتنا، وهو (الجنس).
ومن المفارقات في ثقافتنا البائسة، أننا مازلنا نخلط بين الجسد والجنس، لا نخاف الخطأ بقدر ما نخشي افتضاح أمره، ناهيك عن أننا حصرنا quot; الشرف quot; بين ساقي المرأة فقط، لتصبح هذه القيمة الأخلاقية العليا، خارجه عن الرجل لا يمتلكها أو يتحكم فيها، ويصبح بالتالي قتل المرأة من أجل الشرف، ليس (جريمة) وإنما رفعا لعار الرجل والعائلة والقبيلة!

(2)

الإعلام اليوم، من قنوات فضائية وانترنت واتصالات عبر الأقمار الصناعيةrlm;، أحضر العالم كله أمام مرمي ومشهد الجميعrlm;.rlm; وحفزالأفراد والشعوب علي مقارنة أوضاعهم وأحوالهم بأوضاع وأحوال الآخرين باستمرار، وهو ما فتح الباب أمام الانسان العربي ليحلم أحلاما تفوق قدراتهrlm;، ويحبط أحباطا يفوق احتمالهrlm;.rlm; وأصبحت المسافة بين الخيال والواقع، بين الرغبة وقلة الحيلة، هي مصدر المشاكل والأمراض الجديدة في مجتمعاتنا المكبوتة والمقهورة.

وعلي سبيل المثالrlm;، فقد عمم الإعلامrlm;، من خلال الاعلانات والفيديو كليب وبرامج المنوعات والأفلام،rlm; صورة معينة للأجسام وللجنس كفكرة طبيعيةrlm;، وهو ما ولد رغبة جامحة في المحاكاة، وهي أحدي آليات الانسان الاساسيةrlm;،rlm; للتغلب علي النقص والقصور، وردم الهوة بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون.
ان ابتكار صور معينة للأجسام والإلحاح علي هذه الصور الهوليودية، فضلا عن الممارسات الجنسية غير المألوفة، جعل البعض ndash; رجالا ونساء، صغارا وكبارا ndash; ينتقل علي الدوام من إحباط إلي احباط.
في كل الأحوال، أصبح الجسد هو محور اهتمام الجميع، دون أن نفهم لغة هذا الجسد أو نتعلم أبجدياته ونحوه وصرفه، فضلا عن قوانينه ومنطقه. والواقع أنه لا وجود للجسد خارج اللغة التي تعبر عنه، والتي يعبر هو من خلالها وعبرها، فالجسد يسكن اللغة.
وحسب علوم: النفس واللغة والاتصال... فإن هناك أربع شفرات للتواصل الإنساني بشكل عام (والملاغية والمناغشة بين الرجل والمرأة بصفة خاصة)، الكلام والصوت (السمع)، والجسد والوجه (البصر). فأنت لا تقنعني بما تقول فقط من كلمات، وإنما بصوتك ووجهك وجسدك ككل.

(3)


الكلمات لا تخرج فقط من فم الانسان، وإنما من كل جسده ومسامه، وquot; البنت المصرية تتكلم بالعين والحاجب quot; حسب العامية المصرية، ناهيك عن ان ما يقوله الفم ليس بالضرورة هو ما يقوله الجسد. فالإنسان لا يمكنه أن يختبئ خلف جسده وإن كان بإمكانه أن يتواري خلف كلامه.
ولا يمكن ان نتحدث عن الجسد إلا في إطار مرجعية معينة، وفي داخل ثقافة محددة. والجسد في الفلسفة الغربية المعاصرة، يختلف عن مفهومنا الشرقي الضيق له، فالجسد هو quot; عقل عظيم quot; أو قل أن العقل ليس سوي وسيلة للجسد، كما يقول quot; جيل دولوز quot;. فالجسد يفكر، وكل الاعضاء تساهم في التفكير وفي الإحساس، وفي quot; الإرادة quot;.
ثمة إذن طريقة للفهم خاصة جدا، هي تلك الطريقة التي تتمثل بجسد المرء، وهناك أكوام من الأشياء لا نفهمها إلا بأجسادنا، خارج دائرة الوعي الواعي، ودون أن نستطيع أن نصوغ فهمنا في كلمات، كما يشير quot; بيير بورديو quot;.
وإذا كان الجسد سليما متصالحا مع الحياة، فإن quot; العقل quot; يعمل في اتجاه طبيعي ويكون انتاجه مطابقا لأهداف الحياة. والعكس بالعكس، ان الثقافة الحقيقية هي التي تخضع للحياة، وتخدم الجسد، أما ما يسمي بثقافة التعتيم علي الجسد (وكراهيته)، فهي فاسدة وخادعة (وارهابية) لأنها تتنكر لقانون الحياة، للجسد ومتطلباته، وحقه في التعبير عن نفسه، وهي السبب المباشر في العديد من المآسي والجراح والشروخ في جسد المجتمع ككل، وفي العلاقة بين الجنسيين، فضلا عن العلاقات الزوجية، وهنا بالتحديد تكمن أهمية هذا الكتاب الرائع.

bull;من تصديري لكتاب الدكتور خليل فاضل quot; الجنس.. أزواج وزوجات وأمور أخري quot;.

[email protected]