السياسي الروسي المخضرم quot;يفجيني بريماكوفquot;، لاحظ ان الأحداث في مصر تحمل طابعا اجتماعيا (مدنيا) وليس دينيا، وأن تأثير الحداثة علي مصر ثقافيا واجتماعيا، ظهر في تحركات وشعارات ورموز هذه الثورة، حيث لعبت quot;العفويةquot; المدعمة بوسائل الاتصال الحديثة عبر الانترنت والموبايل، دورا في هذه الثورة التي انخرط فيها الملايين في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة.
كلام بريماكوف يفسر (جزئيا) حالة quot;التخبطquot; وquot;التناقضquot; وquot;الخلطquot;، التي شابت أغلب المواقف والتقديرات حتي الآن، فقد رأت جريدة quot;نيويورك تايمزquot; أن إدارة أوباما متخبطة تجاه الأزمة المصرية (أرجوك عزيزي القارئ لا تصدق هذا الكلام)، وعبرت وكالات الأنباء عن هذا المعني نفسه: واشنطون تنأي بنفسها عن تصريحات مبعوثها (فرانك ويزنر) التي أيدت استمرار مبارك في فترة الانتقال، ناهيك عن أن الخبراء الاستراتيجيين الدوليين نصحوا المصريين بالاستفادة من تجربة تركيا التي مزجت بين الإسلام والديمقراطية وحيوية النظام الاقتصادي، وباختصار: الأخذ بالنموذج التركي وليس الإيراني!.
زاد من حالة التشوش والضبابية هذه، وعدم فهم ما يحدث علي الأرض في مصر، اصرار النظام الحاكم علي quot;تجديدquot; طلاء البيت من الخارج وليس إعادة بناء البيت، فلم يتخذ النظام مثلا ndash; رغم التعيينات الجديدة والإقالات والتوقيفات ndash; قرارات quot;جوهريةquot; حاسمة مثل: فصل رأس النظام عن رئاسة الحزب الوطني الحاكم، وإلغاء القوانين سيئة السمعة مثل قانون الطوارئ، أو حل مجلس الشعب المشكوك في شرعيته والمتهم بالتزوير في الانتخابات السابقة،.... والقائمة تطول.
أضف إلي ذلك أن تشكيل لجان الحكماء في هذا التوقيت من عمر الثورة ndash; مع خالص الاحترام لشخوصها ونواياهم المخلصة ndash; هي محاولة لايجاد (مخرج للنظام الحاكم) وليست حلولا للأزمة المحتدمة في الشارع بين مطالب هؤلاء الشباب وquot;العنادquot; السافر والمقنع من قبل النظام ورموزه. وكأن هذه اللجان تحاول الالتفاف ndash; بوعي أو دون وعي - علي ثورة الشباب التي هي أشبه بquot; قبلة الحياة quot; التي أعادت الروح إلي الجسد المصري بكل أعضائه، ولم يستطع أي من هؤلا الحكماء الاجابة عن سؤال محوري طرحته أصغر الأعضاء عمرا في حركة شباب (6 ابريل) : من يمثل من؟.. مما يثير الشكوك حول نوايا النظام وأهدافه الحقيقية حيث لايزال يناور ndash; ربما - من أجل كسب المزيد من الوقت لإعادة تنظيم صفوفه وترتيب أوراقه وتغيير الوجوه وليست السياسات.
الحوار الذي تم اليوم بين ممثلين من القوي الحزبية وبعض الشباب والشخصيات العامة ونائب رئيس الجمهورية السيد عمر سليمان، يظل حوارا ولن يخرج عن كونه كذلك، أو عن ما حدده النظام سلفا من جدول أعمال لبدء هذا الحوار ونتائجه، لأن مفهوم الحوار ومعناه في نهاية المطاف يختلف عن quot;التفاوضquot; الذي يؤدي الي الحلول التفاوضية التوافقية، ويخرج بنتائج قابلة للتحقيق وممهورة بضمانات مؤسسية، تمكن من الدخول في مرحلة انتقالية تنتهي بالتحول الديمقراطي الحقيقي.
هل معني ذلك أن ثورة 25 يناير 2011 سيتم اجهاضها، سواء من داخلها أو من الخارج، عاجلا أم آجلا؟ هل يراهن النظام علي عنصر الزمن واجهاد الشباب الثائرين وتململهم بعد محاصرتهم (آمنين) في ميدان التحرير؟ هل ينجح النظام في تطويق أكبر أزمة حقيقية واجهته منذ ثلاثين عاما وأدت إلي زلزلة أركانه وتشوية صورته (لتعود ريما إلي عادااااتها)؟
مفتاح الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها هو quot;الجيشquot;، والجيش وحده... كيف؟
في تصوري ndash; وقد أكون مخطئا ndash; أن الجيش هو الذي يحافظ اليوم علي بقاء(رأس النظام) لتفكيك كل أساسات البيت وأعمدته.. سراديبه وواجهاته، بنفس القدر الذ يحافظ به علي هؤلاء quot;الشباب الأحرارquot; ومطالبهم وشعاراتهم المرفوعة (بما فيها رحيل الرئيس مبارك نفسه) وفي قلب ميدان التحرير، فمنذ ثورة يوليو 1952 والجيش هو quot;أساسquot; السلطة في مصر، وهو صاحب إمتيازات سياسية وإقتصادية واجتماعية كبيرة جداً، كما أنه هو الضامن الأكبر لهذه الثورة الشعبية العفوية التلقائية (وطابعها المدني)، والانتقال الي مرحلة جديدة للحكم تستطيع أن تلبي استحقاقات العصر وتجابه في الوقت نفسه تحدياته، وهي مرحلة غير مسبوقة تختلف عما حدث منذ 23 يوليو 1952 وحتي 25 يناير 2011، يؤيد هذا الطرح أن الجيش هو الضامن الأكبر للسلام اليوم في منطقة الشرق الأوسط، والحفاظ علي الاتفاقيات والتعهدات الدولية السابقة والقادمة، لأنه ببساطة هو الوحيد القادر علي (الحرب)، نحن إذا أمام ثورة جديدة في 25 يناير 2011 يقودها quot;الشباب الأحرارquot; تحت حماية الجيش المصري ودعمه الكامل، وهو نموذج مصري خالص تظهر ملامحه بوضوح يوما بعد يوم.

عصام عبدالله
[email protected]