كان فؤاد زكريا في الثلاثين من عمره حين أصدر كتابه quot; الإنسان والحضارة quot; ndash; لاحظ دلالة العنوان ndash; الذي صفي فيه حساباته مبكرا مع الصيغتين الفكريتين المطروحتين في النصف الأول من القرن العشرين، وسعي إلي تأصيل صيغة quot; التحرر والاستقلال quot; علي مستوي الفكر والثقافة، التي ظلت علي مختلف المستويات الأخري مجرد quot; شعار quot;.. وكأنه علي موعد مع quot; نيتشه quot; الذي لم تبق من أقواله في أذن فؤاد زكريا سوي عبارة quot; كن نفسك quot;.
وتلك كانت مفارقة، تسترعي الانتباه والتأمل، بين quot; الفكر والواقع quot; في هذا المنعطف التاريخي، إذ إن ما آمن به فؤاد زكريا وسعي إلي تأصيله بالفعل كان يتناقض عمليا مع مجريات الأمور في الواقع المصري الذي quot; أبي quot; بدوره أن يتنازل عن الصيغة التوفيقية، بل وعاد بها إلي مكونتها الأولي وهي صيغة (إما... أو)!.
ففي عام 1957 كان عبدالناصر قد تقلد مقاليد السلطة بالفعل، وكان قراره بتأميم quot; قناة السويس quot;، وهو ما ألب عليه القوي الدولية بالعدوان الثلاثي علي مصر عام 1956، الذي خرج منه منتصرا علي المستوي السياسي والشعبي كأهم زعيم عربي في المنطقة، وتلك كانت الخلفية التي ظهر فيها كتاب quot; الإنسان والحضارة quot; الذي ضمنه زكريا مجمل أفكاره ورؤاه ومواقفه من مختلف الثنائيات القائمة (كانت الثورة نفسها عنوانا لهذه الثنائيات وتجسيدا لها، وكانت تضم أجنحة متباينة من أقصي اليسار إلي أقصي اليمين، وظلت تلعب بهما معا سواء بالتوازي أو التقاطع، بالصراع أو التوافق).
وبذكاء شديد اختار زكريا موضوعا فلسفيا كان مطروحا علي بساط البحث، هو التفرقة بين quot; الحضارة quot; وquot; المدنية quot;. في حين أن المفكرين السابقين عليه والمعاصرين له، لم تكن تشغلهم قضية quot; التعريف quot; بقدر ما شغلتهم اشكالية المضمون والمحتوي.
يقول: quot; الحضارة والمدنية مترادفان، لا سبيل إلي وضع حد فاصل بين المجالين ndash; هذا الرأي هو ما نرجحه في النهاية quot; (ص- 12). quot; إن فكرة (الثنائية) كامنة وراء مثل هذه التفرقات بين الحضارة والمدينة، بين وجهين للنشاط الإنساني: وجه روحي خالص، ووجه يتصل بالمادة، والاعتماد علي هذه (الثنائية) في توضيح معني الحضارة يؤدي إلي عكس المقصود منه. quot; (ص-17).
لذا quot; فالأجدر بنا أن نستخدم لفظي الحضارة والمدنية بمعنيين متقاربين، وأن نؤكد وجود اتصال مباشر بين الأوجه العملية لنشاط الإنسان وبين الأوجه الثقافية والروحية الخالصة له، فنشاط الإنسان لا يسير في طريقين منفصلين. ومادمنا نتحدث في مجال الحضارة، فعلينا أن ننظر إلي أفعال الإنسان علي أنها تكون في مجموعها وحدة متصلة لا أهداف مشتركة وتأثيرات متبادلة quot; (ص- 19).
عند هذه النقطة أو قل النتيجة، يبدأ زكريا في توجيه ضرباته المتتالية لمختلف الثنائيات، وعينه علي المجتمع المصري، فتجده يناقش العلاقة بين (الفرد والمجتمع) ومشكلة المساواة، فيقول: quot; علينا أن نؤكد أن الناس يتفاوتون بالفعل في مواهبهم وقدراتهم، وأن هذا التفاوت يظل قائما حتي بعد أن تتاح لهم فرص متكافئة تماما في نقطة البداية، فمن الواجب إذن أن يعاملوا علي نحو يتناسب مع هذه القدرات.
