يختلف عبد الرحمن بدوي عن معظم المفكرين في مصر، الذين أنتهوا إلي لبس قناع المصالحة مع المؤسسة الاجتماعية أمثال: محمد حسين هيكل الذي بدأ quot;بثورة الأدبquot; وquot;جان جاك روسوquot; وأنتهي بquot;حياة محمدquot; وquot;في منزل الوحيquot; و quot;رحلة الحجازquot;. وطه حسين الذي بدأ بquot;حديث الأربعاءquot; و quot;في الشعر الجاهليquot; وأنتهي برباعيته الدينية quot;على هامش السيرةquot; وquot;الفتنة الكبريquot; وquot;علي وبنوهquot; و quot;الشيخانquot;.
والعقاد الذي بدأ مثاليا أوروبيا وأنتهي بأن شيد برجا من العبقريات الإسلامية، وهو ما فعله توفيق الحكيم وزكي نجيب محمود وخالد محمد خالد بعدما انصرف عن العلمانية والليبرالية.
مكمن اختلاف بدوي في كونه لم يتنقل بين البداية والنهاية وإنما كان يسير دائما علي جبهتين، جبهة الفلسفة العامة بما فيها الفلسفة الوجودية، وجبهة الفكر الإسلامي. وليس ثمة تناقض بينهما علي الأقل في مجال البحث وتاريخ الأفكار، بل انه لا يكاد يمر عام أو عامان حتي يصدر إما كتابا في الفلسفة أو في التاريخ الإسلامي.
ورغم ولعه بالفلسفة الوجودية، فإنه لم يكن بعيدا يوما عن بؤرة الدين، فأطروحته العلمية التي حصل بها علي درجة الدكتوراه، تضم قائمة مراجعها أسماء كبار الفلاسفة الوجوديين المؤمنين أمثال: جابرييل مارسيل وكارل ياسبرز وكيركجارد وغيرهم، بمعني انه محسوب علي الشق الوجودي المؤمن، وليس الشق الإلحادي في الوجودية.
هذا من جهة، من جهة أخري فإن رسالته في quot; الزمان الوجودي quot; كانت محاولة للإسهام في البناء الفلسفي للوجودية، وهي محاولة جديدة وأصيلة ربطت الوجودية بأصول عربية ولم تكتف بتفسيرات أو تأويلات فلسفة الغرب الوجودي، ناهيك عن انها سبقت كتابات سارتر. ففي هذه الرسالة أسهم بدوي في إكمال مذهب quot; هيدجر quot; وذلك من خلال:
1-تفسير ظواهر الوجود علي أساس الزمانية.
2-وضع لوحة مقولات تقوم علي quot; التوتر quot; في أحوال الوجود.
3-فهم أحداث التاريخ كيفيا.
4-تفسير العدم بأنه quot; هوات quot; قائمة بين الذرات في الوجود الفيزيائي، ويناظرها quot; الهوات quot; بين الذوات في الوجود الذاتي.
وأعقب كتابه الأول عن quot; نيتشه quot; عام 1939 كتاب عن quot; التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية quot;، كما أن كتاباته الأخيرة قبيل وفاته عام 2002، أخذ فيها موقع المدافع عن الإسلام، خصوصا كتابيه quot; دفاع عن القرآن ضد منتقديه quot; وquot; دفاع عن حياة محمد ضد الطاعنين فيها quot;، تلت كتاباته عن quot; كانط quot; و quot; هيجل quot; ثم موسوعته الفلسفية، وهكذا كان يضع مؤلفا في الفلسفة الغربية، يعقبه كتاب عن الفكر الإسلامي.
يقول بدوي: quot; كم أود أن يفهم الناس عني هذه الخطة، حتي لا ينزلقوا في تفسيرات لا أساس لها من الصحة، كما قال أحمد بهاء الدين في مقال له ndash; ذات يوم ndash; يفسر فيه اتجاه طه حسين وبعض معاصريه للكتابات الإسلامية في آخر أيامهم بأنها نوع من الرجوع أو العودة إلي المنبع التي تتماشي مع تقدم السن quot;.
لكن يبدو أن هذا التفسير لم يقنع العديد من الباحثين العرب الذين انقسموا الي فريقين، فريق يري أن بدوي لم يغرق حتي أذنيه في الكتابات الإسلامية إلا بعد أن شعر بفشل تقديم الفكر الغربي إلي أبناء العربية من خلال ترجماته العديدة.
