quot; الدنيا خربانة quot; هي أشهر أغنية في بر مصر الآن، وبتعبير الشباب الروش ( أغنية فاجرة مالهاش حل، ونو كومنت )، يؤديها مغني صوته مجهد جدا و( أخنف ) اسمه إبراهيم عبدالرازق، و هو بلغة ولاد البلد: مغني ( علي ما تفرج )، بمعني: ما باليد حيلة، علينا سماعه لحين ما ربنا يسهل ويرزقنا بمغني صوته حلو! لكن الأغنية معدية وجامدة طحن، وأصبحت منتشرة وسط الأسواق الشعبية وفي المحلات ومع الباعة علي الأرصفة، وموبايلات الشباب الكووول وفي الأفراح الشعبية والموالد الدينية والميكروباصات، وحين تسمعها لأول مرة وتنظر حالة الاندماج في عيون الآخرين، لابد وأن يستوقفك quot; المعني quot; وليست الكلمات أو اللحن أو صوت المغني، أو قل المدلول السياسي الاقتصادي الاجتماعي للأغنية، ويبدو أنها عبرت عن حالة عامة ومزاج جماعي، لذا أثرت في كل تلك الوجوه الحائرة والحزينة والمحبطة واليائسة، وباختصار: داست في quot; وجع quot; الناس.
علي quot; اليوتيوب quot; يوجد أكثر من توزيع لهذه الأغنية تحديدا، وتركيب لصور ومواقف ومشاهد وأشخاص جسدت هذا الخراب المستعجل، كما يوجد استثمار لنجاح الأغنية من قبل منتجين وشعراء ومطربين شعبيين آخرين، لتتعدد دلالاتها وموضوعاتها وتتضخم ككرة الثلج. الأهم من ذلك أنها تستدعي إلي الذهن quot; المدونات quot; والمدونيين، وطائفة من الكتابات الأكثر مبيعا وانتشارا في مصر اليوم، بدءا من كتاب quot; ماذا حدث للمصريين.. تطور المجتمع المصري في نصف قرن 1945 ndash; 1995 quot; لجلال أمين، الذي يرصد في سلاسة وعمق ما حدث من تغيرات في حياة المصريين وطريقتهم خلال نصف القرن الماضي وذلك بأسلوب ساخر جذاب، ومعظم كتابات بلال فضل، مرورا بquot; وجع المصريين quot; لخليل فاضل، وquot; ضاع العمر ياوطنى quot; ليوسف معاطى، و quot; شكلها باظت quot; لعمر طاهر، و quot; مصر ليست أمى.. دى مرات أبويا quot; لأسامة غريب، وانتهاء ب quot; مصر من البلكونة quot; لمحمد فتحي، وquot; فيصل.. تحرير.. أيام الديسك والميكروباص quot; لحمدي عبدالرحيم. وفى هذا الكتاب الأخير يعرض عبد الرحيم تجربته فى مطبخ الصحافة المصرية quot;الديسكquot; وفى الميكروباص، بأسلوب أدبى ساخر يكشف معالم مصر التى لا يتحدث عنها أحد، مصر الفقيرة، قليلة الحظ، المنهوبة، ليوضح أنه رغم الأهوال التى يتعرض المصريون لها، مازالوا قادرين على العطاء والحياة والضحك والتفاؤل.
قبل أيام صدر الكتاب الأول للكاتب الصحفي علاء توفيق، الذي حمل عنوانا صادما للقارئ وهو‮ (‬نكاح بلا عدد‮)، ويضم رباعياته‮ القصصية: ‬نكاح بلا عدد،‮ ‬بيع البشر،‮ ‬القطار،‮ ‬الانبطاح،‮ ‬شخير الخبز،‮ ‬رئيس الحي،‮ ‬نوم البلاط،‮ ‬ألف ليلة،‮ ‬كفر المطحون،‮ ‬طايفة الخدام،‮ ‬أرداف الصباح،‮ ‬لصوص الغرام،‮ ‬شيخ العرب،‮ ‬بيت الصبية،‮ ‬ديمقراطية عريانة،‮ ‬والحور العين‮.
في مقدمة الكتاب، يباغتنا المؤلف بوصف تفصيلي لأسباب هذا quot; الخراب quot;، يقول: quot; تتعدد نماذج الظلم، وكما يوجد في المجتمع، يكون أيضا داخل الأسرة، كأن تتزوج الأنثي الحرة من الشخص الخطأ، رغم عدم موافقتها، ثم تنجب منه رغم أنفها. فتكون الأسرة عبارة عن مغتصب هو أقرب إلي البلطجي منه إلي الأب، ومقهورة هي أقرب إلي الأمة منها إلي الأم، وذرية من نكاح فاسد. فهل تستقيم مثل هذه الأسرة؟! هل يكون لها طموح؟! هل تستطيع صنع حضارة؟!. يجب إذن إشاعة العدالة في جميع أرجاء المجتمع، ابتداء من اختيار الأنثي زوجها، وانتهاء باختيار الدولة حاكمها.. فكلها رموز والحياة واحدة quot;.
quot; أيوب quot; رمز الصبر وصوت التاريخ، هو الراوي علي طول صفحات الكتاب، الذي يقص علي ابنه quot; صابر quot; قصة quot; صابرة quot; المسكينة المقهورة التي كتب عليها ألا تختار رجلها أبدا ( أو حاكمها لا فرق )، لذا أطلقوا علي قصتها quot; نكاح بلا عدد quot;. وصابرة هي مثل أبي الهول في صمتها وقدرتها علي تحمل النوازل، لا يعرف أحد من أهل القرية عمرها الحقيقي، لم يصدق أولادها أن شيخ الخفراء quot; أبو حنضل quot; جاء يطلبها للزواج، وهو أقوي رجال القرية علي الاطلاق، تحت قيادته جيش يحرس القرية ويؤمن حدودها ويدفع عنها الطامعين، لكنه استعمل فقط هذه القوة: في قهر المسكينة.
ففي القاعة الرئيسية التي شهدت مراسم عقد قران صابرة وأبو حنضل، يصف المؤلف مشهد ( النكاح الحرام ) بقوله: quot; حضر المأذون وبيده دفتر.. جلس بين quot; أبو حنضل quot; وأكبر أبناء صابرة.. وحولهم التف الخفراء.. فتح المأذون الدفتر.. فاجأه شئ! تغيرت ملامح وجهه.. ولما سألوه قال بأسي: أنه أحضر دفتر الطلاق.. وغمغم الجالسون.. فبادرهم أبو حنضل لكي لا يفلت زمام الأمور من يده: لا يهم نوع الدفتر.. اعقد الزواج في دفتر الطلاق.. زمجر الخفراء، فأطاع رجل الدين، وأطاعت هي، وصمت أولاد صابرة، ثم أجال بصره بين الحاضرين وهتف بحسم: موافقة.
عند الكوبري وقف درويش القرية ومطربها quot; جعران quot; غني علي الربابة موال صابرة.. وقال في المقطع الأخير:
يا خضرة جوزك أسد
سكت الرجال ما نطق أحد
من يوم ميلادك
زاد عرسانك
فاقوا من كترهم علم العدد
آه يا ولد.. لف البلد
غني لصابرة الخضرة
ونوح علي ولاد البلد
ده.. حالهم للأبد
شيخ الخفر قادر
شيخ الخفر فاجر
شيخ الخفر ناكح
شيخ الخفر رايح
وييجي بلا عدد
خفير يسرق بلد
.......................
والدنيا خربانة!
http://www.4shared.com/file/9870537/53812002/___fox_.html

عصام عبدالله
[email protected]