غير أن هناك مطالب أساسية لهم لا ينبغي المساس بها مهما كانت الظروف، بل يجب أن تسود ndash; بالنسبة إلي هذه المطالب الأساسية ndash; مساواة مطلقة بين الجميع، مادامت هذه الحاجات ضرورية لهم لمجرد كونهم آدميين، ولاشتراكهم مع الباقين جميعا في صفة الإنسانية quot; (ص-144).
ويقول عن quot; المادية والروحية quot;: quot; إذا شئنا أن نعبر تعبيرا دقيقا عن العلاقة الحقيقية بين ما هو مادي وما هو روحي في الإنسان لقلنا إن المجالين متداخلان تماما، لا يمكن تصورهما منفصلين، بل إن أي محاولة لإيجاد فصل قاطع بينهما تؤدي إلي تشويه طبيعتهما. والخطوة الأولي نحو الروحية في الإنسان هي الاهتمام بالمشاكل المادية quot; (ص:151-152).
وفي العلاقة بين (الشرق والغرب) يؤكد علي quot; إن حضارتنا في الشرق سوف تظل متخلفة عن ركب الحضارة العالمية طالما ظللنا متمسكين بوهم quot; الروحانية quot; هذا، وليس معني قولي هذا الحط من قدر القيم الروحية، أو الاستخفاف بها، بل إن السبيل الأول إلي العلو بالمعاني الروحية في الإنسان، هو اهتمامه بمشاكله المادية وسعيه إلي حلها quot;. (ص: 152-153).
ويختتم كتابه بالقول: quot; الخدعة القديمة التي وقعت فيها الإنسانية زمنا طويلا هي أن الناس يعتقدون أن بين الوجه المادي والوجه المعنوي لنشاط الإنسان تضادا أساسيا، وأن الاهتمام بأحدهما يستبعد الاهتمام بالآخر quot;. (ص-155).
تستطيع بشئ من الجهد والصبر أن تعيد قراءة فؤاد زكريا وتراجع طروحاته، وتقيم مواقفه ومعاركه في النصف الثاني من القرن العشرين، في ضوء ما تقدم، بل تستطيع أن تتبين موقعه بوضوح داخل المشروع العلماني نفسه، ف quot; فؤاد زكريا quot; لم يقل (علينا أن نصبح أوروبيين في كل شئ)، ولم يبحث عن (الحلول في التاريخ الأوروبي) حتي لو بقصد الاستفادة من تجارب الأمم الأخري، ولم يدع إلي (التعادلية)، ولم يتعرج أو يسير من النقيض إلي النقيض، بل تجده دائما يطور أفكاره الخاصة، وينتقل بها من طور إلي طور في هارمونية تتصاعد فيها الأنغام وتهبط تبعا للواقع الذي يعيش فيه.
وتجد أيضا أن الانتقادات التي وجهها إلي بعض رموز العلمانية في الثقافة العربية كانت أعنف مما وجهه إلي التيارات الإسلامية، والسبب واحد وهو أنه يرفض رفضا قاطعا quot; التبعية والتقليد quot;، فإذا بدأنا بالقول بأنه سوف ينصلح حالنا في اللحظة التي نتابع فيها آراء السلف الصالح، أو نقلد فيها الغرب، فإن القضية لا تعدو أن تكون مجرد تناقض في الألفاظ، كما أن اجراء أي مقارنات بين فترات زمنية تفصلها مساحات عريضة من الوقت، وتجارب سياسية واجتماعية مختلفة، مغالطة علمية وتاريخية، فضلا عن المخاطر والمزالق التي تكتنفها، والتي تؤدي إليها أيضا.
ففي عام 1980، وفي ذروة الهيام بالصديق الأمريكي في عهد الرئيس السادات، كتب فؤاد زكريا: quot; لقد أصبحت الوصفة غاية في البساطة، أمريكا بنت نفسها في قرنين من الزمان، وأصبحت أعظم بلاد العالم. إذن فاتباعنا للنموذج الأمريكي سوف يجعلنا بدورنا عظماء متقدمين، وسينقلنا من الفقر إلي الغني، ومن الضعف إلي القوة، هذه العقيدة الجديدة لا توجد فقط في عقول بعض الزعماء، بل تتسرب بشتي الوسائل إلي عقول الناس العاديين quot;. (العرب والنموذج الأمريكي، دار الفكر المعاصر، 1980، ص: 5-6).
