حركة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، بدءا من زلزال 11 سبتمبر 2001 وتوابعه، وحتي أحداث quot;غزةquot; 2008 وتداعياتها، تشير إلي quot;نهايةquot; مرحلة تاريخية كاملة، وبداية مرحلة جديدة في الوقت نفسه، بدأت في التشكل، ومن ثم فإن رصد quot;السحب المتحركةquot; في الأفق، بين النهاية والبداية، الانفصال والاتصال، الانقطاع والاستمرار في هذه اللحظة الراهنة، يصبح أمرا حيويا.
نحن نشاهد الآن العديد من النهايات، مثل: quot;نهاية مفهوم السيادةquot; وquot;نهاية مفهوم الدولة الحديث الذي ظهر بعد ويست فاليا 1648quot; وquot;نهاية النظام العربي في صورته التقليدية quot; ونهاية التحالفات والمحاور القديمة في المنطقة، فضلا عن quot;نهاية الخط الفاصل بين الداخل والخارج في العلاقات الدوليةquot;... وغيرها، وفي رحم هذه النهايات تتشكل ndash; في الوقت نفسه - بدايات نظام عالمي جديد، يتغير معه العالم ببنيته ومشهده، بعلاقاته وتوازناته، بإيقاعه وزمنه.
يؤيد ذلك، أن فكرة quot; السيادة المطلقة quot; لم تعد أمراً مقبولاً في عصر العولمة، وان اقتطاع بعض ما كان يعتبر شأناً داخلياً خالصاً في الماضي ليصبح شأنا دولياً (دارفور والبشير والمحكمة الجنائية الدولية) أصبح مسألة ضرورية، وقد فسر quot;كوفي عنانquot; السكرتير العام السابق للأمم المتحدة في تقريره لعام 1999 ما يحدث بالفعل من تغيير بقوله quot; ان مفهوم سيادة الدولة يمر بعملية تحول كبرى، وان الدول ينظر إليها باعتبارها أدوات في خدمة شعوبها وليس العكس، ومن ثم فإن هناك حاجة لإعادة تعريف المصلحة الوطنية بشكل يتسق ومتطلبات القرن الواحد والعشرينquot;.
ورغم رياح التغيير التي اجتاحت معظم مناطق العالم، في أعقاب quot;نهايةquot; الحرب الباردة عام 1989، فإن الشرق الأوسط لا يزال أسخن منطقة جيوسياسية في العالمrlm;، والعقبة الكاداء في وجه التغيير وحركة التاريخ.rlm; وكأنه أريد لهذه المنطقة تحديدا أن تكون مختبرا للعديد من الأفكار والمفاهيم الجديدة، وأن يقترن تغييرها أولا، بإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد، أو بالأحري فإن ميلاد النظام العالمي الجديد مرهون بإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد، بداية.
القراءة الأولية للاعبين الاقليميين في المنطقة تكشف عن إسرائيل وتركيا وإيران هم الأكثر تطلعا للمستقبل والأسرع تجاوبا مع المتغيرات الدولية والأجدر فهما للتحولات الجديدة، بما يتيح لهم أن يصبحوا في قلب الترتيبات الإقليمية وليس خارجها أو علي هامشها، بينما يأتي استيعاب العرب بطيئا متثاقلا غارقا في إيديولوجيا الماضي بمشكلاته وتعقيداته، فضلا عن أنه لايزال يتمحور في سياساته العامة حول quot; الدولة التقليدية quot; بالمعني السلطوي المشوة، وليس بالمعني التعاقدي الحديث، حيث فشلت معظم الدول العربية بعد الاستقلال في تحقيق المواطنة والديموقراطية، رغم أنها تتألف من أكبر فسيفساء أثنية ودينية وعرقية، وهو ما أصبح يهدد بتفككها من الداخل والخارج في الوقت نفسه.
إيران تعتبر أن من حقها لعب دور إقليمي يليق بوزنها البشري والثقافي و(النووي)، وامتدادتها الإيديولوجية وquot; الثيولوجية quot;، وهي تدرك في الوقت نفسه، أن هذا الهدف لن يتحقق في ظل واقع النظام الإقليمي الراهن. وبالتالي، فهي تعمل علي إسقاط هذا النظام، وأنظمة الحكم التي يتألف منها، خاصة بعد أن خطفت حماس القضية الفلسطينية من محيطها العربي quot; الرسمي quot;، ووضعتها في أيدي ملالي إيران.
ناهيك عن ان إيران حققت بالفعل اختراقات كبيرة وواسعة، تمثلت بـlaquo;حزب اللهraquo; في لبنان، وبالتحالف الاستراتيجي (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا) مع سوريا. وأيضا باستقطاب شرائح شعبية وهيئات وتنظيمات وقوي للمعارضة في بعض البلدان العربية الأخرى.
