لم يدر بخلد العلامة جمال حمدان وهو ينتهي من كتابه quot; إستراتيجية الاستعمار و التحرير quot;، أن ما حلم به وتمناه هو مجرد quot; أضغاث أحلام quot;. فقد تصور أن تركيا وإيران مع العالم العربي سوف يشكلون يوما ما quot;مثلث القوةquot; في منطقة الشرق الأوسط.
واكتمال أضلاع هذا المثلث ndash; برأيه - سيشكل لطمه قوية للسياسية الإسرائيلية في المنطقة العربية والإسلامية، التي تسعى حثيثا بإتجاه عدم قيام أي شكل من أشكال التعاون الاستراتيجي بين الدول العربية والإسلامية يؤثر على قوتها سلبا ً.
القراءة الأولي للاعبين الاقليميين في المنطقة منذ أحداث غزة ndash; نهاية 2008 - وتداعياتها حتي كتابة هذه السطور، تكشف عن أن إسرائيل وإيران وتركيا هم أضلاع هذا المثلث quot; الحلم quot;، وهم الأسرع تجاوبا مع المتغيرات الدولية، والأجدر فهما للتحولات الجديدة، بما يتيح لهم أن يصبحوا في قلب الترتيبات الإقليمية وليس خارجها أو علي هامشها، بينما يأتي استيعاب العرب بطيئا متثاقلا غارقا في الماضي بمشكلاته وتعقيداته من جهة، بالتزامن مع سعي بعض الأطراف العربية لتقويض النفوذ المصري والسعودي عربياً لحساب قوي إقليمية أخري، وتمكينها من السيادة على القرار العربي، وكأننا أمام تحالف شبه موضوعي في المنطقة يتشكل الآن على حساب الدول العربية كلها، بما في ذلك دول الممانعة.
التحركات المصرية السعودية الراهنة، واعية وحكيمة، وهي تسعي بالفعل لرأب الصدع العربي، والانقسام الفلسطيني الفلسطيني، والعودة إلي مائدة المفاوضات مجددا، من أجل الخروج من هذا النفق المظلم في أسرع وقت ممكن، وقد أشار الدكتور عبدالمنعم سعيد إلي خطورة الموقف العربي الحالي، وما ينتظر العرب إذا ظلوا علي ما هم عليه، وذلك في مقاله المعنون : quot; الحجر علي العرب quot;، بجريدة الشرق الأوسط (28 يناير 2009)، يقول : quot; أن استراتيجية الحجر والاعتصار والحرمان العلمي والاقتصادي ربما تكون أكثر فعالية بالنسبة لعالم عربي يريد، أو يريد بعضه، أن يظل خارجا على العصر، وباقيا خلف الزمان quot;.
وينقل سعيد حرفيا ما قاله له quot; مارتن انديك quot; عام 2004 : quot; أن فشل كلينتون في تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل قد جعل الاستراتيجية التي تجعل من السلام العربيndash; الإسرائيلي مفتاحا للشرق الأوسط استراتيجية فاشلة أيضا، حيث لا يوجد كثرة من الأمريكيين يتبنونها، وعلى العكس.. لم يبق أمام الولايات المتحدة والغرب كله سوى واحدة من استراتيجيتين: العنف والحرب، والضغط السياسي والدبلوماسي، من أجل تغيير طبيعة العالم العربي المغرقة في التقليدية والتطرف، أو الحجر (الكارنتين) الذي يمنع المغالاة والإرهاب من الولوج إلى الشواطئ الأوروبية والسواحل الأمريكية quot;.
ولأن الرئيس السابق جورج دبليو بوش قد جرب الاستراتيجية الأولي.... وفشل، فلم يبقي أمام الرئيس باراك حسين أوباما سوي الإستراتيجية الثانية !
ومن يحلل الاتفاق الإسرائيلي الأمريكي، بين ليفني ورايس، والذي وقع قبل قدوم أوباما إلي البيت الأبيض بثلاثة أيام فقط، وبمباركته، سوف يدرك بسهولة الحقيقة الصادمة لهذا الاتفاق، فقد جاء في النص الذي نشرته صحيفة quot;ها آرتسquot; الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني : quot; أن الطرفين سيعملان بالتعاون مع الجيران ومع أطراف أخرى في المجتمع الدولي لمنع إمداد منظمات إرهابية بالأسلحة quot;.
وحسب ليفني : quot; فإن بروتوكول الاتفاق مع الولايات المتحدة يتضمن إجراءات يساهم فيها حلف الأطلسي، ويستهدف وقف تدفق السلاح من إيران (ودول أخري، لم تسميها) إلى حماس.
والقراءة المتأنية لهذه الاتفاقية ndash; كما يقول عبدالمنعم سعيد - quot; تشهد بأن جوهره هو فرض نوع من الحجر العسكري على العالم العربي كله، حيث يختص بالمراقبة اللصيقة، بالمخابرات والأساطيل والأجواء والفضاء، لكل البحار المحيطة بالعالم العربي: البحر الأبيض المتوسط، وخليج عدن، والبحر الأحمر، وشرق أفريقيا، من خلال تحسين الترتيبات القائمة وإطلاق مبادرات جديدة لزيادة الفاعلية لهذه الترتيبات فيما يتصل بمنع تهريب الأسلحة إلى غزة.
هذه الترتيبات القائمة، والمشار إليها، حسب سعيد، هي تلك المرتبطة بمبادرة laquo;السعي النشطraquo;، التي عرضها حلف الأطلنطي على دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، ووافقت عليها إسرائيل لمراقبة الحركة البحرية، من أجل مواجهة الإرهاب على إطلاقه، وليس ذلك المرتبط بغزة وحدها. وبشكل من الأشكال، فإن المبادرة الجديدة تربط ما بين غزة، والإرهاب، والقرصنة، وكل ما يبدو وكأنه أنشطة معادية للغرب خارجة من المنطقة العربيةquot;.
عصام عبدالله
[email protected]