وسط حشد من الطالبات الجامعيات السعوديات قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في كلية دار الحكمة في جدة يوم 16 فبراير الجاري: إن الهدف الطويل الأمد للولايات المتحدة هو رؤية منطقة الشرق الأوسط برمتها، بما في ذلك إيران، خالية من الأسلحة النووية. وقد رددت في خطابها صدى موضوع كان قد طرحه الرئيس أوباما في خطاب ألقاه في أبريل 2009 في براغ دعا فيه إلى مستقبل يكون فيه العالم خاليا من الأسلحة النووية.
أوباما جعل هذا الموضوع هدفا رئيسًا من أهداف السياسة الخارجية في عدة لقاءات مع نظيره الروسي، الرئيس ديمتري ميدفيديف، في لندن وموسكو وهو الموضوع الذي نال عليه جائزة نوبل للسلام في عام 2009.

الاستفزاز الإيراني المستمر وضع الرئيس أوباما،‮ ‬على مفترق طرق متشابهة،‮ ‬إذ سيتعيّن عليه اتخاذ‮ ‬قرارات صعبة،‮ ‬تبدأ بالعقوبات وتنتهي بعمل عسكري ما،‮ ‬لأن مصداقيته باتت على المحك،‮ ‬وخيار إيران دولة نووية‮ ‬غير قابل للتفاوض لا مع الولايات المتحدة أو إسرائيل بالتأكيد،‮ ‬التي لم تتوقف قط عن إبداء استعدادها لضربة عسكرية تعرقل البرنامج النووي الايراني،‮ ‬وهنا بيت القصيد‮.‬

الخطر الذي تشكله ايران على منطقة الشرق الأوسط بامتلاكها السلاح النووي قد لا يكون باستخدامها ذلك السلاح ضد اسرائيل أو‮ ‬غيرها،‮ ‬وإنما هو في توظيفها امتلاك هذا السلاح لغرض الهيمنة الإقليمية،‮ ‬وما سيسفر عنه السماح لها بامتلاكه من سباق على التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط ككل‮.‬
كلينتون كررت هذا المعنى في زيارتها الأخيرة للخليج التي استغرقت ثلاثة أيام، وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيرها السعودي الأمير سعود الفيصل يوم 15 فبراير، تقول: quot; كل من أتحدث إليه في الخليج، بمن فيهم القادة هنا والقادة في أماكن أخرى في المنطقة، يعربون لي عن قلقهم العميق حول نوايا إيران.. ورغبتهم في الحصول على السلاح نفسه ليحموا شعوبهم quot;.

أما الخطر الذي تشكله إسرائيل ndash; برأينا - فهو لا ينحصر في امتلاكها السلاح النووي المحظور،‮ ‬وسط صمت مريب من المجتمع الدولي،‮ ‬وإنما في تهربها الدائم من تحقيق السلام مع الفلسطينيين،‮ ‬والانفلات المستمر من استحقاقاته،‮ ‬وهذان الخطران معا،‮ ‬إيران وإسرائيل،‮ ‬يشكلان امتحاناً‮ ‬صعبا أمام الرئيس أوباما،‮ ‬وليس البرنامج النووي الإيراني فقط‮.‬
في عدد ديسمبر الماضي 2009 نشرت مجلة‮ quot; ‬السياسة الخارجية‮ quot; ‬الأميركية مقالا مهما بعنوان‮ ( ‬إيران ليست تهديدا وجوديا‮ )‬،‮ ‬أما العنوان الفرعي فهو‮: ‬نجاح دبلوماسية أوباما مع الجمهورية الإسلامية،‮ يتوقف على صمت إسرائيل عن اطلاق الصرخات‮ (‬والشعارات الجوفاء‮)!‬


المؤلفان،‮ ‬فلينت ليفريت وهيلاري مان ليفريت،‮ ‬لديهما الخبرة الكافية‮ (‬20‮ ‬عاما‮) ‬في قضايا الشرق الأوسط خاصة إيران،‮ ‬فضلا عن أنهما استشاريان في المخاطر الدولية،‮ ‬ويعملان في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي‮.‬

برأيهما أن الولايات المتحدة تسير في الطريق الخاطئ،‮ ‬لأن فرض العقوبات على إيران لن يثنيها عن استكمال بنيتها التحتية النووية،‮ ‬أما الحل العسكري‮ ‬بدعم إسرائيلي فهو كارثي،‮ ‬ومحفوف بمخاطر‮ ‬غير محسوبة أو محتملة‮ على الشرق الأوسط والخليج تحديدا. ‬

المؤلفان يذكران أوباما بحديثه في الرابع من يونيو 2009 في جامعة القاهرة،‮ ‬ووعده: ‬جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل‮. ‬ورغم ان هذه الفكرة ليست جديدة،‮ ‬إذ طالبت مصر بها مرارا وتكرارا،‮ ‬فإن العقبة في سبيل تنفيذها هي‮ quot; ‬إسرائيل النووية‮ quot;‬،‮ ‬والإصرار الأميركي علي تفوقها العسكري والنوعي في المنطقة‮.‬

المؤلفان ينصحان أوباما بأن تمتثل إسرائيل،‮ ‬ولو مرة،‮ ‬لرغبة الولايات المتحدة والعالم بجعل المنطقة خالية بالفعل،‮ ‬وذلك بالانضمام إلى المعاهدة الدولية،‮ ‬وهو موقف يستحق التفكير بجدية من قبل الخارجية الأميركية والنخب السياسية‮.‬

حتى الآن لم تثبت إسرائيل للولايات المتحدة أنها جديرة بالثقة في عملية السلام في الشرق الأوسط على كافة المسارات‮: ‬الفلسطيني والسوري واللبناني،‮ ‬وحتى المرة الوحيدة التي أثبتت ذلك،‮ ‬كان السبق فيها للحكمة المصرية،‮ ‬التي استطاعت من خلال اتفاقية‮ quot; ‬كامب ديفيد‮ quot; ‬عام‮ ‬1978‮ ‬أن تبدد كل مزاعم ودعاوى إسرائيل عن المنطقة،‮ ‬خاصة الجيوش العربية التي ستتوحد من أجل‮ quot; ‬إلقاء اسرائيل في البحر‮quot;. ‬


الصرخات المدوية التي تطلقها إسرائيل بصفة دورية،‮ ‬حيال خطورة إيران النووية،‮ ‬لا تصمد‮ - ‬من وجهة نظر المؤلفين‮ - ‬أمام المنطق السليم،‮ ‬والغرض منها هو تكريس الحفاظ علي هيمنة إسرائيل العسكرية وتفوقها النوعي في المنطقة‮. ‬صحيح أن الولايات المتحدة‮ - ‬برأيهما‮ - ‬لديها التزام ثابت لبقاء اسرائيل والحفاظ علي أمنها،‮ ‬ولكن لا ينبغي أن نخلط بين هذا الالتزام وبين هيمنة إسرائيل العسكرية علي المنطقة إلى الأبد،‮ ‬والتي أصبحت ضد حركة التاريخ‮.‬

فقد حان الوقت بالنسبة إلى الولايات المتحدة وشركائها الدوليين للحصول على تعهدات جادة من إسرائيل بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل،‮ ‬وخلق بيئة أكثر أمنا لجميع دول المنطقة،‮ ‬وعندئذ فقط‮: ‬ستمتثل إيران لمطالب المجتمع الدولي،‮ ‬وإلا ستجد نفسها وحيدة في مواجهته‮. ‬
[email protected]