كان الحضور اللافت لإيران إلي جوار سوريا في قمة الدوحة (الإسلامية - العربية) 2008، رسالة مهمة للرئيس الأمريكي أوباما قبل ذاهبه للبيت الأبيض بأيام، هي: أن إيران حاضرة في المنطقة عبر ثلاثة ملفات لا فكاك من التعامل معها: فلسطينية (عبر حماس)، نووية - استراتيجية، سورية لبنانية (الجولان ndash; حزب الله).
كما أن الهجوم (المدروس والمخطط) الذي شنه نائبان في مجلس الشورى الإيراني على دولة الإمارات العربية وقتئذ، حيث أعتبر أحدهما أن جميع أراضيها كانت محمية تابعة لإيران، ووصف مطالب أبوظبي بالتفاوض على مصير الجزر الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى وأبو موسى) بـ laquo;الوقاحةraquo;، فيما حذّر الآخر من أن المطالبة بالجزر المحتلة من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع حرب بين البلدين.
فضلا عن التصريح الأخير (فبراير 2009) لرئيس البرلمان الإيرانى السابق على أكبر ناطق نورى الذى يشغل حاليا منصب مستشار الزعيم الأكبر الإيرانى آية الله على خاميئني، بأن: quot; البحرين كانت هى (المحافظة) المقاطعة الرابعة عشرة التابعة لإيران حتى 1970 quot;. وتشكيك عدد من المسئولين الإيرانيين في هوية البحرين العربية، لا يخرج عن هذا الاطار المرسوم بدقة.
المزاعم الإيرانية حول quot; السيادة quot; أو بالأحري حول (تآكل مفهوم السيادة بالمعني التقليدي 1648)، والتى قوبلت بإنتقادات (تقليدية) من جانب الإمارات ثم البحرين ودول عربية أخرى، ينبغي أن تؤخذ بجدية، وأن تفهم في ضوء التحولات العالمية: تمديد نفوذ إيران في المنطقة التي يعاد ترتيبها، والتطلع لملئ الفراغ في الخليج، ولعب دور محوري في المنطقة، وفي النظام العالمي الجديد.
فقد صرح المتحدث بإسم البيت الأبيض قبل أيام أن أهم ما طرحته مبادرة أوباما في quot; عيد النيروز quot; تأكيد رغبة الولايات المتحدة واستعدادها الدخول في حوار مباشر مع إيران، مؤكدا أن إيران دعيت إلي المؤتمر الدولي حول أفغانستان بإعتبارها واحدة من الدول المجاورة لأفغانستان، وهو المؤتمر الذي تشارك فيه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون نهاية هذا الشهر.
إيران تسعى بالفعل إلى إقامة علاقات قوية (من منطلق المسئولية والاحترام المتبادل) مع الولايات المتحدة وإسرائيل على حساب المصالح العربية أساسا، وهو ما ورد في كتاب laquo;التحالف الخائنraquo; للمؤلف تاريت بارسي، الذي يكشف عن صفقات سرية بين إسرائيل وإيران وأميركا، وأن التنافس بين تل أبيب وطهران ينصب على طريقة الهيمنة على العالم العربي. الكتاب يتضمن عرض إيران على البيت الأبيض وقف برنامجها النووي والتعاون في العراق في مقابل تسليمها مقاتلي laquo;مجاهدي خلقraquo;، ومنحها نفوذاً في المنطقة.
موقف أوباما تجاه الحوار مع إيران ليس بجديد، فقد أوصت لجنة (بيكر - هاملتون) بذلك وأكثر، وحسب الناطق بإسم البيت الأبيض روبرت جيبز فإن الرئيس الأميركي يريد أن تكون إيران عضوا مؤثرا على الصعيد الدولي، وإن الولايات المتحدة تسعى بكل السبل المتاحة لتكون ايران بلدا مؤثرا في المجتمع الدولي.
ان ما يدحض بقوة معظم ما يكتب الآن في الصحافة العربية من زاوية (تهدئة الخواطر والمخاوف العربية)، ومفاده: أن الاستراتيجية الأمريكية تستنفد مع إيران كل سبل الحوار (أولا) قبل أن توجيه ضربتها العسكرية إليها، محض تفكير بالتمني، ذلك لأن القوي النووية في عالم اليوم ndash; ومنها إيران وإسرائيل - لا تتصارع في الحقيقة، وإنما تتفاهم وتتفاوض وتتشارك - إذا لزم الأمر- خاصة إذا كانت تمتلك أورقا قوية للضغط، ورؤي مستقبلية لتشكيل النظام العالمي الجديد.