بعد وفاة لويس عوض أو المعلم العاشر(1915-1990) بثلاث سنوات، نشر صامويل هنتنجتون مقالته الشهيرة quot; صدام الحضارات quot; صيف 1993 في مجلة شئون خارجية الأمريكية، ثم ما لبث أن وسعها وأخرجها في كتاب حمل عنوان quot; صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي الجديد quot; عام 1996. كانت نظريته، أشبه بالنبوءة المحققة لذاتها، خاصة بعد زلزال 11 سبتمبر 2001، وتوابعه التي لم تهدأ بعد، ليس لأنها كانت نظرية صحيحة في ذاتها، وإنما لأن الكل كان راغبا في تصديقها.
علي النقيض من هذه النظرية، وأتباعها في الغرب والشرق علي السواء، ناضل لويس عوض التلميذ النجيب لطه حسين، من أجل تأكيد فكرة quot; وحدة الحضارة الإنسانية quot; ووحدة المعرفة الإنسانية، وهو ما جلب عليه متاعب كثيرة أثناء حياته، وحتي وفاته، حيث طالب البعض بسحب جائزة الدولة التقديرة منه!
فالحضارة الإنسانية عبر العصور والمجتمعات، وعلي تنوع مضامينها واختلاف صناعها، برأيه، نتاج شراكة إنسانية غير مباشرة، أسهمت كل أمة أو شعب فيها بمقدار، إلي أن بلغت ما بلغته في عصرنا الراهن. ولذا فإن من الطبيعي تعزيز هذه الشراكة دائما بأن نجعلها quot; شراكة مباشرة quot; واضحة، بين المبدعين جميعا، منتجي المعرفة والفنون والآداب والعلوم في الشرق والغرب، في الجنوب والشمال، وفي العالم قاطبة.
وهكذا، لم يكن عوض ناقداً أو أديباً أو مفكراً فحسب، وإنما كان صاحب مشروع ثقافى للتغيير الاجتماعى فى المقام الأول. من هنا فإن كتاباته النقدية أو الإبداعية ليست إلا جانبًا من جوانب شخصيتة الشاملة، وجزءا من أجزاء مشروعه المتكامل..
ونظرا لصعوبة الحديث عن مشروعه من خلال مؤلفاته التي بلغت الخمسين كتابا، فى هذا المقام، سوف نركز على بعض أعماله المهمة التى تبرز الكثير من الملامح الفكرية لمشروعه، منها كتاب quot; ثورة الفكر فى عصر النهضة الأوربية quot; الذى يتضمن العديد من القضايا والاشكاليات التى عالجها، منذ quot; بلوتولاند quot; (نظم بين 1938 و 1940 فى كامبرج) وحتى آخر مقالاته عن الثورة الفرنسية فى جريدة الاهرام قبيل وفاته عام 1990.
علي النقيض من هذه النظرية، وأتباعها في الغرب والشرق علي السواء، ناضل لويس عوض التلميذ النجيب لطه حسين، من أجل تأكيد فكرة quot; وحدة الحضارة الإنسانية quot; ووحدة المعرفة الإنسانية، وهو ما جلب عليه متاعب كثيرة أثناء حياته، وحتي وفاته، حيث طالب البعض بسحب جائزة الدولة التقديرة منه!
فالحضارة الإنسانية عبر العصور والمجتمعات، وعلي تنوع مضامينها واختلاف صناعها، برأيه، نتاج شراكة إنسانية غير مباشرة، أسهمت كل أمة أو شعب فيها بمقدار، إلي أن بلغت ما بلغته في عصرنا الراهن. ولذا فإن من الطبيعي تعزيز هذه الشراكة دائما بأن نجعلها quot; شراكة مباشرة quot; واضحة، بين المبدعين جميعا، منتجي المعرفة والفنون والآداب والعلوم في الشرق والغرب، في الجنوب والشمال، وفي العالم قاطبة.
وهكذا، لم يكن عوض ناقداً أو أديباً أو مفكراً فحسب، وإنما كان صاحب مشروع ثقافى للتغيير الاجتماعى فى المقام الأول. من هنا فإن كتاباته النقدية أو الإبداعية ليست إلا جانبًا من جوانب شخصيتة الشاملة، وجزءا من أجزاء مشروعه المتكامل..
ونظرا لصعوبة الحديث عن مشروعه من خلال مؤلفاته التي بلغت الخمسين كتابا، فى هذا المقام، سوف نركز على بعض أعماله المهمة التى تبرز الكثير من الملامح الفكرية لمشروعه، منها كتاب quot; ثورة الفكر فى عصر النهضة الأوربية quot; الذى يتضمن العديد من القضايا والاشكاليات التى عالجها، منذ quot; بلوتولاند quot; (نظم بين 1938 و 1940 فى كامبرج) وحتى آخر مقالاته عن الثورة الفرنسية فى جريدة الاهرام قبيل وفاته عام 1990.
