يستحق موقع quot;اليوم السابعquot; عن جدارة أن يحصل علي جائزة الإعلام الأولي في مصر، كأفضل موقع الكتروني عبر بسلاسة وعمق عن جوهر quot;الثورة الرقميةquot;، التي كسرت الحدود بين أشكال الاتصال التقليدية الثلاثة: الكتابة (الصحافة) والصوت (الإذاعة) والصورة (التليفزيون)، وفتحت المجال أمام quot;الإنترنتquot; وهو الشكل الرابع من أشكال الاتصال والتواصل الانساني، وأحدث وسيلة للتعبير (المعارضة والاحتجاج) والاستعلام والبحث والترفية.
ويبدو أن هذه الثورة الرقمية أصبحت (حصان طروادة) في عصر العولمة، ليس فقط في عبور الزمان وضغطه أوعبور المسافة التي تفصلنا عن الآخرين، وإنما في التخفف من إكراهات (وضغوط) الرقابة السياسية، والانفلات من القيود (الأمنية) التي تخضع لها الصحف الورقية، بسبب التابوهات (المحرمات) التقليدية الثلاثة: الدين والجنس والسياسة، وأشياء أخري.
فقد نشر الموقع خبرا جريئا وصادما للقراء، يدخل في باب quot;المسكوت عنهquot; أو quot;اللامفكر فيهquot;، لأنه كسر الصدفة الأصلية quot;لتابو الجنسquot; عندنا، ومن ثم استحوذ علي اهتمام أكبر عدد من القراء، فضلا عن المسئولين والأطباء والحقوقيين ورجال الدين. ملخص الخبر، حسب وكالة (دى برس وإذاعة هولندا العالمية)، هو: اعتزام مجموعة من المستثمرين المصريين استيراد أغشية بكارة صناعية من الصين، سيتم بيعها بـ 83 جنيهاً تقريبا (ما يعادل 15 دولارا)... بعد انتهاء إجازة عيد الفطر المبارك حتى لا تؤذى مشاعر المسلمين!
وتساءلت إذاعة هولندا (بمكر شديد): quot; هل الآخر هو من يحرض بناتنا للإنفلات (الانحراف) بتسهيله لنا طرق التخفى، أم أن الحاجة هى التى دفعته لتصنيع ذلك المنتج؟ quot;. واستطردت: أنه من المنتظر أن تشهد شوارع القاهرة نفس الإعلانات المنتشرة الصين: quot;استعيدى عذريتك فى خمس دقائق.. المنتج التكنولوجى الراقى.. سرك المفزع يختفى للأبد.. استعيدى عذريتك بخمسة عشر دولاراً.. بلا جراحة، أو حقن، أو أدوية ولا آثار جانبيةquot;.
لم يكتف موقع quot; اليوم السايع quot;، الذي يرأس تحريره الإعلامي المتميز خالد صلاح، ويشرف عليه الكاتب الاستثنائي سعيد شعيب، بنشر الخبر فقط وإنما قام بإجراء تحقيق موسع مع الخبراء والمختصين والجمهور. وإليكم أبرز الخلاصات (إذا سمح بإستيراد quot; غشاء البكارة الصيني quot; في مصر): نشر الدعارة والتشجيع علي الانحراف.. انتشار العنوسة وارتفاع نسب الطلاق.. زيادة معدلات الغش والخداع في المجتمع.. زرع الشك وعدم اليقين في قلوب الشباب.. حبس البنات في القمقم (البيوت) درءا للشبهات.. مصر ليست السوق المناسب لهذا المنتج.
ورغم رفض كل من وزارة الصحة المصرية ونقابة الصيادلة تداول quot; غشاء البكارة الصينى quot; في الأسواق بشكل رسمي، فإن المخاوف قد تسربت إلي نفوس معظم القراء من امكانية تهريب هذا المنتج quot; الرجيم quot; وبيعه في السوق السوداء بأضعاف ثمنه، لأنه: quot;أحلي من الشرف ما فيشquot; زي ما كان بيقول quot;الباز أفنديquot;، الممثل العبقري quot;توفيق الدقنquot; (1924 ndash; 1988) الذي اشتهر بأدوار الشرير خفيف الظل.
وعبارة quot; أحلي من الشرف ما فيش quot; هي أشهر quot; لزمة quot; في تاريخ السينما المصرية، يحفظها المصريون عن ظهر قلب بطريقة أدائها الصوتي الممزوج بالابتسامة الساخرة والنظرة المملوءة خبثا. إلى هذا الحد كانت تؤثر الأعمال الفنية فى هذا الزمن الجميل، في وجداننا ولاوعينا وتحفر عباراتها وشخصياتها فى ذاكرتنا، وتصير جزءا من لغة الحياة وتصوراتنا عن الواقع.
لكن المصريون، وتلك هي المفارقة، لم يربطوا معاني هذه العبارة ودلالاتها بالمعني الجنسي وحده كما هو حاصل اليوم (بفعل الهوس الديني الزائف المقترن بالجهل والانحطاط الاخلاقي)، فقد كان quot; الدقن quot; يردد هذه اللزمة في معظم أفلامه حين يقبض أي مبلغ من المال بطرق غير مشروعه أو حين يقوم بعمل غير أخلاقي بوجه عام: رشوة، اختلاس، سرقة، ثمن دم، فساد، شهادة زور، تسهيل الفحش، غض الطرف عن الرذيلة، تبرئة المذنب وظلم البرئ....
وهو ما يثير جملة من التساؤلات المشروعة: لماذا أصبحنا لا نخاف الخطأ ولكن نخشي فقط افتضاح أمره؟!... لماذا نستمريء الكذب والغش والخداع في حياتنا؟... هل من الشرف أن نكذب حتي علي أنفسنا؟... هل من الشرف أن نقهر إنسان فقط لأن جنسه أنثي؟. ان معني quot; الشرف quot; لا ينحصر فى السلوك الجنسى للمرأة خاصة نصفها الأسفل، كما ان شرف الرجل ليس منفصلاً عنه أو موجودا عند نسائه وحسب.
ان quot; البكارة quot; والعذرية، لا تخص المرأة وحدها، وإنما تتعلق بالإنسان رجلا كان أم إمرأة، فلكل شخص جسده الذى يملكه ولا يسمح لغيره أن يمتهنه، كما أنه لا يمنحه إلا لمن يريد ويخصه به وحده، وليس لكل عابر سبيل أو من تقع العين عليه اعجابا أو اشتهاء.
بقي ان تعرف عزيزي القارئ أن تعبير quot; بكارة تايواني quot; ليس خطأ في العنوان، فالمصريون يطلقون كلمة quot; تايواني quot; علي كل ما هو quot; غير أصلي quot;، quot; تقليد quot; يعني، فضلا عن كل ما هو مزيف أو مضروب أو مبلول أو درجة ثانية... والبكارة هي الشئ الوحيد quot;الذي يتناقض مع كل هذه المفردات السابقة، فهي تطلق فقط علي: quot; الأول quot; وquot; الأصلي quot; وquot; البدئي quot;، بيولوجيا وإبداعيا أيضا.
عصام عبدالله
[email protected]
التعليقات