في أعقاب زلزال 11 سبتمبر الرهيب، وتوابعه، صدر كتاب (فرط الإرهاب: الحرب الجديدة) عام 2002، تحرير البروفسور فرانسوا هايزبور وبمشاركة مجموعة من الباحثين الفرنسيين في مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس، تمحورت أبحاثه حول هذا السؤال الجوهري: هل نشهد الآن حرباً دينية كحرب الثلاثين عاما التي شهدتها أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت (1618 -1648)، أم أننا نشهد حرباً طويلة الأمد، لها ائتلاف دولي متغير ومتعدد، وذو مستويات تضامنية مختلفة؟
هذا السؤال أكده رئيس الوزراء البريطاني الأسبق quot; توني بلير quot; في مذكراته quot; رحلة quot; التي صدرت في الأول من سبتمبر 2010، متزامنة مع الذكري التاسعة للحادي عشر من سبتمبر عام 2001، والذكري السابعة لحرب العراق 2003، التي يتهمه البريطانيون بتوريط بلادهم فيها، بينما يصر بلير علي أنه لو عادت به عقارب الزمن إلي الوراء، لأتخذ القرار نفسه، لماذا؟.. quot;لأن هجمات 11 سبتمبر مثلت إعلان حرب (من عدو) من نوع جديد quot;.. وشكلت quot; وثبة نوعية وكمية quot; من حيث التنظيم والتزامن واللوجستية، إنها quot; قطيعة إستراتيجية هامةquot;.
الجديد بعد تسعة أعوام، هو أن مرحلة التساؤل والبحث والمراجعة والنقد قد ولت بلا رجعة، ولم يعد مقبولا أو مبررا أن تقرأ كتابا بعنوان: quot;ما الذي (حدث) في حدث 11 سبتمبر quot; أو quot; لماذا يقاتلون بموتهم؟ quot;، وإنما أصبح المناخ العام مهيئا في الغرب لمناقشة كتاب بعنوان: quot; العالم بدون إسلام quot; أو quot; ألمانيا تدمر نفسها quot;، فضلا عن (إحياء) فلسفة السياسي وعالم القانون الألماني quot; كارل شميت quot;، الذي رأي في quot; الآخر quot; عدوا، وquot; الأجنبي quot; خطرا يجب التخلص منه مهما كلفنا الثمن.
شميت كان من ملاك الحقيقة المطلقة، وهو الذي دشن فكرة (الصواب) السياسي بالمعني الميتافيزيقي، التي تمنح الإنسان قوة أن يعلن في شجاعة ما يفكر فيه في السر، ولا يخجل من كشف المستور والمكبوت والمقموع، طالما أنه في صالح بلده ولو (أهان الآخرين) ودمرهم، وهي نفس الفكرة التي يعتنقها قادة اليمين الأوروبي أمثال الهولندي جيرت فيلدرز، والنمساوية ماريا فيكترrlm;، والفرنسي جان ماري لوبان، فضلا عن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة.
أفكار شميت تتجاوز اليوم اليمين والمحافظين الجدد، لتطال بعض أقطاب اليسار الأوروبي أيضا. ففي نهاية أغسطس 2010 صدر كتاب في ألمانيا، حمل عنوانا لافتا: quot; ألمانيا تدمر نفسها quot;، تأليف (تيلو ساراتسين) المسئول بالبنك المركزي الألماني والعضو البارز في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وليس الحزب المسيحي الديمقراطي، مما يشير إلي أن هناك مناخا عاما ووسطا اجتماعيا مهيئا لتقبل أفكاره، وحسب تقرير quot; معهد ديمابrlm; quot;rlm; فإن 70% من الألمان تتملكهم نظرة الخوف من الأجانب.
ساراتسين أكد في مقابلاته الصحفية والتليفزيونية، قبيل صدور الكتاب وبعده، علي فكرتين أساسيتين، الأولي: quot; أن المسلمين في أوروبا (العرب والأتراك) أقلّ الجاليات ذكاءً، وهم غير راغبين أو قادرين على الاندماج في المجتمع الألماني quot;، ولذا فإن ألمانيا تسير على طريق تدمير نفسها من الناحية النوعية.
الفكرة الثانية: quot; أن اليهود يحملون جيناً معيناً يُساعد على معرفتهم ومن الممكن جداً تمييزهم، تماماً كمتمردي إقليم الباسك الأسباني quot;، وهو ما دفع quot; ستيفان كرامر quot; ndash; رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، إلي القول: quot; بإن ساراتسين يصطاد في الماء العكر، وهو يحب ان يفعل ذلك دائما. ويحاول أن يدفع الأقليات للاصطدام ببعضها البعض. لكنني أقول ان اليهود الذين يستخدمون لغة العقل لن ينقادوا الى ذلك quot;.
استطلاعات الرأي العام أشارت بالفعل إلى أن الألمان منقسمون حول الكتاب ومؤلفه، نحو 35 بالمئة أكدوا أنهم يرفضون هذه الأفكار العنصرية، بينما أيدها حوالي 30 بالمئة من المستجوبين. الصحف الألمانية بدورها، تضاربت عناوينها، فقد ذكرت صحيفة quot; دي فيلت quot; أن هذا الشخص بورجوازي ذكي يتجاوز المسلمات ويسمي الأشياء بمسمياتها، بينما أعتبرته جريدة quot; فيست ألجامينه تسيوتنج quot; أنه تجاوز الخطوط الحمراء وعرض نفسه لتهمة العنصرية.
ساراتسين يضفر مجموعة القضايا الشائكة، كالعلاقة بين تدني مستوي التعليم والأقتصاد والجينات والحجاب والإعانة الإجتماعية والإنعزال ووهم الإندماج في المجتمع، ليثبت فكرة تشكل هاجسا مقلقا في الغرب، ونوعا من الرعب في مجتمعات الرفاهية بوجه عام، وهي فكرة quot; الانهيار quot; وquot; الأفول quot; التي دشنها quot; أوزفالد شبنجلر quot; عام 1918 في كتابه الذائع الصيت (أفول الغرب) فيما بين الحربين العالميتين (1914 ndash; 1945)، وهي فكرة لا ينبغي الاستهانة بها أو تسفيهها لأنها تتجاوز (الديني) إلي (الثقافي) بالمعني الواسع، والحاضر المأزوم إلي المستقبل المأمول، وهو ما يشغل الغرب كله الآن... فماذا نحن فاعلون؟!