ويقول في موضع آخر quot; هذا هو المنطق نفسه الذي كان سائدا في أوساط المثقفين منذ بداية العصر الحديث، منذ الطهطاوي في كتابه quot; تخليص الأبريز quot; إن إن أوروبا حققت حضارتها بفضل اتباع أساليب معينة، ولابد أن تلك هي الوصفة الأكيدة للنجاح والتقدم لكل مجتمع يريد ذلك quot;.
ولعل هذا يفسر لنا انتقادات زكريا الحادة لأصحاب التوكيلات الفكرية الغربية ndash; علي امتداد القرن العشرين ndash; فهذا quot; وجودي quot; وذالك quot; وضعي quot; وثالث quot; مثالي quot;.... وهكذا. وفي مقال quot; ثقافتنا المعاصرة بين التعريب والتغريب quot; شن هجوما علي quot; المثقفين الذين يزداد اعتمادهم يوما بعد يوم علي تلخيص الكتب الغربية وتقديمها إلينا علي أساس أنها جهدهم الخاص، بذلك فهم لا يساهمون في (تحريرنا) بقدر ما يزيدون من اعتمادنا علي ثقافة الغير quot; (مجلة العربي،العدد 302، 1984).
هكذا نعود من جديد إلي صيغة quot; التحرر والاستقلال quot; التي ما أنفك يناضل من أجلها، تلك التي تعني في جوهرها quot; الإبداع quot;، فالحرية والاستقلال الشرط الشارط للإبداع.
إن قراءة فؤاد زكريا النقدية لأغلب توجهات الفكر العربي، والقضايا والإشكاليات الفكرية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من بنية العقل العربي، جعلته يلح علي إحلال إشكالية quot; الاتباع والإبداع quot; مكان أكبر إشكالية قتلت بحثا علي مدار القرن الماضي وهي (الأصالة والمعاصرة). ويري: quot; إن التحدي الحقيقي الذي نواجهه ليس اختيارا بين الرجوع إلي الأصالة أو مسايرة العصر، وإنما هو إثبات (استقلالنا) إزاء الآخرين، سواء كان هؤلاء الآخرون معاصرين أم قدماء، وابتداع حلول من صنعنا نحن، تعمل حسابا لتاريخنا وواقعنا، وتكفل لنا مكانا في عالم لا يعترف إلا بالمبدعين quot;. (خطاب إلي العقل العربي ndash; ص: 23.).
وتلك كانت مفارقة، تسترعي الانتباه والتأمل، بين quot; الفكر والواقع quot; في هذا المنعطف التاريخي، إذ إن ما آمن به فؤاد زكريا وسعي إلي تأصيله بالفعل كان يتناقض عمليا مع مجريات الأمور في الواقع المصري الذي quot; أبي quot; بدوره أن يتنازل عن الصيغة التوفيقية، بل وعاد بها إلي مكونتها الأولي وهي صيغة (إما... أو)!.
ففي عام 1957 كان عبدالناصر قد تقلد مقاليد السلطة بالفعل، وكان قراره بتأميم quot; قناة السويس quot;، وهو ما ألب عليه القوي الدولية بالعدوان الثلاثي علي مصر عام 1956، الذي خرج منه منتصرا علي المستوي السياسي والشعبي كأهم زعيم عربي في المنطقة، وتلك كانت الخلفية التي ظهر فيها كتاب quot; الإنسان والحضارة quot; الذي ضمنه زكريا مجمل أفكاره ورؤاه ومواقفه من مختلف الثنائيات القائمة (كانت الثورة نفسها عنوانا لهذه الثنائيات وتجسيدا لها، وكانت تضم أجنحة متباينة من أقصي اليسار إلي أقصي اليمين، وظلت تلعب بهما معا سواء بالتوازي أو التقاطع، بالصراع أو التوافق).
وبذكاء شديد اختار زكريا موضوعا فلسفيا كان مطروحا علي بساط البحث، هو التفرقة بين quot; الحضارة quot; وquot; المدنية quot;. في حين أن المفكرين السابقين عليه والمعاصرين له، لم تكن تشغلهم قضية quot; التعريف quot; بقدر ما شغلتهم اشكالية المضمون والمحتوي.
