quot;إني أعرف مصيري. سوف يرتبط اسمي يوما ما بذكري شئ مرعب، ذكري شئ مهول، سوف يرتبط بتلك الزلزلة التي لم تشهد لها الأرض مثيلا من قبل. بذلك الصدام الهائل لكل أشكال الوعي، بذلك الحكم المبرم ضد كل ما اعتقد به البشر حتي هذه اللحظة، وكل ما هتفوا له وقدسوه. أنا لست إنسانا أنا ديناميتquot; (نيتشه ndash; هذا هو الإنسان)
يخصص هابرماس في كتابه quot; الخطاب الفلسفي للحداثة quot; فصلا مستقلا لنيتشه بعنوان quot; الولوج إلي ما بعد الحداثة: نيتشه بوصفه مفترق الطرق quot;، بالإضافة إلي صفحات عديدة متناثرة علي طول الكتاب وعرضه، فما الذي يربط بين فلسفة نيتشه (1844 ndash; 1900) وما بعد الحداثة؟
إن ما يسمح لنا بطرح هذا السؤال وبعقد هذه الصلة بين نيتشه من جانب، وما بعد الحداثة من جانب آخر، هو أمر يتجاوز أغلب ما قيل حتي الآن، وخلاصته أن نيتشه مجرد رمز للثورة في عصور التحول الكبري، ومن ثم quot; فإن المرء لن يجد خيرا منه في ثوريته، ولن يجد كذلك مطرقة أفضل من مطرقته التي هدم بها أصنام عصره quot; كما يقول فؤاد زكريا في كتابه عن quot; نيتشه quot;..
إن ما يسمح لنا بطرح هذا السؤال وبعقد هذه الصلة بين نيتشه من جانب، وما بعد الحداثة من جانب آخر، هو أمر يتجاوز أغلب ما قيل حتي الآن، وخلاصته أن نيتشه مجرد رمز للثورة في عصور التحول الكبري، ومن ثم quot; فإن المرء لن يجد خيرا منه في ثوريته، ولن يجد كذلك مطرقة أفضل من مطرقته التي هدم بها أصنام عصره quot; كما يقول فؤاد زكريا في كتابه عن quot; نيتشه quot;..
لكن هذا الأمر الجديد هو - من وجهة نظرنا - شئ آخر أكثر عمقاً وأبعد اثراً، مما قصده هابرماس، صحيح أن نيتشه هو أحد ثلاثة مفكرين كبار دشنوا النقد الجذرى للحداثة فى الغرب، وهم: ماركس ونيتشه وفرويد، وإن كان نيتشه هو الأكثر جذرية، حيث طال - تقريباً - كل الأسس التى قام عليها كل التراث الفلسفي للإنسانية، كما أن هذا النقد كان له أبلغ الأثر فى معظم الفلسفات فى عصرنا الراهن.
بيد أن الصلة بين نيتشه وما بعد الحداثة تتجاوز ذلك كله، إلى ما هو أعمق وأبعد، وهى تكمن تحديدا فى المقطع quot;ما بعد.... Post quot;. quot; فما بعدquot; ليس فى واقع الأمر سوي الموقف الذي بحث عنه و quot; أعتنقهquot; نيتشه تجاه كل التراث الفلسفي الغربي. فقد رفض ان يتخطي هذا التراث أو يتجاوزه، لأن التجاوز كان خليقاً بأن يبقيه سجيناً لمنطق التطور الخاص بهذا الفكر، أو قل منطق الحداثة والميتافيزيقا ذاتها، وإنما إنكب نيتشه على هذا التراث يراجعه - على طول تاريخه - مراجعة جذرية.
فإذا كانت الحداثة -Modernity قد قامت على فكرة وجود تاريخ للفكر ينتشر عبر انبثاق تدريجي، وذلك على أساس امتلاك، وإعادة امتلاك quot;الأسسquot;، المفهومة عادة على أنها quot; أصول quot; مكتملة دائماً، إلى حد أن الثورات النظرية والعملية فى تاريخ الغرب تنصب نفسها، وتدافع عن مشروعيتها غالباً باستخدام مصطلحات مثل: quot; العودة quot; و quot; البعث quot; و quot; الميلاد الجديد quot; Renaissance.
