لم تحظ الاستعارة بكثير من التقدير من قبل النقاد والباحثين العرب، بإستثناء البعض منهم أمثال د.عبدالله الحراصي، مما نتج عنه إحلال لمناهج المنطق التقليدي فى دراسة الاستعارة التي هي بطبيعتها كسر وإلغاء لكل منطق، حيث أنها رؤية غير مسبوقة لتشابه لم يكشف من ذى قبل بين شيئين فى هذا الكون المملوء بالمتناقضات والمفارقات.
نقطة الضعف الأولى، والحاسمة، هي عدم تجدد اللغة العربية بمصادر الحيوية والتطوير لكي تشتمل على المعارف والآداب والفنون العصرية والعلوم الحديثة. ونتيجة لهذا الجمود، أصبحت الكتب والمقررات الدراسية والمناهج التعليمية في عالمنا العربي تمتلئ بالعديد من الاستعارات الميتة Dead Metaphor -، التي لا تحرك ذهن الطفل ولا تستثير خياله.
والاستعارة الميتة ndash; كما قال نيتشه - هي تلك الاستعارة التي استخدمها الناس لفترة طويلة من الزمن بحيث اصبحت شائعة جدا، وبالتالي لا نشعر فيها بالفرق بين الموضوع والصورة، نتيجة الاستخدام المتكرر والمبتذل والمستهلك للألفاظ.
ان الاستعارة ظاهرة ذهنية قبل أن تكون ظاهرة لغوية، أو قل أن الثانية تجلياً للأولى. معنى ذلك أنها لا تقوم على laquo;التشبيهraquo; - كما هو شائع - وإنما على laquo;التشكيلraquo;، فهي ليست فقط أسلوباً بلاغياً، لكنها طريقة تفكير تتم بها إعادة تشكيل الخرائط الذهنية والمفاهيمية، وكسر دوائر الإدراك الجامدة، أي أنها أداة لتطوير المفاهيم والنقلات المعرفية، كما أنها وسيلة للإدراك ولخلق الواقع، وليست مجرد وصف أمين له، وهذا المعنى يختلف عن معنى الاستعارة منذ أرسطو.
والسمة الأساسية التى تميز الاستعارة هى القدرة على مفاجأة القارىء أو السامع وإدهاشه و إثارة خياله، وبذلك يتجاوز الوعى الحدود الدلالية للغة. ان الأساس إذن هو قدرة الاستعارة على الإدهاش، لتفسح الطريق أمام التساؤل والتأمل، ومتى اندثرت هذه السمة أو ابتذلت لم يعد التعبير استعارة hellip;
ولأن الاستعارة إبداع دلالي متفرد فإنها لغويا تتعلق quot;بأداءquot; المتحدث وبأسلوب الكاتب أيضا، وليس بـ quot; مقدرته quot; اللغوية التى تشمل معرفة المتحدث القاموسية وغيرها، ولان الاستعارة اداء دلالي غير مسبوق فلا يمكننا ان نجد استعارة ما فى القاموس، لأن القاموس هو بيت ما يمكن تسميته بالقانون الدلالي التى تأتى الاستعارة لتكسره وتخلق مجالات دلالية جديدة لاتحتويها القواميس.
من هنا كانت الحاجة ملحة إلي توظيف الإبداع المعاصر، وما يحمله من صور ورؤي واستعارات جديدة في مناهج التعليم والإعلام والثقافة، وهو ما يؤكد أن العلاقة بين quot; اللغة quot; وquot; الهويةquot;، متجددة بإستمرار بتجدد الإبداع، أو قل أن quot;الهويةquot; ليست كامنة في الماضي أو في بطون التراث، بقدر ما تتشكل في الصيرورة، وتأتي من المستقبل.
والاستعارة الحية والمتجددة يمكن أن تزود الطفل برؤية عميقة لما وراء ظواهر الأشياء أو لماهية الأشياء وجوهرها، فهي استخدام مبدع للغة يزود البصيرة بقدرة غير عادية للنفاذ الى أصل الأشياء وهو ما يمثل الحقيقة فى مقابل الواقع.
والمبدأ الذي تقوم عليه الاستعارة الحية، هو أن quot;عقل الطفل نار تتوهج وليس وعاء يملأ quot;، وهو ما أكدت عليه نظرية عالم النفس السوفييتي الشهير فيجوتسكي(Vigotski) من أن الطفل الإنساني يولد ولديه مدى من القدرات والإمكانيات، وأن وجود آليات وحوافز ومثيرات في التعليم والتعلم، يمكن أن تصل بالطفل إلي أقصى ما تسمح به قدراته، كما أنها تسرع من معدل نموه العقلي، وإكسابه مختلف عمليات ومهارات التفكير والإبداع، وأهمها:
1- مرونة التفكير.
2- الوعي بالتفكير والقدرة على وصف خطواته.
3- توفر روح الدعابة والمرح.
4- القدرة على طرح وإثارة التساؤلات.
5- الاستعانة بالمعلومات واستخدامها في الوقت المناسب.
6- استخدام الحواس.
7- الدهشة وحب الاستطلاع والاستمتاع بحل المشكلات.
8- إدراك متميز للواقع بمستوياته وتعقيداته.
9- نظرة متجددة للأمور.
10- اكتشاف الروابط وايجاد العلاقات بين الأشياء والمواقف والأشخاص.
11- التمتع بدرجة عالية من الإبداع.
ان الاستعارة تخبرنا بإختصار: كيف نتعلم في سياق متخيل، ونستخدم الحواس مع التفكير والتأمل والتذكر، وكيف نوظف الإبداع في التعليم ليصبح تعليماً للحياة وفيها ، وليس quot;عنها quot; كما هو متبع.
أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
[email protected]
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات