كنت، ومازلت، من المؤمنين بأن quot; أقباط المهجر quot; رئة ثالثة لم يستفد منها بعد، لصالح مصرالحاضر والمستقبل، بمسلميها ومسيحييها . وأنه من دلائل فشلنا الذريع في التواصل مع هذه الكوكبة المتميزة، اللجوء إلي أرخص التهم الجاهزة، وأسهلها، وهي اتهامها بالعمالة والخيانة، والعمل وفقا لأجندة خارجية .
ولكني بدأت ألحظ في الآونة الأخيرة، أن العدوي أنتقلت من الداخل إلي الخارج، وأن الفشل في التواصل لم يعد قاصرا علي الداخل فقط أو علي فصيل دون آخر، وإنما أصبح سمة عامة، وبات يلف الجميع .
أقول هذا بمناسبة المؤتمر القبطي العالمي، المزمع انعقاده تحت عنوان: القضية القبطية .. معالجة جديدة، الواقع والآليات . في مدينة شيكاغو بولاية ألينوي 19 و20 أكتوبر الجاري . حيث يناقش المؤتمرون ndash; كما جاء علي موقع الأقباط متحدون - السبل المختلفة لتفعيل الحركة القبطية، وتتركز أجندة المؤتمر علي:
إستخدام الوحدة الوطنية كأداة وهدف.
نقل الحركة القبطية الى الجماهير بعد قصورها على النخبة التأكيد على الإنجازات و الإسهامات العديدة و التأثيرات الفعالة للأقباط عبر التاريخ المجيد.
مناقشة الوضع الحالى للأقباط فى مصر والبحث عن السبل المتاحة للتعامل مع القوى المؤثرة عليه.
وكل ذلك لا غبار عليه، ولكنه لا يؤدي ndash; من وجهة نظري - إلي التواصل المثمر والحوار البناء، لأنه يبتعد عن القضية الأساسية وهي أن quot; الأقباط مواطنون quot; في الدولة المصرية . وأن حقوقهم المشروعة، من الناحية العملية، لا تتحقق إلا في وجود quot; دولة quot; قوية . وأن أية محاولة لإضعاف هذه الدولة أو تفكيكها، هو في الواقع quot; ضربquot; لحقوق موطنيها جميعا، فضلا عن اهدار الفرص الحقيقية للتغيير إلي الأفضل.
وحتي التوظيف الأمثل لمنظومة الحريات الأساسية، التي تشكل quot; الدين الجديد لحقوق الإنسان quot; اليوم، فهو يحتاج إليquot; الدولة quot; أولا، بالمعني الدقيق لكلمة quot; الدولة quot;.
فقد كان الهم الأول للجمعية الوطنية الفرنسية في القرن الثامن عشر هو أن تصوغ laquo;إعلانًا بحقوق الإنسان والمواطنraquo;، بمعنى أن الإنسان يأتي أولاً على حين يتأخر المواطن، فإن المرء ما يكاد أن يشرع في صياغة حقوق الإنسان حتى يتجلى له أن الأمر يحتاج إلى laquo;الدولةraquo; لتصير إطارًا لمجتمعه. فكأنه ليس من الممكن بداهة أن تتخذ الإنسانية مطية أو وسيلة تحمل عليها الحرية المرغوبة، إذ أن مقرها هو laquo;الوطنraquo; وموضوعها هو المواطنبن.
وهنا لابد من العودة من جديد إلي التاريخ، والإصغاء بوعي و quot; تواضع عقلي quot;، لزعيمي التفكير الاجتماعي في عصر الثورة الفرنسية: laquo; روسوraquo; وlaquo; مونتسكيوraquo;. للتعرف علي: ما الدولة، وما المواطنة؟ .
الأول وضع laquo;البرنامجraquo; لإنشاء أية سياسية قومية حقيقية في رسالته laquo; تأملات حول الحكومة البولنديةraquo; عام 1772، وفيها أعتبر أن هدف القانون خلق روح شعبية ذات وعي قومي، وهدف التربية والتعليم المحافظة على الأخلاق والتقاليد القومية حية في قلوب الشعوب.
وفي كتابه الأشهر laquo;العقد الاجتماعيraquo;، وضع أساس نشوء المجتمع المدني في الدولة العلمانية الحديثة، وهو الأساس المنطقي لنشوء laquo;الدولةraquo; أو laquo;هيئة السيادةraquo; بتعبير روسو الذي ذهب إلى أن الاجتماع عامة والاجتماع المدني خاصة من إنتاج البشر، والوعي والإرادة، أي من إنتاج التاريخ، بخلاف أرسطو الذي وصف الإنسان بأنه laquo;حيوان اجتماعيraquo;أو اجتماعي بطبعه مما يوحي بأن المجتمع من إنتاج الطبيعة.
وبموجب laquo;العقد الاجتماعيraquo; عند روسو، وبناء على شروطه، يدخل كل شريك (أي كل مواطن) في علاقة مزدوجة: علاقة مع الأفراد الآخرين تتعين بموجبها الحقوق المدنية، وعلاقة مع هيئة السيادة نفسها (الدولة)، تتحدد بموجبها الحقوق السياسية، وتفرض هذه العلاقة المزدوجة التزامات متبادلة.
أما laquo;مونتسكيوraquo; فقد عالج موضوع laquo;المواطنةraquo; ومفهوم laquo;الوطنيةraquo; بالتفصيل وذلك في كتابه laquo;روح القوانينraquo; أو الشرائع - وسمى حب الوطن والمساواة بالفضيلة السياسية.
إن مفهوم الوطن يقترن عنده بمفهوم المساواة، المساواة في الحقوق، والمساواة أمام القانون، أو قل laquo;المساواة السياسيةraquo;، ولذلك كان حب الوطن أو حب المساواة فضيلة سياسية. أي أن المساواة السياسية بهذا المعنى مقدمة لازمة وشرط ضروري للمساواة الاجتماعية.
لقد جعل laquo;الوطنيةraquo; صفة للدولة وتحديد ذاتي لمواطنيها، وهي على الصعيد القانوني ترادف laquo;الجنسيةraquo; وحسب laquo;حنا أرندتraquo; فإن الجنسية هي laquo;الحق في أن يكون لك حقوقraquo; إذ أن جميع من يحملون جنسية دولة معينة هم مواطنوها، بغض النظر عن انتماءاتهم الأثنية أو اللغوية أو الثقافية أو الدينية أو المذهبية، وبصرف النظر عن اتجاهاتهم وميولهم الفكرية والأيديولوجية والسياسية.
ويمكن القول أن الوطنية هي التحديد الأخير لمواطن دولة ما، وهو تحديد لا ينفي أو يلغي عن هذا المواطن انتماءه الأثني أو اللغوي أو الديني أو المذهبي، ولكنه ينفي أن يكون هذا الانتماء laquo;ما قبل الوطنيraquo; هو ما يحدد علاقته بالدولة، ويعين من ثم حقوقه التي هي واجبات الدولة، وواجباته بما هي حقوق الدولة وحقوق المجتمع.
أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
[email protected]
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه
التعليقات