يقول: quot; الحضارة والمدنية مترادفان، لا سبيل إلي وضع حد فاصل بين المجالين ndash; هذا الرأي هو ما نرجحه في النهاية quot; (ص- 12). quot; إن فكرة (الثنائية) كامنة وراء مثل هذه التفرقات بين الحضارة والمدينة، بين وجهين للنشاط الإنساني: وجه روحي خالص، ووجه يتصل بالمادة، والاعتماد علي هذه (الثنائية) في توضيح معني الحضارة يؤدي إلي عكس المقصود منه. quot; (ص-17).
لذا quot; فالأجدر بنا أن نستخدم لفظي الحضارة والمدنية بمعنيين متقاربين، وأن نؤكد وجود اتصال مباشر بين الأوجه العملية لنشاط الإنسان وبين الأوجه الثقافية والروحية الخالصة له، فنشاط الإنسان لا يسير في طريقين منفصلين. ومادمنا نتحدث في مجال الحضارة، فعلينا أن ننظر إلي أفعال الإنسان علي أنها تكون في مجموعها وحدة متصلة لا أهداف مشتركة وتأثيرات متبادلة quot; (ص- 19).
عند هذه النقطة أو قل النتيجة، يبدأ زكريا في توجيه ضرباته المتتالية لمختلف الثنائيات، وعينه علي المجتمع المصري، فتجده يناقش العلاقة بين (الفرد والمجتمع) ومشكلة المساواة، فيقول: quot; علينا أن نؤكد أن الناس يتفاوتون بالفعل في مواهبهم وقدراتهم، وأن هذا التفاوت يظل قائما حتي بعد أن تتاح لهم فرص متكافئة تماما في نقطة البداية، فمن الواجب إذن أن يعاملوا علي نحو يتناسب مع هذه القدرات.
غير أن هناك مطالب أساسية لهم لا ينبغي المساس بها مهما كانت الظروف، بل يجب أن تسود ndash; بالنسبة إلي هذه المطالب الأساسية ndash; مساواة مطلقة بين الجميع، مادامت هذه الحاجات ضرورية لهم لمجرد كونهم آدميين، ولاشتراكهم مع الباقين جميعا في صفة الإنسانية quot; (ص-144).
ويقول عن quot; المادية والروحية quot;: quot; إذا شئنا أن نعبر تعبيرا دقيقا عن العلاقة الحقيقية بين ما هو مادي وما هو روحي في الإنسان لقلنا إن المجالين متداخلان تماما، لا يمكن تصورهما منفصلين، بل إن أي محاولة لإيجاد فصل قاطع بينهما تؤدي إلي تشويه طبيعتهما. والخطوة الأولي نحو الروحية في الإنسان هي الاهتمام بالمشاكل المادية quot; (ص:151-152).
وفي العلاقة بين (الشرق والغرب) يؤكد علي quot; إن حضارتنا في الشرق سوف تظل متخلفة عن ركب الحضارة العالمية طالما ظللنا متمسكين بوهم quot; الروحانية quot; هذا، وليس معني قولي هذا الحط من قدر القيم الروحية، أو الاستخفاف بها، بل إن السبيل الأول إلي العلو بالمعاني الروحية في الإنسان، هو اهتمامه بمشاكله المادية وسعيه إلي حلها quot;. (ص: 152-153).
ويختتم كتابه بالقول: quot; الخدعة القديمة التي وقعت فيها الإنسانية زمنا طويلا هي أن الناس يعتقدون أن بين الوجه المادي والوجه المعنوي لنشاط الإنسان تضادا أساسيا، وأن الاهتمام بأحدهما يستبعد الاهتمام بالآخر quot;. (ص-155).
تستطيع بشئ من الجهد والصبر أن تعيد قراءة فؤاد زكريا وتراجع طروحاته، وتقيم مواقفه ومعاركه في النصف الثاني من القرن العشرين، في ضوء ما تقدم، بل تستطيع أن تتبين موقعه بوضوح داخل المشروع العلماني نفسه، ف quot; فؤاد زكريا quot; لم يقل (علينا أن نصبح أوروبيين في كل شئ)، ولم يبحث عن (الحلول في التاريخ الأوروبي) حتي لو بقصد الاستفادة من تجارب الأمم الأخري، ولم يدع إلي (التعادلية)، ولم يتعرج أو يسير من النقيض إلي النقيض، بل تجده دائما يطور أفكاره الخاصة، وينتقل بها من طور إلي طور في هارمونية تتصاعد فيها الأنغام وتهبط تبعا للواقع الذي يعيش فيه.