أما الفريق الآخر من منتقدي بدوي فيذهب الي أنه لم يتجه بكليته الي التأليف والتحقيق والترجمة في الفكر الاسلامي إلا لأنه أدرك أخيرا أن هذا الاتجاه هو الذي يعود عليه بالنفع المادي الذي يمكنه من الانتقال والترحال في الخارج. ويسوق سعيد اللاوندي في كتابه عن: quot; عبد الرحمن بدوي... فيلسوف الوجودية الهارب الي الإسلام quot; ثلاث شهادات مهمة تقدم تفسيرات جديرة بالتأمل لكتابات بدوي الاسلامية، أولها للباحث المصري عبد الرشيد الصادق محمودي الذي يري أنه موسوعي الفكر والاهتمامات بالجوانب الفكرية المختلفة، فهود امتداد لطه حسين وجيله، ومن ثم فالجمع بين التراث الإسلمي والتراث الأوروبي أمر بديهي بالنسبة إليه.
الشهادة الثانية للباحث السوري هاشم صالح، يقول فيها: quot; لإسلاميات بدوي تفسيرات عدة منها تاثره بالمجتمع العربي والبيئة الاسلامية، فأكبر مفكر لا يستطيع أن يخرج من عصره، والتيار الديني في الشارع العربي هو تيار قوي ومؤثر علي كبار المفكرين، وعلي خلاف محمد أركون لم يستطع بدوي أن يجيب بينه وبين نفسه عن الأسئلة الأساسية المتعلقة بالدين الإسلامي quot;.
وعلي الرغم من أنه كتب عن هيجل فإنه هرب من مواجهة الذات لذاتها، ومن ثم فعودته للإسلاميات هي استسلام سلبي وعاطفي للذات التراثية. ولأن بدوي لم يتمكن من حل هذه المشكلة في أعماقه، انشغل ndash; من قبيل الهروب ndash; بالأشياء الغربية.
أما الشهادة الثالثة فهي للباحث العراقي الدكتور جليل العطية الذي رأي ان عودة بدوي للإسلام أمر طبيعي بعد أن عاش طويلا في أوروبا ورأي بنفسه الي أي حد يتعصب الأوروبيون ضد الإسلام، أضف إلي ذلك تقدمه واقترابه من الموت، ومن ثم وجد نفسه يفكر في quot; الوجود والعدم quot; من منظور اسلامي.
بإختصار انتهي بدوي من رحلته الفكرية الطويلة مؤمنا مسلما، ولذلك رأي أن واجبه يحتم عليه ان يدافع عن الاسلام بإعتباره الدين الصحيح،.... لكن، كيف كانت البداية؟
والعقاد الذي بدأ مثاليا أوروبيا وأنتهي بأن شيد برجا من العبقريات الإسلامية، وهو ما فعله توفيق الحكيم وزكي نجيب محمود وخالد محمد خالد بعدما انصرف عن العلمانية والليبرالية.
مكمن اختلاف بدوي في كونه لم يتنقل بين البداية والنهاية وإنما كان يسير دائما علي جبهتين، جبهة الفلسفة العامة بما فيها الفلسفة الوجودية، وجبهة الفكر الإسلامي. وليس ثمة تناقض بينهما علي الأقل في مجال البحث وتاريخ الأفكار، بل انه لا يكاد يمر عام أو عامان حتي يصدر إما كتابا في الفلسفة أو في التاريخ الإسلامي.
ورغم ولعه بالفلسفة الوجودية، فإنه لم يكن بعيدا يوما عن بؤرة الدين، فأطروحته العلمية التي حصل بها علي درجة الدكتوراه، تضم قائمة مراجعها أسماء كبار الفلاسفة الوجوديين المؤمنين أمثال: جابرييل مارسيل وكارل ياسبرز وكيركجارد وغيرهم، بمعني انه محسوب علي الشق الوجودي المؤمن، وليس الشق الإلحادي في الوجودية.
هذا من جهة، من جهة أخري فإن رسالته في quot; الزمان الوجودي quot; كانت محاولة للإسهام في البناء الفلسفي للوجودية، وهي محاولة جديدة وأصيلة ربطت الوجودية بأصول عربية ولم تكتف بتفسيرات أو تأويلات فلسفة الغرب الوجودي، ناهيك عن انها سبقت كتابات سارتر. ففي هذه الرسالة أسهم بدوي في إكمال مذهب quot; هيدجر quot; وذلك من خلال:
1-تفسير ظواهر الوجود علي أساس الزمانية.
