عالج جاك دريدا قضية quot;الأصلquot; في أول إصداراته: quot;مقدمة لأصل الهندسةquot;، وهو مقدمة لترجمته كتاب هوسرل: quot;أصل الهندسةquot; عام 1936. يقول: quot;أن نتأمل معنى الأصل أو أن نبحث فيه هو أن نجعل أنفسنا، في الوقت نفسه، مسؤولين عن معنى العلم والفلسفة معاً quot; (1)
كما نشر دريدا في عام 1973 مقدمة لنص آخر هو quot;حفريات العابثquot; الذي هو قراءة لنص كوندياك quot;مقالة في أصل المعرفة الإنسانيةquot;. هذا الكتاب تحديدًا يصف تحول دريدا من quot;علم الكتابةquot; عام 1967 إلى التفكيكية كإستراتيجية سيستخدمها بدءًا من عام 1974، والأهم من ذلك أن تخيره لهذا العنوان quot;حفريات العابثquot; يدحض شبهة الغموض والالتباس التي يلصقها به البعض، إذ أن عناوين كتبه شديدة الوضوح والمباشرة تكشف عن مضامين ما يريد، ناهيك عن أنه يجمل ويلخص ما يريد قوله في بداية فصول كتبه في جملة أو جملتين دالتين.
وبالنسبة لـ quot;حفريات العابثquot; فيمكن القول أن الزعم بأن للفلسفة quot;مبدأ فريدquot;، وquot;أصل مفردquot;، ومفهوم مركزي ونقطة بداية، عبث لا طائل من ورائه، كما أن الاعتقاد بإمكان وجود حقيقة مفردة هو اعتقاد مضلل، فالتسليم بأصل ما هو مستمد من مفهوم خاطئ مفاده أن بإمكان المرء أن ينشئ فلسفة أولى، وأن يستمد أصلاً من تجربة حسية.
بل إن التاريخ الذي يحاول اقتفاء أثر أصل ما quot;عبثquot; كبير، حقًا قد يوفر التاريخ أصلاً، ولكن لابد من فحص هذا الأصل، فالتاريخ لا يمكنه أن يقوم بدور فلسفة أولى مطلقًا.
وفي هذا الكتاب يبين دريدا أن كوندياك، الذي كان يبحث عن صياغة لفلسفة أولى، أي ميتافيزيقا تكون أساسًا، ومنشأ لكل فلسفة قادمة، لم يكن هو الأول أو المنشئ رغم كل شيء، بل بالأحرى، سيتوجب على هذه الفلسفة الأولى (بوصفها فلسفة لاحقة) أن تتابع الفلسفة الأرسطية الأولى [التي تدعي بنفسها العودة إلى المحرك الأول الذي لا يتحرك، العودة إلى العلة الأصلية]
يكتب دريدا : quot;إن ما يشجبه كوندياك في الفلسفة الأولى عند أرسطو هو نزعة أمبريقية لا واعية، نزعة تظن أن العموميات المستمدة هي مقدمات، والنتائج بذور أو أصول: وبوصفها فلسفة ثانية، فإنها تعجز عن أن تؤسس نفسها بما هي كذلك، إلا نزعة أمبريقية غير مسؤولة. ومن خلال تأثير تقاطعي، فإن الميتافيزيقا الجديدة، بتقديمها نفسها فلسفة ثانية، ستعيد منهجيًا تأسيس المبادئ التوليدية، والنتاج الأصلي للعام، مبتدئة في ذلك من التفردات الحقيقية.
إن الميتافيزيقا الجديدة ستكون ميتافيزيقا، قياسًا على ميتافيزيقا سابقةhellip; وستسمى تحليلاً على وجه الدقة، أو منهجًا تحليليًا. وباستعادة المنشأ الحقيقي للمعرفة، وبالعودة إلى المبادئ، يمكن أخيرًا لممارسة تدشينية فعلية في التحليل أن تبدد الفلسفة الأولى، وتهدمها، وتفككها، وهذا يعني في النهاية: استبدال الفلسفة الأولى (الأولى) بينما ترث أسمها quot;(2)
وهكذا يثبت دريدا أنه بينما كان ينشد كوندياك quot;الأصالةquot;، ويرغب في تقديم فلسفة أولى، فإن ما يقدمه هو، في الحقيقة، فلسفة تابعة، وتكميلية، وربما تكون فلسفة مستمدة.
وهكذا توصل دريدا إلى مفهوم جديد أو مختلف لـ quot;الأصلquot;، فالأصل لا يكون أصلاً إلا بالاستناد إلى النسخة الثانية التي يسود الزعم أنها تكرره وتنسخه. والأول لا يكون أولاً إلا بالاستناد إلى الثاني الذي يدعم الأول في أوليته.
