العنوان مأخوذ عن المحامية المصرية والناشطة الحقوقية نجلاء الإمام مديرة quot;مركز بريق لمناهضة العنف ضد المرأةquot;، والتي استفذها بشدة ما قالته الدكتورة فرخندة حسن quot;الأمين العام للمجلس القومي للمرأةquot; بمصر، وهو: أن ما حصلت عليه المرأة من حقوق في دولة تونس يُعد نوعاً من الشطط! حيث أكدت على أن الحقوق التي حصلت عليها المرأة هناك لا تُعتبر تمكيناً للمرأة بل هي نوعاً من التَجَني والمُخالفة للشريعة الإسلامية والمُبالغة التي لا تستريح لها، وذلك في برنامج quot;خاص جداًquot; الذي أذاعته القناة الأولى التابعة للتليفزيون الرسمي للدولة قبل أيام من الاحتفال باليوم العالمي للمرأة ( 8 مارس).
وحسب تعبير نجلاء الإمام فإن المجلس قد شاخ، ويجب أن يتغير اسمه من quot;المجلس القومي للمرأةquot; إلى quot;مجلس شيوخ المرأة quot; لسبب بسيط وهو أنه مجلس مُسَيَس ولا يأخذ برأي منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق المرأة، وان قيادات المركز تم اختيارهم لكونهم أهل ثقة وليس أهل خبرة.
ما قالته الدكتورة فرخندة حسن ليس رأيا شخصيا، في تصوري، كما أن المسألة لا تدخل في باب الدردشة أو الفرقعة الإعلامية في مناخ ملتهب بالتعصب والهوس الديني. فالأمر جد خطير لسببين متلازمين، الأول هو تخلف التشريع القانوني فيما يخص وضعية المرأة في العديد من دول الشرق الأوسط ومن بينها مصر، فإصرار قوانين الأحوال الشخصية على عدم إعطاء الحقوق الكاملة للمرأة، يعني ضمنيا وتصريحا أن المرأة دون الرجل.
الأمر الثاني هو أننا أصبحنا ندين بالفعل بما أسميه quot;دين حقوق الإنسانquot;، رغم التصريحات الرسمية المتشنجة، التي تصدر من آن لآخر عن مسؤولين كبار، ردا علي تقارير حقوق الإنسان الدولية، التي باتت تنهمر فوق رؤوسنا كل شهر تقريبا. إذ لابد، وحتما، من توفيق أوضاعنا وتعديل تشريعاتنا لتلائم حقوق الإنسان، بالمعنى العالمي لا المحلي، والحقيقي لا التجميلي.
ولم يعد خافيا أن quot; المرأة quot; تحتل الجانب الأكبر في منظومة حقوق الإنسان، ذلك لأن أدوارها تغيرت وتطورت في العقود الأخيرة، في حين أن التشريعات القانونية لا تزال متخلفة على أكثر من صعيد، فالمرأة من الناحية الواقعية quot; فاعلة اجتماعية quot; ومن الناحية التشريعية quot; كائن ناقص quot;. وهي مفارقة تعكس حالة مركبة من التناقض في معظم دول المنطقة، بين الواقع الاجتماعي وقوانين الأحوال الشخصية، بإستثناء تونس طبعا.... لماذا؟
الحداثة والمرأة
في العام 1930 صدر كتاب للطاهر حداد (1899 ndash; 1935 ) quot;امرأتنا في الشريعة والحياةquot; دعا فيه إلي تحرير المرأة، فشنت الصحافة التونسية وبعض الصحف المشرقية حملة شرسة ضد الكتاب وصاحبه، كصحيفة الزهرة والوزير والنهضة، ومن بين عناويين مقالات ما نشر فيها quot;حول زندقة الحدادquot; و quot;موقف الصحافة العربية حول نازلة الطاهر الحدادquot; و quot;خرافة السفورquot; وquot;أين يصل غرور الملحدينquot;.
كما صدرت كتب تتهجم علي الكتاب من أهمها quot;الحداد علي امرأة الحدادquot; 1940 لمحمد الصالح بن المراد، وكتاب quot;سيف الحق علي من لا يري الحقquot; لعمر بري المدني، وكتاب quot;روح الاسلام ونقد آراء الملحدينquot; لمحمد الشافعي،وصدرت فتوي بتكفير الحداد الذي مات كمدا وهو في عز شبابه.
