في الثاني من إبريل الجاري نشرت في إيلاف مقالا بعنوان quot;ثلاثون عاما على نبوءة كيسنجرquot;، نسبت فيه السبق لهنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية الأشهر في مرحلة الحرب الباردة، بأن الصراع في الألفية الثالثة سيكون بين الهويات والثقافات وليس بين الدول القومية ذات السيادة، مما يعني الانتقال من الجغرافيا السياسية إلي الجغرافيا الثقافية. فقد لاحظ كيسنجر تزامن ثلاثة أحداث عالمية وإقليمية مهمة في العام 1979 هي: نجاح ثورة الإمام الخوميني في إيران، وصعود نجم المحافظين في انجلترا بزعامة مارجريت تاتشر أو المرأة الحديدية، وتحقيق السلام بين مصر واسرائيل بموجب معاهدة quot;كامب ديفيدquot;، وتنبأ بأنها ستتحكم في مصير الشرق الأوسط ومستقبله. وأنهيت المقال بالتساؤل: هل ما تزال نبوءة كيسنجر قابلة للتحقق بعد ثلاثين عاما؟ أم أن حركة الأحداث في الشرق الأوسط تتكسر عليها كل التوقعات؟.
لم يتركنا السيد حسن نصر الله ننتظر الإجابة طويلا، من باب أن quot;وقوع البلاء خير من انتظارهquot; كما يقول المثل، وبادر بنفسه بتحقيق نبوءة الداهية كيسنجر، بعد ثلاثين سنة بالتمام والكمال، من باب السبق التاريخي أيضا!.
فالسيد نصر الله لا يعترف بالمواثيق ولا القوانين الدولية، لأن المواثيق الدولية ليست كتابا منزلا من السماء، وإنما من صنع البشر. ولا يعترف بمفهوم السيادة الوطنية للدول أو بحق هذه الدول في ممارسة سيادتها على أراضيها، فالأرض أرض الله. وبما أن حماس فرع لحزب الله وايران في الجبهة الفلسطينية، فالواجب الديني (السياسي) مناصرة أخوتنا في الله بأي ثمن ولو علي حساب كل القوانين الدولية الوضعية، وهو ما أفصح عنه السيد نصرالله ودون خجل: أن السلاح المهرب جزء من عملية quot; لوجستية quot;.
وهكذا، وببساطة، يخلع السيد صفة laquo;المقدسraquo; على الموقف الإيديولوجي الذي ليس على الآخرين سوى تبنيه، وهو تبرير المقاومة المسلحة وحق التدخل في أي مكان طالما أننا في حالة حرب، حتي ولو كانت هذه الدولة التي ننتهك أراضيها، في معاهدة سلام مع إسرائيل منذ ثلاثين سنة، مما يعني تعميم الوضع في لبنان على البلدان العربية الأخرى.
لكن، ماذا عن الطرف الآخر في الصراع (أو النبوءة)؟... مكاسب استراتيجية بالجملة للإسرائيليين، عددها موقع الصحافي صالح النعامي، منها: أن quot;أمنون أبراموفيتشquot; كبير المعلقين في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، اعتبر quot; تفجر الأزمة مثل نقطة تحول فارقة لصالح إسرائيل في مواجهة إيران. ففي الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس أوباما عن استعداده لفتح حوار مع إيران، فإن تفجر الأزمة يشكل دليلاً على صحة معارضة إسرائيل للحوار مع إيران، على اعتبار أن إيران هي التي تقف وراء ما قام به حزب الله في مصر. وشدد أبراموفيتش على أن إسرائيل بصدد إستغلال هذه الأزمة للدفاع عن موقفها الذي يبرر التوجه للخيار العسكري في مواجهة البرنامج النووي الإيراني.
أما وزير الدولة الجنرال يوسي بيليد، عضو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، فرأي أن تفجر هذه القضية سيحسن من قدرة نتانياهو على تسويق حكومته اليمينية المتطرفة، وأن الضغوط الأمريكية الممارسة على حكومته للإعلان عن قبوله بحل الدولتين ستنتهي.
[email protected]