ومن هنا فإن الأول هو عند دريدا: أول / ثان، والثاني هو ثان / ثان hellip; أي ليس ثمة أصل محض. أو قل أن الأصل يبتعد عن مقام الأصلية والأصالة بمجرد أن يتشكل كأصل، ويجد نفسه مجبرًا على أن يمهد لمسار تأتي فيه quot;الآثارquot; المتتابعة لتعدله في أصليته.
إن القضاء على فكرة quot;الأصلquot; هو قضاء على المركزية : مركزية العقل أو اللوغوس والكلمة، ودعوة إلى فلسفة بلا مركز، وهذا يتوافق مع نظرته إلى اللغة باعتبارها لعبة بلا قائد، أي لعبة تباين واختلاف.
فإذا أخذنا العنصر اللفظي (الحرف) لتبين لنا أن ظهور الاختلاف وسير عمله يقتضي أصلاً لا يسبقه عنصر آخر. بمعنى أن الاختلاف بين حرف وآخر، ولفظة وأخرى هو الأصل، وليس قبل ذلك شيء. وهو سابق لكل دال ومدلول ولكل مبنى ومعنى. وكل اختلاف يترك أثره كاختلاف لدى الآخر.
والأثر - Trace عند دريدا، هو الأصل المطلق لكل معنى ولكل دلالة. ولما كان الأثر دون أصل فإن المعنى أيضًا يفقد كل مصدر يعود إليه hellip; وبذلك تتلاشى مشكلة الحقيقة والمعرفة والأصل الأول ولا يبقى إلا عالم برئ صالح للتأويل.
وهنا نصل إلى معنى جديد للاخـ(ت)لاف أيضًا، أو المباينة حسب تعبير عبد السلام بنعبد العالي - حيث أن المباينة ليست هي المبدأ والأساس، وليست هي الأصل الميتافيزيقي، لأن تفكيك الحضور - Presence يطال مفهوم الأصل ذاته، ويقحم العود الأبدي، quot;داخلquot; الكائن، فيغير من مفهوم الكائن ومن مفهوم الزمان، ويجعل الفكر تعقبًا لا متناهيًا لآثار......
كما نشر دريدا في عام 1973 مقدمة لنص آخر هو quot;حفريات العابثquot; الذي هو قراءة لنص كوندياك quot;مقالة في أصل المعرفة الإنسانيةquot;. هذا الكتاب تحديدًا يصف تحول دريدا من quot;علم الكتابةquot; عام 1967 إلى التفكيكية كإستراتيجية سيستخدمها بدءًا من عام 1974، والأهم من ذلك أن تخيره لهذا العنوان quot;حفريات العابثquot; يدحض شبهة الغموض والالتباس التي يلصقها به البعض، إذ أن عناوين كتبه شديدة الوضوح والمباشرة تكشف عن مضامين ما يريد، ناهيك عن أنه يجمل ويلخص ما يريد قوله في بداية فصول كتبه في جملة أو جملتين دالتين.
وبالنسبة لـ quot;حفريات العابثquot; فيمكن القول أن الزعم بأن للفلسفة quot;مبدأ فريدquot;، وquot;أصل مفردquot;، ومفهوم مركزي ونقطة بداية، عبث لا طائل من ورائه، كما أن الاعتقاد بإمكان وجود حقيقة مفردة هو اعتقاد مضلل، فالتسليم بأصل ما هو مستمد من مفهوم خاطئ مفاده أن بإمكان المرء أن ينشئ فلسفة أولى، وأن يستمد أصلاً من تجربة حسية.
بل إن التاريخ الذي يحاول اقتفاء أثر أصل ما quot;عبثquot; كبير، حقًا قد يوفر التاريخ أصلاً، ولكن لابد من فحص هذا الأصل، فالتاريخ لا يمكنه أن يقوم بدور فلسفة أولى مطلقًا.
وفي هذا الكتاب يبين دريدا أن كوندياك، الذي كان يبحث عن صياغة لفلسفة أولى، أي ميتافيزيقا تكون أساسًا، ومنشأ لكل فلسفة قادمة، لم يكن هو الأول أو المنشئ رغم كل شيء، بل بالأحرى، سيتوجب على هذه الفلسفة الأولى (بوصفها فلسفة لاحقة) أن تتابع الفلسفة الأرسطية الأولى [التي تدعي بنفسها العودة إلى المحرك الأول الذي لا يتحرك، العودة إلى العلة الأصلية]
يكتب دريدا : quot;إن ما يشجبه كوندياك في الفلسفة الأولى عند أرسطو هو نزعة أمبريقية لا واعية، نزعة تظن أن العموميات المستمدة هي مقدمات، والنتائج بذور أو أصول: وبوصفها فلسفة ثانية، فإنها تعجز عن أن تؤسس نفسها بما هي كذلك، إلا نزعة أمبريقية غير مسؤولة. ومن خلال تأثير تقاطعي، فإن الميتافيزيقا الجديدة، بتقديمها نفسها فلسفة ثانية، ستعيد منهجيًا تأسيس المبادئ التوليدية، والنتاج الأصلي للعام، مبتدئة في ذلك من التفردات الحقيقية.