حين ثار الجدل- فى أوائل الثمانينات ndash; بين المثقفين المصريين حول قضية quot; الدولة الدينية quot; فى مصر، سارع عوض الى التعبير عن موقفه العلمانى quot; عملياً quot; بتقديم استقالته من حزب quot; الوفد quot; الذى تحالف وقتئذ مع جماعة الإخوان المسلمين فى انتخابات عام 1984.
أما من الناحية النظرية، فقد نشر سلسلة من المقالات فى مجلة quot; المصور quot;،عرض فيها قصة العلاقة بين الدين والدولة، كما عرفها العالم المسيحى الغربى فى الانتقال من العصور الوسطى الى عصر النهضة الاوربية الذى هو بمثابة القاعدة الاساسية للحضارة الحديثة فى العالم الغربى.
وتتبع فكرة ظهور التناقضات والصراعات فى مختلف مجالات وأنشطة ذلك العصر، التى كانت تسيطر عليها الكنيسة سيطرة كاملة، ليخلص فى النهاية الى أن الفكر الأوربى لم يتحرر إلا بعد ان خلع عن نفسه نير الوصاية الكنسية.
جمع عوض هذه المجموعة من المقالات فى كتابه سالف الذكر، الذى صدر عام 1987 عن مركز الاهرام للترجمة والنشر، دون أن يكتب مقدمة له، وهو الذى أشتهر بمقدماته الملتهبة والملهبة، فلم يكتب سوى تمهيد لا يزيد عن صفحتين!
بيد اننا اذا قلبنا صفحات الكتاب سرعان ما نكتشف السبب، فالقضية التى أثيرت فى مصر في تلك الفترة، كان يفترض أن يكون النزاع حولها قد حسم منذ عهد مضى، بل أن هذه المجموعة البسيطة من المفاهيم والمبادئ الاساسية المطروحة فى الكتاب، كان ينبغى أن تكون قد استقرت لدينا منذ قرن!.
يقول عوض quot; كنا فى جيلى، كلما رأينا قصورا فى الحياة المصرية ننظر وراءنا فى غضب ونبحث عن الحلول فى التاريخ الاوروبى منذ عصر الثورة الفرنسية، أى منذ عام 1789، بقصد الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى. ولكن يبدو أن حركة المجتمع العربى تدفعنا الآن الى التراجع قروناً الى الوراء حتى تجعلنا نقترب من العصور الوسطى، تدفعنا الى نحو عام 1500 أو ربما قبل ذلك فى بعض الامور. وهكذا غدا علينا أن نرى كيف خرجت أوربا الحديثة من العصور الوسطى بينما كتب على عالمنا العربى أن يطول مخاضه وأن يتعسر فيه ميلاد الحياة الجديدة، وكلما تجدد فى أوصاله أكسير الصحة والنماء حاصرته جراثيم المرض والهزالhellip; quot; (1).
هذه الفقرة تضئ لنا جوانب كثيرة، ليس فى فهم مشروع عوض فحسب وإنما أيضاً فى فهم المأزق الحقيقى الذى تعرض له جيل كامل من العلمانيين لم يتوافق مع حركة التاريخ فى المجتمع المصرى.
وليس مصادفة أن يصدر الدكتور حسين فوزى، وهو ينتمى الى جيل عوض نفسه وان كان يكبره بخمسة عشر عاماً، كتاباً عن عصر النهضة يسميه على استحياء quot; تأملات فى عصر الرينسانس quot; فى الفترة نفسها التى بدأ عوض ينشر مقالاته عن عصر النهضة فى مجلة quot; المصور quot; وهى تختلف بالطبع من حيث كونها quot; تأملات quot; عما أسماه عوض quot; ثورة الفكرquot;. كما أشتبك الدكتور زكي نجيب محمود مع التيار الأصولي في الحياة الثقافية وبدأ يكتب عن العلمانية مبينا الفرق اللغوي بين فتح العين وكسرها في الكلمة. ونالت سهام الشيخ متولي الشعراوي علي صفحات جريدة الأهرام احسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم.
والسؤال الذى يفرض نفسه هو: لماذا بحث عوض وأترابه عن حلول للمجتمع فى التاريخ الاوروبى سواء فى عصر النهضة أو فى عصر الثورة الفرنسية؟ هل المطلوب ان نقيم نهضتنا على أسس مماثلة لما حدث فى أوربا منذ القرن الخامس عشر؟ وهل لا بد لنا من quot; نموذج quot; نقلده أو نقتدى به حتى نقيم نهضتنا؟.