بيد أن أفكار quot;الحدادquot; هذا، أصبحت هي الملهمة لمجلة الأحوال الشخصية التونسية التي صدرت في 13 أغسطس عام 1956، بعد أقل من خمسة شهور علي إعلان الإستقلال في 20 مارس عام 1956. وهي التي حققت للمرأة التونسية مكاسب غير مسبوقة، مما يؤكد أن الحداثة هي في الأساس إرادة سياسية، وان ميلادها يقترن دوما بتحديث شرط المرأة، كما يقول المفكر التونسي الكبير العفيف الأخضر..
ألغى قانون الأحوال الشخصية تعدد الزوجات والطلاق الأحادي الذي غدا حقاً للزوجين يفصل فيه القضاء، ورد للمرأة، لأول مرة في تاريخ الفقه الإسلامي، أهليتها المدنية فأصبحت قادرة على اختيار شريك حياتها. كما أعطاها حق التصرف في جسدها بالتحكم في الإنجاب عبر الحق في الإجهاض وفي تحديد النسل، وهو العامل الرئيسي في تسريع التنمية التي جعلت من تونس اليوم البلد العربي الوحيد بين البلدان العشرة المرشحة للدخول إلى نادي البلدان المتقدمة.
الأطروحة المركزية للحداثة التونسية من بورقيبه إلى بن علي، كما يشخصها العفيف الأخضر، هي القبول بمبدأ الواقع، أي التجاوب مع متطلبات الحداثة بتناغم مع الإسلام التونسي التنويري القائم على اجتهاد بدون ضفاف،عملاً بقول الشاطبي quot;حيث المصلحة فثم شرع اللهquot;. وهكذا ففي 1993 صدر قانون فريد في العالم العربي ألغى ركيزة المجتمع البطريركي ( الأبوي التراتبي): سيطرة الرجل المطلقة على المرأة. لم يعد الرجل هو رئيس العائلة وليس للمرأة والأبناء إلا السمع والطاعة. بل بات الزوجان كلاهما يديران العائلة بشراكة متساوية quot;في نطاق الاحترام المتبادلquot;.
تعتبر تونس أن quot;حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسانquot;. ومن ثم فإن التشريع رافعة أساسية لتحديث شرط المرأة. لكنه يبقى حبراً على ورق إذا لم يواكبه دمجها في الحياة العامة. أصبحت المرأة التونسية، في ذكري الحادي والعشرين للسابع من نوفمبر 1987- 2008، ثلث القوة العاملة. وهي نسبة لا وجود لها إلا في بلدان الاتحاد الأوربي. وتحتل 11% من مقاعد البرلمان و21% من مقاعد البلديات، ولأن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، فإن 24%من قضاة تونس نساء.
لذلك... لا مجال للمقارنة بين وضع المرأة في تونس الخضراء، ووضعها في مصر المحروسة، فحين طالبت الدكتورة زينب رضوان، وكيلة مجلس الشعب المصري، قبل عام تقريبا، بمساواة شهادة المرأة الواحدة بالرجل أمام المحاكم في إطار تفعيل مبدأ المواطنة، حيث لا توجد موانع في القرآن والسنة لتطبيق ما تدعو إليه، فضلا عن أن الدستور يدعو للمساواة بين المواطنين، ووجهت بمعارضة ضارية تحت قبة البرلمان.وسبق للدكتورة زينب رضوان أستاذة الفلسفة والشريعة الإسلامية، ان أثارت موضوع quot; شهادة المرأة quot; من خلال ورقة بحثية قدمت في مؤتمر quot;المواطنةquot;، الذي عقد بالمجلس القومي لحقوق الإنسان في نوفمبر 2007.
واستندت الورقة، التي أثارت بدورها ردود أفعال غاضبة من جانب علماء الأزهر والفقهاء وقتئذ، إلى كتاب quot;الإسلام وقضايا المرأةquot;، الذى أصدرته اليونسكو عام 1998 وتمت مراجعته من قبل نخبة من علماء الأزهر فى مقدمتهم الدكتور جاد الحق شيخ الأزهر السابق، والدكتور سيد طنطاوى عندما كان مفتيا للديار المصرية، والدكتور على جمعة عندما كان أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية، والداعية الإسلامى المعروف المرحوم الشيخ محمد الغزالى.
وهو ما يثير العديد من التساؤلات والشكوك والمخاوف، مما يجري في بر مصر؟!
[email protected]