quot;كل جهود العنف لا تستطيع أن توهن الحقيقة، بل هي تنهضها أكثر فأكثر. وكل أنوار الحقيقة لا تستطيع أبدا أن توقف العنف، بل هي تثيره أكثر فأكثرquot;. (بليز باسكال)

اللفظة الأجنبية -violence، وتعني quot;عنفquot;، مكونة من مقطعين: vi وهو مقطع مأخوذ من نفس الجذر المأخوذ عنه لفظ vitality أي حيوية. كما أن كلمة violence مشتقة أيضا من الكلمة اللاتينية violare التي تعني ينتهك أو يؤذي أو يغتصب. كما توجد ثمة علاقة، في اللغة اليونانية، بين bios أي حياة، واللفظة bia أي عنف.
من هنا يربط نيتشه بين العنف والحياة، من حيث ان الحياة، في جوهرها، عنف لانها مجاوزة لذاتها وهذه المجاوزة تعني رفض القديم مع الإبداع. (1)
ومن الناحية التاريخية أرتبط العنف بالقوة الصادرة عن الطبيعة أو الآلهة، فكلمة violence - مشتقة من الكلمة اللاتينية vis أي القوة في شكلها الفيزيقي الملموس، وهي ماضي كلمة fero والتي تعني يحمل، ومن ثم فان كلمة عنف: تعني حمل القوة أو تعمد ممارستها تجاه شخص أو شئ ما. وذكر قاموس webster أن من معاني العنف ممارسة القوة الجسدية بهدف الإضرار بالغير. ويمتد هذا المعنى المرتبط بأصل الكلمة في العديد من القواميس اللغوية الأخري، كمعجم لاروس La rousse الذي يعرف العنف بكونه خاصية لكل ما ينتج عنه مفعول بقوة شديدة متطرفة ووحشية، فهو خاصية لما هو عدواني، أما كلمة اعتداء Aggression فتعني سلوك يرمي الي ايذاء الغير أو الذات، أو ما يحل محلها من الرموز. ويعتبر السلوك الاعتدائي تعويضا عن الحرمان الذي يصيب الشخص المعتدي. (2)
ويعرف لالاند كلمة quot;العنفquot; violence - بمعني quot; أذي quot;، 1- ألحق الأذي بنفسه أو طبيعته،...
2- الاستعمال غير المشروع للعنف أو علي الأقل غير القانوني للقوة.
وقد أتخذت كلمة violence معني أكثر تحديدا، مع سوريل والنقابية الثورية، الذين أدخلوا نظرات منهجية مضادة ومناقضة للاتجاهات أو الكوابح العقلية، ونادوا بquot; العمل الثوري المباشر quot;.
ويضع quot; سوريل quot; في كتابه quot; تأملات حول العنف quot;: القوة في مواجهة العنف: فالقوة، البورجوازية، تنزع الي السلطة، وتسعي الي فرض طاعة آلية، والعنف، البروليتاري، يريد الغاء الدولة.(3)
أما في اللغة العربية، فإن دلالات لفظة عنف هي: quot; عنف به وعليه.. وعنافه: أخذه بشدة وقسوة، ولامه quot;. فهو عنيف، و (أعتنف) الأمر: أخذه بعنف وأتاه ولم يكن له علم به.... وعنفوان الشئ أوله، يقال: هو في عنفوان شبابه أي في نشاطه وحدته. quot;.
ويعرف ابن منظور quot; العنف quot; علي أنه: quot; الخرق بالأمر وقله الرفق به، وهو ضد الرفق quot; (4) ويعرفه الطريحي في مجمعه بانه: quot; الشدة والمشقة، ضد الرفق quot; (5) ويعرفه أبو هلال العسكري بانه quot; التشديد في التوصل الي المطلوب quot; (6) ويعرفه القلعجي بانه:quot; معالجة الأمور بالشدة والغلظة quot; (7) وأما التعنيف فهو التعبير واللوم.... وتكاد لا تخرج المعاجم اللغوية الأخري عن هذه التعاريف.
غير ان معني quot; العنف quot; أكتسب دلالة جديدة عند العرب المحدثين، فأصبح مقابلا لكلمة violence الانجليزية والفرنسية، أو Gewalt الالمانية، من المعني الحقوقي الحديث. وأصبح قريبا من معني violence في اللغة اللاتينية التي تعني الغلظة والقوة الشديدة، التي هي مشتقة من vis أي القوة الفيزيقية أو كمية ووفرة شئ ما، وهو معني علي صلة بلفظة bia، السابق ذكرها، في اليونانية أي القوة الحية، ذلك لأن العربية تقول quot; عنفوان quot; كل شئ أوله، وقد غلب علي النبات والشباب كما جاء في معجم لسان العرب.
ورغم أن التحديد اللغوي لمفهوم العنف، ينطلق أساسا من مفهوم quot; القوة quot; كقاعدة للسلوك الصادر عن الطرف المعنف، فإنه يثير أسئلة ترتبط بشروط التعريف ذاته، من قبيل: كيف تتحدد القوة المرتبطة بالعنف، وما هو مقدارها وطبيعتها؟ هل هي قوة مادية جسدية، أم رمزية معنوية ونفسية؟ هل يمكن أن نعتبر كل فعل متسم بالقوة فعلا عنيفا؟ ولم؟.
أن أخطر أنواع العنف، حسب حنة أرندت في كتابها العلامة quot; في العنف quot;، هو (عنف لا أحد)، أو العنف مجهول الهوية والعنوان والمسؤولية. ولا تستغرب عزيزي القارئ، فهو quot; طغيان بدون طاغية quot;، عهدناه كثيرا وسئمناه أكثر. يمارس علينا جميعا من المهد إلي اللحد، وبدرجات متفاوته، وما باليد حيلة.
إنها (البيروقراطية) أو الحكم الذي يمارس عبر نظام المكاتب الحكومية المعقد واللوائح والقوانين (الروتين). ولا يمكن في رحابه للبشر، سواء كانوا واحدا أو نخبة، قلة أو كثرة أن يعتبروا مسؤولين، إنه quot; حكم لا أحد quot;، وبالتالي ليس ثمة شخص محدد يمكن أن يسأل أو يحاسب. وهذه الوضعية، التي تجعل من المستحبل تحديد المسؤولية، هي من بين أقوي الأسباب الكامنة خلف معظم السلبيات في مجتمعاتنا، بدءا من الاستكانة للقهر واللجوء إلي الخرافات والغيبيات، ومرورا بالأنعزال والنكوص والأحباط، وانتهاء بالهيجان العبثي والعنف والإرهاب.

الهوامش:
1-المعجم الفلسفي: مراد وهبه، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1998، ص:477
2-المرجع نفسه، ص: 78.
3-أندريه لالاند: موسوعة لالاند الفلسفية، تعريب خليل احمد خليل، منشورات عويدات، بيروت ndash; باريس، ط2، 2001، المجلد الثالث، ص 1554، 1555.
4-ابن منظور: لسان العرب، دار احياء التراث العربي، بيروت، ط2، الجزء التاسع، ص 429.
5-فخر الدين الطريحي: مجمع البحرين، مؤسسة الوفاء، بيروت ط2، الجزء الخامس، ص 104.
6-ابوالهلال العسكري: كتاب الفروق، دار جروس برس، طرابلس الشرق، ط1، 1994، ص 241.
7-محمد قلعجي: معجم لغة الفقهاء، عربي ndash; انجليزي، دار النفائس، بيروت، ط2، 1988، 323.