كان لويس عوض يؤمن بأن هناك عقلا انسانياً واحداً، وحضارة انسانية واحدة. على ان القول بالحضارة الواحدة لا يلغى اطلاقاً- عنده- الخصوصيات الثقافية. والنموذج الأكمل لهذه الحضارة الواحدة هو النموذج الغربى الذى تشكل من روافد حضارية مختلفة ndash; مصرية ويونانية ورومانية وعربية واسلامية وشرقية ndash; وان تكاملت وأنصهرت ونضجت جميعا فى عصرنا الراهن فى هذه الحضارة الغربية، ولا سبيل لتقدمنا بغير الأخذ بأسباب هذه الحضارة.
كما آمن عوض بأن الحضارة الراهنة ليست هى quot;الآخرquot; من حيث أنها حضارة. ان quot; الآخرquot; فيها هو الاستعمارية والصهيونية والرأسمالية الاحتكارية والعنصرية ومحاولات الاحتواء والسيطرة. أما من حيث هى quot;حضارة quot; أى عقلانية وعلم ومناهج بحث وأدب وفن وفلسفة وهموم مشتركة وتطلع الى العدل والتقدم والسلام، فليست هى quot; الآخرquot; بل هى بعد من أبعاد quot;الأنا quot; إن لم تكن هى quot;الأنا quot; الضرورى. فـ quot;الأنا quot; موجود فى هذا quot; الآخرquot; الحضارى، واقعاً تاريخياً، وامكاناً وضرورة مستقبلية. وquot; لآخرquot; موجود فى quot;الأنا quot; بما يضيفه الى عصرنا من علم وفكر وفن وتكنولوجيا وثقافة بشكل عام. ومن ثم فلا تعارض بين quot; الأنا quot; و quot; الآخر quot; من حيث جوهر الحضارة المعاصرة.
وعلى هذا فليس مشروع عوض دعوة الى التبعية للغرب بل هو فى جوهره دعوة الى النهضة والتقدم فيما أعتبره- أستاذه طه حسين ndash; النموذج الحضارى الأمثل واقعياً (2).
لم يدع عوض الى تقليد التجربة الغربية بشكل ساذج أو أعمى، وبنوع من التبعية الكسولة، المنفعلة لا الفاعلة، بل كان مؤمناً بأن الاطلاع على تجارب الآخرين يفيدنا فى استخلاص الدروس والعبر، فلا نقع ndash; على الاقل ndash; فى المأزق والسلبيات ذاتها.
أما من الناحية النظرية، فقد نشر سلسلة من المقالات فى مجلة quot; المصور quot;،عرض فيها قصة العلاقة بين الدين والدولة، كما عرفها العالم المسيحى الغربى فى الانتقال من العصور الوسطى الى عصر النهضة الاوربية الذى هو بمثابة القاعدة الاساسية للحضارة الحديثة فى العالم الغربى.
وتتبع فكرة ظهور التناقضات والصراعات فى مختلف مجالات وأنشطة ذلك العصر، التى كانت تسيطر عليها الكنيسة سيطرة كاملة، ليخلص فى النهاية الى أن الفكر الأوربى لم يتحرر إلا بعد ان خلع عن نفسه نير الوصاية الكنسية.
جمع عوض هذه المجموعة من المقالات فى كتابه سالف الذكر، الذى صدر عام 1987 عن مركز الاهرام للترجمة والنشر، دون أن يكتب مقدمة له، وهو الذى أشتهر بمقدماته الملتهبة والملهبة، فلم يكتب سوى تمهيد لا يزيد عن صفحتين!
بيد اننا اذا قلبنا صفحات الكتاب سرعان ما نكتشف السبب، فالقضية التى أثيرت فى مصر في تلك الفترة، كان يفترض أن يكون النزاع حولها قد حسم منذ عهد مضى، بل أن هذه المجموعة البسيطة من المفاهيم والمبادئ الاساسية المطروحة فى الكتاب، كان ينبغى أن تكون قد استقرت لدينا منذ قرن!.