وتجد أيضا أن الانتقادات التي وجهها إلي بعض رموز العلمانية في الثقافة العربية كانت أعنف مما وجهه إلي التيارات الإسلامية، والسبب واحد وهو أنه يرفض رفضا قاطعا quot; التبعية والتقليد quot;، فإذا بدأنا بالقول بأنه سوف ينصلح حالنا في اللحظة التي نتابع فيها آراء السلف الصالح، أو نقلد فيها الغرب، فإن القضية لا تعدو أن تكون مجرد تناقض في الألفاظ، كما أن اجراء أي مقارنات بين فترات زمنية تفصلها مساحات عريضة من الوقت، وتجارب سياسية واجتماعية مختلفة، مغالطة علمية وتاريخية، فضلا عن المخاطر والمزالق التي تكتنفها، والتي تؤدي إليها أيضا.
ففي عام 1980، وفي ذروة الهيام بالصديق الأمريكي في عهد الرئيس السادات، كتب فؤاد زكريا: quot; لقد أصبحت الوصفة غاية في البساطة، أمريكا بنت نفسها في قرنين من الزمان، وأصبحت أعظم بلاد العالم. إذن فاتباعنا للنموذج الأمريكي سوف يجعلنا بدورنا عظماء متقدمين، وسينقلنا من الفقر إلي الغني، ومن الضعف إلي القوة، هذه العقيدة الجديدة لا توجد فقط في عقول بعض الزعماء، بل تتسرب بشتي الوسائل إلي عقول الناس العاديين quot;. (العرب والنموذج الأمريكي، دار الفكر المعاصر، 1980، ص: 5-6).
ويقول في موضع آخر quot; هذا هو المنطق نفسه الذي كان سائدا في أوساط المثقفين منذ بداية العصر الحديث، منذ الطهطاوي في كتابه quot; تخليص الأبريز quot; إن إن أوروبا حققت حضارتها بفضل اتباع أساليب معينة، ولابد أن تلك هي الوصفة الأكيدة للنجاح والتقدم لكل مجتمع يريد ذلك quot;.
ولعل هذا يفسر لنا انتقادات زكريا الحادة لأصحاب التوكيلات الفكرية الغربية ndash; علي امتداد القرن العشرين ndash; فهذا quot; وجودي quot; وذالك quot; وضعي quot; وثالث quot; مثالي quot;.... وهكذا. وفي مقال quot; ثقافتنا المعاصرة بين التعريب والتغريب quot; شن هجوما علي quot; المثقفين الذين يزداد اعتمادهم يوما بعد يوم علي تلخيص الكتب الغربية وتقديمها إلينا علي أساس أنها جهدهم الخاص، بذلك فهم لا يساهمون في (تحريرنا) بقدر ما يزيدون من اعتمادنا علي ثقافة الغير quot; (مجلة العربي،العدد 302، 1984).
هكذا نعود من جديد إلي صيغة quot; التحرر والاستقلال quot; التي ما أنفك يناضل من أجلها، تلك التي تعني في جوهرها quot; الإبداع quot;، فالحرية والاستقلال الشرط الشارط للإبداع.
إن قراءة فؤاد زكريا النقدية لأغلب توجهات الفكر العربي، والقضايا والإشكاليات الفكرية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من بنية العقل العربي، جعلته يلح علي إحلال إشكالية quot; الاتباع والإبداع quot; مكان أكبر إشكالية قتلت بحثا علي مدار القرن الماضي وهي (الأصالة والمعاصرة). ويري: quot; إن التحدي الحقيقي الذي نواجهه ليس اختيارا بين الرجوع إلي الأصالة أو مسايرة العصر، وإنما هو إثبات (استقلالنا) إزاء الآخرين، سواء كان هؤلاء الآخرون معاصرين أم قدماء، وابتداع حلول من صنعنا نحن، تعمل حسابا لتاريخنا وواقعنا، وتكفل لنا مكانا في عالم لا يعترف إلا بالمبدعين quot;. (خطاب إلي العقل العربي ndash; ص: 23.).
أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
[email protected]
[email protected]
التعليقات