2-وضع لوحة مقولات تقوم علي quot; التوتر quot; في أحوال الوجود.
3-فهم أحداث التاريخ كيفيا.
4-تفسير العدم بأنه quot; هوات quot; قائمة بين الذرات في الوجود الفيزيائي، ويناظرها quot; الهوات quot; بين الذوات في الوجود الذاتي.
وأعقب كتابه الأول عن quot; نيتشه quot; عام 1939 كتاب عن quot; التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية quot;، كما أن كتاباته الأخيرة قبيل وفاته عام 2002، أخذ فيها موقع المدافع عن الإسلام، خصوصا كتابيه quot; دفاع عن القرآن ضد منتقديه quot; وquot; دفاع عن حياة محمد ضد الطاعنين فيها quot;، تلت كتاباته عن quot; كانط quot; و quot; هيجل quot; ثم موسوعته الفلسفية، وهكذا كان يضع مؤلفا في الفلسفة الغربية، يعقبه كتاب عن الفكر الإسلامي.
يقول بدوي: quot; كم أود أن يفهم الناس عني هذه الخطة، حتي لا ينزلقوا في تفسيرات لا أساس لها من الصحة، كما قال أحمد بهاء الدين في مقال له ndash; ذات يوم ndash; يفسر فيه اتجاه طه حسين وبعض معاصريه للكتابات الإسلامية في آخر أيامهم بأنها نوع من الرجوع أو العودة إلي المنبع التي تتماشي مع تقدم السن quot;.
لكن يبدو أن هذا التفسير لم يقنع العديد من الباحثين العرب الذين انقسموا الي فريقين، فريق يري أن بدوي لم يغرق حتي أذنيه في الكتابات الإسلامية إلا بعد أن شعر بفشل تقديم الفكر الغربي إلي أبناء العربية من خلال ترجماته العديدة.
أما الفريق الآخر من منتقدي بدوي فيذهب الي أنه لم يتجه بكليته الي التأليف والتحقيق والترجمة في الفكر الاسلامي إلا لأنه أدرك أخيرا أن هذا الاتجاه هو الذي يعود عليه بالنفع المادي الذي يمكنه من الانتقال والترحال في الخارج. ويسوق سعيد اللاوندي في كتابه عن: quot; عبد الرحمن بدوي... فيلسوف الوجودية الهارب الي الإسلام quot; ثلاث شهادات مهمة تقدم تفسيرات جديرة بالتأمل لكتابات بدوي الاسلامية، أولها للباحث المصري عبد الرشيد الصادق محمودي الذي يري أنه موسوعي الفكر والاهتمامات بالجوانب الفكرية المختلفة، فهود امتداد لطه حسين وجيله، ومن ثم فالجمع بين التراث الإسلمي والتراث الأوروبي أمر بديهي بالنسبة إليه.
الشهادة الثانية للباحث السوري هاشم صالح، يقول فيها: quot; لإسلاميات بدوي تفسيرات عدة منها تاثره بالمجتمع العربي والبيئة الاسلامية، فأكبر مفكر لا يستطيع أن يخرج من عصره، والتيار الديني في الشارع العربي هو تيار قوي ومؤثر علي كبار المفكرين، وعلي خلاف محمد أركون لم يستطع بدوي أن يجيب بينه وبين نفسه عن الأسئلة الأساسية المتعلقة بالدين الإسلامي quot;.
وعلي الرغم من أنه كتب عن هيجل فإنه هرب من مواجهة الذات لذاتها، ومن ثم فعودته للإسلاميات هي استسلام سلبي وعاطفي للذات التراثية. ولأن بدوي لم يتمكن من حل هذه المشكلة في أعماقه، انشغل ndash; من قبيل الهروب ndash; بالأشياء الغربية.
أما الشهادة الثالثة فهي للباحث العراقي الدكتور جليل العطية الذي رأي ان عودة بدوي للإسلام أمر طبيعي بعد أن عاش طويلا في أوروبا ورأي بنفسه الي أي حد يتعصب الأوروبيون ضد الإسلام، أضف إلي ذلك تقدمه واقترابه من الموت، ومن ثم وجد نفسه يفكر في quot; الوجود والعدم quot; من منظور اسلامي.
بإختصار انتهي بدوي من رحلته الفكرية الطويلة مؤمنا مسلما، ولذلك رأي أن واجبه يحتم عليه ان يدافع عن الاسلام بإعتباره الدين الصحيح،.... لكن، كيف كانت البداية؟
أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
[email protected]
[email protected]
التعليقات