إن الميتافيزيقا الجديدة ستكون ميتافيزيقا، قياسًا على ميتافيزيقا سابقةhellip; وستسمى تحليلاً على وجه الدقة، أو منهجًا تحليليًا. وباستعادة المنشأ الحقيقي للمعرفة، وبالعودة إلى المبادئ، يمكن أخيرًا لممارسة تدشينية فعلية في التحليل أن تبدد الفلسفة الأولى، وتهدمها، وتفككها، وهذا يعني في النهاية: استبدال الفلسفة الأولى (الأولى) بينما ترث أسمها quot;(2)
وهكذا يثبت دريدا أنه بينما كان ينشد كوندياك quot;الأصالةquot;، ويرغب في تقديم فلسفة أولى، فإن ما يقدمه هو، في الحقيقة، فلسفة تابعة، وتكميلية، وربما تكون فلسفة مستمدة.
وهكذا توصل دريدا إلى مفهوم جديد أو مختلف لـ quot;الأصلquot;، فالأصل لا يكون أصلاً إلا بالاستناد إلى النسخة الثانية التي يسود الزعم أنها تكرره وتنسخه. والأول لا يكون أولاً إلا بالاستناد إلى الثاني الذي يدعم الأول في أوليته.
ومن هنا فإن الأول هو عند دريدا: أول / ثان، والثاني هو ثان / ثان hellip; أي ليس ثمة أصل محض. أو قل أن الأصل يبتعد عن مقام الأصلية والأصالة بمجرد أن يتشكل كأصل، ويجد نفسه مجبرًا على أن يمهد لمسار تأتي فيه quot;الآثارquot; المتتابعة لتعدله في أصليته.
إن القضاء على فكرة quot;الأصلquot; هو قضاء على المركزية : مركزية العقل أو اللوغوس والكلمة، ودعوة إلى فلسفة بلا مركز، وهذا يتوافق مع نظرته إلى اللغة باعتبارها لعبة بلا قائد، أي لعبة تباين واختلاف.
فإذا أخذنا العنصر اللفظي (الحرف) لتبين لنا أن ظهور الاختلاف وسير عمله يقتضي أصلاً لا يسبقه عنصر آخر. بمعنى أن الاختلاف بين حرف وآخر، ولفظة وأخرى هو الأصل، وليس قبل ذلك شيء. وهو سابق لكل دال ومدلول ولكل مبنى ومعنى. وكل اختلاف يترك أثره كاختلاف لدى الآخر.
والأثر - Trace عند دريدا، هو الأصل المطلق لكل معنى ولكل دلالة. ولما كان الأثر دون أصل فإن المعنى أيضًا يفقد كل مصدر يعود إليه hellip; وبذلك تتلاشى مشكلة الحقيقة والمعرفة والأصل الأول ولا يبقى إلا عالم برئ صالح للتأويل.
وهنا نصل إلى معنى جديد للاخـ(ت)لاف أيضًا، أو المباينة حسب تعبير عبد السلام بنعبد العالي - حيث أن المباينة ليست هي المبدأ والأساس، وليست هي الأصل الميتافيزيقي، لأن تفكيك الحضور - Presence يطال مفهوم الأصل ذاته، ويقحم العود الأبدي، quot;داخلquot; الكائن، فيغير من مفهوم الكائن ومن مفهوم الزمان، ويجعل الفكر تعقبًا لا متناهيًا لآثار......
الهوامش
1 - Derrida: introduction to the origin of Geometry, P. 31 - 20.
2 ndash; ج. هيو سلفرمان: نصيات بين الهرمنيوطيقا والتفكيكية، ترجمة: حسن ناظم وعلى حاكم صالح، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء - المغرب، ط 1، 2002، : ص ndash; 319.
1 - Derrida: introduction to the origin of Geometry, P. 31 - 20.
2 ndash; ج. هيو سلفرمان: نصيات بين الهرمنيوطيقا والتفكيكية، ترجمة: حسن ناظم وعلى حاكم صالح، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء - المغرب، ط 1، 2002، : ص ndash; 319.
التعليقات