وإذا كان مفهوم quot; التجاوزquot; - Aufhebung، في اللغة الألمانية، الذي يحتل مكانة بالغة فى الحداثة الغربية ومجمل اتجاهات الفلسفة الحديثة، يصور مجرى الفكر على أنه تطور تدريجي، حيث الجديد يتمثل القيمة بتوسط الاستعادة أو الاستحواذ على quot;الأصلquot; و quot;الأساسquot;، فإن هذا بالتحديد هو ما ينتقده نيتشه جذرياً.
فهو من ناحية، يجد نفسه مضطراً لاتخاذ موقف نقدى تجاه الفكر الغربي، كفكر يبحث دائماً عن quot; تأسيس ما quot;، ومن ناحية أخرى - وهى الأهم - لا يستطيع أن ينقد هذا الفكر بإسم فكر آخر يطرح نفسه على أنه أقرب إلى الحقيقة، أو على أنه quot; تأسيس جديدquot;، كما أبان quot; جياني فاتيمو quot; في كتابه: نهاية الحداثة، الفلسفات العدمية والتفسيرية فى ثقافة ما بعد الحداثة.
وبهذه الصفة يمكن اعتبار quot; نيتشهquot; (الأب الروحي) لما بعد الحداثة، فالمقطع quot; ما بعد quot; - Post فى عبارة quot;ما بعد الحداثةquot; Postmodern، يشير الى انسحاب يحاول أن يبتعد عن منطق التطور فى الحداثة، وأن يبتعد بشكل خاص عن فكرة quot; التجاوز quot; النقدي الذي ينحو نحو تأسيس جديد.
بيد أن الصلة بين نيتشه وما بعد الحداثة تتجاوز ذلك كله، إلى ما هو أعمق وأبعد، وهى تكمن تحديدا فى المقطع quot;ما بعد.... Post quot;. quot; فما بعدquot; ليس فى واقع الأمر سوي الموقف الذي بحث عنه و quot; أعتنقهquot; نيتشه تجاه كل التراث الفلسفي الغربي. فقد رفض ان يتخطي هذا التراث أو يتجاوزه، لأن التجاوز كان خليقاً بأن يبقيه سجيناً لمنطق التطور الخاص بهذا الفكر، أو قل منطق الحداثة والميتافيزيقا ذاتها، وإنما إنكب نيتشه على هذا التراث يراجعه - على طول تاريخه - مراجعة جذرية.
فإذا كانت الحداثة -Modernity قد قامت على فكرة وجود تاريخ للفكر ينتشر عبر انبثاق تدريجي، وذلك على أساس امتلاك، وإعادة امتلاك quot;الأسسquot;، المفهومة عادة على أنها quot; أصول quot; مكتملة دائماً، إلى حد أن الثورات النظرية والعملية فى تاريخ الغرب تنصب نفسها، وتدافع عن مشروعيتها غالباً باستخدام مصطلحات مثل: quot; العودة quot; و quot; البعث quot; و quot; الميلاد الجديد quot; Renaissance.
وإذا كان مفهوم quot; التجاوزquot; - Aufhebung، في اللغة الألمانية، الذي يحتل مكانة بالغة فى الحداثة الغربية ومجمل اتجاهات الفلسفة الحديثة، يصور مجرى الفكر على أنه تطور تدريجي، حيث الجديد يتمثل القيمة بتوسط الاستعادة أو الاستحواذ على quot;الأصلquot; و quot;الأساسquot;، فإن هذا بالتحديد هو ما ينتقده نيتشه جذرياً.
فهو من ناحية، يجد نفسه مضطراً لاتخاذ موقف نقدى تجاه الفكر الغربي، كفكر يبحث دائماً عن quot; تأسيس ما quot;، ومن ناحية أخرى - وهى الأهم - لا يستطيع أن ينقد هذا الفكر بإسم فكر آخر يطرح نفسه على أنه أقرب إلى الحقيقة، أو على أنه quot; تأسيس جديدquot;، كما أبان quot; جياني فاتيمو quot; في كتابه: نهاية الحداثة، الفلسفات العدمية والتفسيرية فى ثقافة ما بعد الحداثة.
وبهذه الصفة يمكن اعتبار quot; نيتشهquot; (الأب الروحي) لما بعد الحداثة، فالمقطع quot; ما بعد quot; - Post فى عبارة quot;ما بعد الحداثةquot; Postmodern، يشير الى انسحاب يحاول أن يبتعد عن منطق التطور فى الحداثة، وأن يبتعد بشكل خاص عن فكرة quot; التجاوز quot; النقدي الذي ينحو نحو تأسيس جديد.
التعليقات