فجرت أحداث 11 سبتمبر، وتداعياتها، قضية (الإسلام السياسي) بقوة إلي حد أن البعض يعتبرها (من باب الأضرار النافعة)، لأنها فتحت ملف الإصلاح الإسلامي مجددا، وبات الكثيرون متفقين علي أن الأزمة quot; داخلية quot; بقدر ما لها أبعادها الخارجية. وأشير هنا بوجه خاص إلي أحد الكتب المهمة التي صدرت عام 2004، تحت عنوان quot; شيوخ بلا خناجر quot; للدكتور عبدالعاطي محمد، عن دار مصر المحروسة، وعالج ببراعة هذا الموضوع الشائك، وإن كانت قيمته الحقيقية لا تبرز علي خلفية أحداث 11 سبتمبر فقط، وإنما، وبالأساس قبل 11 سبتمبر، وهو ما يتطلب نوعين من القراءة، أو القراءة من منظورين مختلفين زمنيا.
فقد شهد صيف 2003 تطورا بالغ الأهمية في تاريخ الحركات الإسلامية المصرية المعاصرة، عندما أتخذت الجماعة الإسلامية الجهادية موقفا رافضا للعنف قولا وفعلا، وداعيا إلي التحول السلمي، وطرحت تفسيرا فقهيا وشرعيا لتحولها عن العنف، ولم يكن ما حدث مفصولا عن التطورات التي أحدثتها عواصف الألفية الثالثة ولا الصدمات السياسية والأمنية التي لقيتها جماعات العنف علي مدي نحو 15 عاما، غير أن مؤشرات هذا التحول ظهرت منذ أواسط التسعينيات.
بمعني المراجعة من جانب الجماعة سبقت 11 سبتمبر، ولا أدل علي ذلك من وجهة نظر المؤلف من اصرار الجماعة علي رفض العنف علي المستوي الخارجي، عندما رفضت الانضمام إلي الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والنصاري التي شكلها quot; أسامة بن لادن quot; وquot; أيمن الظواهري quot; عام 1998، أي قبل أحداث 11 سبتمبر بثلاث سنوات.
لكن وقوع أحداث 11 سبتمبر فعل أثره فيما يتعلق بتحول الجماعة عن العنف من نواح ثلاث ndash; حسب المؤلف ndash; منها أنه أكد لها صدق توجهها من ناحية أولي، كما عجل بحسم الموقف وتقديم الأدلة الشرعية في وثائق مكتوبة تشكل اطارا فكريا يعبر عن هذا التحول.. ومن ناحية ثانية، أتاحت القبول الاجتماعي والسياسي لهذه المراجعات.
وينقل المؤلف قصة هذا التحول علي لسان قادة الجماعة كما وردت في كتاب quot; نهر الذكريات quot; وكيف أنها جاءت عن اقتناع، والأهم من ذلك أنها اعتمدت علي الحوار مع الأعضاء، ولم تأت فرضا من القادة أنفسهم.
ومن الأمور ذات الدلالة في كشف أبعاد التحول ان القادة التاريخيين الذين صاغوا كتب المراجعات هم أنفسهم الذين صاغوا المواثيق الفكرية القديمة للجماعة أوائل الثمانينيات، وفي الحالتين أيضا وعلي الرغم من الفارق الزمني بينهما الذي يصل إلي 32 عاما، فإن المصادر التي تم اللجوء إليها لإثبات الجانب الشرعي لتوجهات الجماعة أو لتبرير أفكارها علي الأقل من وجهة نظرها، هي نفس المصادر تقريبا مع فارق وحيد هو غياب تأثير الرؤية الفكرية الجهادية، التي اختفت نتيجة لمحاصرة تنظيم الجهاد والطلاق الذي تم بين الجماعتين علي المستوي الحركي، والمصادر التي اعتمد عليها في الماضي والحاضر، واحدة تقريبا، ولكن الرؤية والتفسير لأحكام الإسلام اختلفت جذريا من نفس الأشخاص مع تقدم الزمن بهم.
وفي عام 2007 أصدر سيد إمام الملقب بالدكتور فضل هذه المراجعات تحت عنوان quot; وثيقة ترشيد الجهاد في مصر والعالم quot; ثم تبعها بمذكرة quot;التعرية quot; عام 2008، وسط ارتياح مشوب بالحذر في الداخل، وتلاسن وتبادل للاتهامات بين قيادات الخارج والداخل، بدأها الدكتور أيمن الظواهري ردا علي هذه التعرية.
وأصبح السؤال المطروح بقوة هو : كيف نمنع ظهور مثل هذا التفكير أو التفسير الذي يؤدي دائما للعنف ؟ وكيف نحافظ علي روح المراجعة تلك وننميها في الداخل ؟ ما هي الشروط والعوامل التي تفرز مثل هذا التفسير للنصوص دون ذاك ؟.. لأن المسألة ليست في النصوص ذاتها، كما ان ليس لها علاقة بأعمار من يفسرونها.
فقد جاء في جريدة quot; البديل quot; المصرية المستقلة، أنها ستنشر بدءا من يوم السبت 31 يناير الحالي 2009 quot; رد quot; الدكتور هاني السباعي، مدير مركز المقريزي، القيادي السابق بتنظيم الجهاد، علي مذكرة quot; التعرية quot; التي أصدرها الدكتور فضل وشن فيها هجوماً عنيفاً ضد أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وأيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم واعتبرها البعض المراجعات الثانية لجماعة الجهاد.
كما جاء في الخبر ان السباعي الذي يقيم في لندن كلاجئ سياسي سيكشف في مذكرته التي تحمل اسم quot; التجلية في الرد علي التعرية quot;، لأول مرة تفاصيل مهمة حول علاقة الدكتور فضل بكل من بن لادن والظواهري وأسباب هجومه الأخير عليهما.
وللحديث بقية....
- آخر تحديث :
التعليقات