يقول عوض quot; كنا فى جيلى، كلما رأينا قصورا فى الحياة المصرية ننظر وراءنا فى غضب ونبحث عن الحلول فى التاريخ الاوروبى منذ عصر الثورة الفرنسية، أى منذ عام 1789، بقصد الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى. ولكن يبدو أن حركة المجتمع العربى تدفعنا الآن الى التراجع قروناً الى الوراء حتى تجعلنا نقترب من العصور الوسطى، تدفعنا الى نحو عام 1500 أو ربما قبل ذلك فى بعض الامور. وهكذا غدا علينا أن نرى كيف خرجت أوربا الحديثة من العصور الوسطى بينما كتب على عالمنا العربى أن يطول مخاضه وأن يتعسر فيه ميلاد الحياة الجديدة، وكلما تجدد فى أوصاله أكسير الصحة والنماء حاصرته جراثيم المرض والهزالhellip; quot; (1).
هذه الفقرة تضئ لنا جوانب كثيرة، ليس فى فهم مشروع عوض فحسب وإنما أيضاً فى فهم المأزق الحقيقى الذى تعرض له جيل كامل من العلمانيين لم يتوافق مع حركة التاريخ فى المجتمع المصرى.
وليس مصادفة أن يصدر الدكتور حسين فوزى، وهو ينتمى الى جيل عوض نفسه وان كان يكبره بخمسة عشر عاماً، كتاباً عن عصر النهضة يسميه على استحياء quot; تأملات فى عصر الرينسانس quot; فى الفترة نفسها التى بدأ عوض ينشر مقالاته عن عصر النهضة فى مجلة quot; المصور quot; وهى تختلف بالطبع من حيث كونها quot; تأملات quot; عما أسماه عوض quot; ثورة الفكرquot;. كما أشتبك الدكتور زكي نجيب محمود مع التيار الأصولي في الحياة الثقافية وبدأ يكتب عن العلمانية مبينا الفرق اللغوي بين فتح العين وكسرها في الكلمة. ونالت سهام الشيخ متولي الشعراوي علي صفحات جريدة الأهرام احسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم.
والسؤال الذى يفرض نفسه هو: لماذا بحث عوض وأترابه عن حلول للمجتمع فى التاريخ الاوروبى سواء فى عصر النهضة أو فى عصر الثورة الفرنسية؟ هل المطلوب ان نقيم نهضتنا على أسس مماثلة لما حدث فى أوربا منذ القرن الخامس عشر؟ وهل لا بد لنا من quot; نموذج quot; نقلده أو نقتدى به حتى نقيم نهضتنا؟.
كان لويس عوض يؤمن بأن هناك عقلا انسانياً واحداً، وحضارة انسانية واحدة. على ان القول بالحضارة الواحدة لا يلغى اطلاقاً- عنده- الخصوصيات الثقافية. والنموذج الأكمل لهذه الحضارة الواحدة هو النموذج الغربى الذى تشكل من روافد حضارية مختلفة ndash; مصرية ويونانية ورومانية وعربية واسلامية وشرقية ndash; وان تكاملت وأنصهرت ونضجت جميعا فى عصرنا الراهن فى هذه الحضارة الغربية، ولا سبيل لتقدمنا بغير الأخذ بأسباب هذه الحضارة.
كما آمن عوض بأن الحضارة الراهنة ليست هى quot;الآخرquot; من حيث أنها حضارة. ان quot; الآخرquot; فيها هو الاستعمارية والصهيونية والرأسمالية الاحتكارية والعنصرية ومحاولات الاحتواء والسيطرة. أما من حيث هى quot;حضارة quot; أى عقلانية وعلم ومناهج بحث وأدب وفن وفلسفة وهموم مشتركة وتطلع الى العدل والتقدم والسلام، فليست هى quot; الآخرquot; بل هى بعد من أبعاد quot;الأنا quot; إن لم تكن هى quot;الأنا quot; الضرورى. فـ quot;الأنا quot; موجود فى هذا quot; الآخرquot; الحضارى، واقعاً تاريخياً، وامكاناً وضرورة مستقبلية. وquot; لآخرquot; موجود فى quot;الأنا quot; بما يضيفه الى عصرنا من علم وفكر وفن وتكنولوجيا وثقافة بشكل عام. ومن ثم فلا تعارض بين quot; الأنا quot; و quot; الآخر quot; من حيث جوهر الحضارة المعاصرة.
وعلى هذا فليس مشروع عوض دعوة الى التبعية للغرب بل هو فى جوهره دعوة الى النهضة والتقدم فيما أعتبره- أستاذه طه حسين ndash; النموذج الحضارى الأمثل واقعياً (2).
لم يدع عوض الى تقليد التجربة الغربية بشكل ساذج أو أعمى، وبنوع من التبعية الكسولة، المنفعلة لا الفاعلة، بل كان مؤمناً بأن الاطلاع على تجارب الآخرين يفيدنا فى استخلاص الدروس والعبر، فلا نقع ndash; على الاقل ndash; فى المأزق والسلبيات ذاتها.
التعليقات