اقرار مجلس حقوق الانسان الدولي توصيات تقرير quot; غولدستون quot; حول الحرب الاسرائيلية الأخيرة على غزة، والذي أدان بمقتضاه كل السياسات والإجراءات الإسرائيلية، بما فى ذلك الإجراءات التى تمنع الفلسطينيين من الدخول الى ممتلكاتهم ومقدساتهم فى القدس الشرقية، حيث تمت عملية الاقرار بتصويت 25 دولة مقابل معارضة ستة أصوات فقط وامتناع 11 دولة عن التصويت، يؤكد أننا أصبحنا بالفعل (داخل) عصر حقوق الإنسان، وهو عصر يستوجب إعادة النظر في العديد من المسلمات، والمراجعة والنقد للكثير من الأطروحات التي درجنا عليها منذ العام 1990.
فلم يعد التشكيك بعالمية حقوق الإنسان، والتركيز علي الخصوصيات الدينية والقومية والثقافية، مقبولا في عصر يزداد فيه العالم اندماجا وانفتاحا في الوقت نفسه، وإنما أصبحت محاولة تجزئة حقوق الإنسان نوعا من التهرب من تطبيق معايير حقوق الإنسان الكونية، ومن الامتناع عن الانخراط الكامل في المسؤولية الجماعية عن العالم.
لذلك فإن الأجدي هو عدم الالتفاف حول هذه المسؤولية، والبحث من الناحية العملية في الآليات العالمية والإقليمية التي تمكننا من تطبيق ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أقوي وثيقة أخلاقية في التاريخ المعاصر.
والأمانة تقتضي الاعتراف بأنه منذ quot; إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام quot;، الذي تبنته دول المؤتمر الإسلامي عام 1990 كبديل عن الإعلان العالمي، والذي سمح بالإختباء وراء الخصوصية في ظل بعض مواده الغامضة والفضفاضة، أصبح سجل العالم العربي والإسلامي في معظم التقارير الدولية، هو الأسوأ عالميا في مجال حقوق الإنسان والحريات، ناهيك عن أن quot; كرامة quot; المواطن العربي والمسلم باتت في الحضيض الأسفلي، من المحيط إلي الخليج، وما بينهما.
فقد جاء في مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، أن quot; الاعتراف بكرامة جميع أفراد العائلة الإنسانية، وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للمساومة quot;، هو ما يمثل أساس الحرية، والعدالة، والسلم في العالم quot;. وهو ما يؤكد أن مفهوم الكرامة بالمعني الحديث، لم يعد مفهوما أخلاقيا وحسب وإنما أصبح مفهوما قانونياّ أيضا، فهو : المبدأ الأساس الذي يشمل المساواة بين الأفراد جميعا، ويمنع ndash; في الوقت نفسه - كافة أشكال التمييز بينهم، أو المعاملة اللا إنسانيّة أو المهينة التي تمس كرامتهم.
هكذا اختفى المفهوم التقليدي للكرامة الذي يستند على فكرة العرق والسلالة أو المكانة الاجتماعية ( الطبقية ) أو العقيدة والإيديولوجيا، وأصبح جميع البشر متساوين في الكرامة، وأصبح الشرط الأساس لكل إنسان كي يمتلك كرامته، هو : اعترافه بكرامة الآخر أيضا، أيا كان هذا الآخر.
في كتاب الفيلسوف الكندي quot; توماس دو كونيك quot;، المعنون بquot; الكرامة الإنسانية quot;، والحائز علي جائزة الأكاديمية الفرنسية عام 1996، تعريف مبتكر وبسيط للكرامة، يقول فيه : quot; الكرامة تعني أن الإنسان فوق كل ثمن quot;. فكل ما له ثمن، كما قال الفيلسوف الألماني quot; إمانويل كانط quot;، يمكن تغييره بشيء آخر، معادل له في القيمة، في حين أن ما يفوق أي ثمن.. له قيمة مطلقة quot;.
ولأن الكرامة هي قيمة مطلقة وليست quot; نسبية quot;، فهي quot; كل quot; وquot; واحد quot; صحيح ، لا يتجزأ ولا ينقسم ولا يتناقض بين ( باطن ) و( ظاهر ).. ( داخل ) و( خارج )، وهنا تكمن استحالة quot; تجزئة quot; حقوق الإنسان العالمية تحت أي زعم أو إدعاء للخصوصية الدينية والقومية والثقافية.
عصام عبدالله
[email protected]
التعليقات