سحابة رماد بركان أيسلندا وآثارها على الاقتصاد العالمي، أعادت للأذهان تداعيات الإرهاب في 11 سبتمبر. فقد أسفر إلغاء رحلات الطيران لمدة خمسة أيام، عن خسائر في مجال الصناعة بلغت حتي اليوم بليون دولار، كما بدأ بعض رجال الصناعة يطالبون بتعويضات من الحكومات الأوروبية ومن الاتحاد الأوروبي، بما يشبه الطريقة التي تم بها تعويض الشركات التجارية بعد توقف حركة الطيران في الولايات المتحدة في العام 2001.
في الوقت نفسه، نشط الحديث من جديد عن الظواهر الطبيعية والصدفة وقدرة العقل علي التنبؤ بالأحداث والظواهر مستقبلا، مع التركيز علي مناقشة ما قاله الفيلسوف والرياضي الأمريكي المعاصر quot; كيث ديفيلين quot; عن quot; ميلاد منطق جديد للعقل الإنساني quot;.
ففي عام 1996 صدرت الطبعة الأولي من كتاب جديد في بابه ومضمونه ومنهجه، ما تزال تتوالي طبعاته بست لغات ( ليس من بينها اللغة العربية )، حمل عنوانquot; وداعا ديكارت quot;، حذر ديفيلين فيه من أن ملامح هذا العقل وقسماته وقواعده وآلياته لم تعرف بعد بشكل كافrlm;،rlm; وهو مايبعث علي القلق والحذر في تعاملنا مع المستقبل، علي حد قولهrlm;. rlm;
هذا الكتاب كان أشبه بالنبوءه التي حققت نفسها بنفسهاrlm;,rlm; خاصة بعد زلزالrlm;11rlm; سبتمبر الرهيبrlm; عام 2001 ,rlm; ففي أحد فصوله الهامة يستعير المؤلف من لويس كارول في كتابه ( أليس في بلاد العجائب ) تشبيه عصرنا هذا بـ quot; تكشيرة القطةrlm; quot;.. أو قل هذا التنمر العدواني الكامن خلف الوداعة الخادعة للقططrlm;، والذي يظهر بغته في لحظة لا نتوقعهاrlm;,rlm; ويبقي أثره السيئ في مخيلتنا لبرهةrlm;.rlm; وحسب ديفلين فإن الجديد في عصرنا هو أننا سنري دائما هذه التكشيرة لكن دون أن نري القطة أبداrlm;!..
ربما كان الفيلسوف الفرنسي المعاصر quot; جاك دريدا quot; هو أول من تبني رأي quot; ديفيلين quot; وطوره، ففي رأيه أن 11 سبتمبر quot;حدثquot; استطاع اجتياح المجال العام والحياة العامة، وقد نجح هذا الفعل في استحداث تاريخ مفصلي، والشيء الذي استحدث تاريخًا quot;هو دومًا الضربة الموجهة، فلقد استطاع هذا الحدث أن يكون حدثًا مؤثرًا فريدًا غير مسبوقquot;(1).
إن ما أصيب، حسب دريدا: ليس ارتطام الطائرات ولا الأشخاص والمباني والهياكل المعمارية المدنية ذات الدلالة الاستراتيجية والرمزية معًا على النفوذ الرأسمالي السياسي والعسكري فحسب، بل أن ما أصيب من خلال كل ذلك هو، ربما وفوق كل شيء ذات الآلة المفاهيمية والدلالية التأملية التي كان من شأنها أن تتيح لنا أن نتنبأ بما حدث أو نفهمه، أو نقوم بتأويله ووصفه والتحدث عنهquot;(2).
من المحلّلين النّفسيّين المعاصرين quot; دانيال سيبوني quot; الّذي كتب مقالات كثيرة تعالج الأحداث والظّواهر الجديدة الّتي تفاجئنا كل يوم ( بجدّتها)، أو بعودتها في أشكال جديدة.
سيبوني أجمل رؤيته في كتاب ضخم، ثلاثة أجزاء، عنونه بquot; أحداث quot;.. والحدث برأيه هو الاصطدام الّذي يحدث مع الواقع، أو هو هذا اللّقاء الصّادم مع الواقع، فإنّ الأحداث الّتي لا نتعجّب من وقوعها وإنّما من عدم تنبّئنا بوقوعها، تخفي في حقيقة الأمر ميلنا إلى أن نتوقّع حدوث quot;كلّ شيءquot; حتّى لا يحدث quot;شيءquot; فلا يحدث لنا quot;أيّ شيءquot;.
بين عامي 1870 - 1925، بدأت الموجة الثانية من موجات العولمة ( بعد الكشوف الجغرافية في عصر النهضة )، وضبط quot; التوقع quot; واستشراف quot; الأحداث quot; وquot; التنبؤ بالمستقبل quot; وهي بداية ما يعرف بالحكمة الجماعية والتأكيد علي المشترك الإنساني للافكار. ففي نهاية القرن التاسع عشر تم التوصل رسميًا إلى مستجدات بشرية جغرافية، في إطار ضبط النطاق الزمني للعالم، وإنشاء خط للمواعيد الدولية، والتبني العالمي للتقويم الجريجوري، وتأسيس شفرات تلغرافية وإشارية دولية، ومن هنا انتشر الوعي بالكونية بسرعةraquo;(3)، الذي تسارع واكتمل مع بداية الألفية الثالثة، أو الموجة الثالثة للعولمة.
لكن.. بركان أيسلندا في إبريل 2010، نبه البشرية إلي أمر أساسي، يتم تغافله أو تناسيه غالبا، لخصه quot; راي سواريز quot; كبير مراسلي برنامج (نيوز أور) الإخباري بقوله: quot;في اللحظة الراهنة، فإن الطبيعة تذكّر البشر بأن الخطط والنظم والجداول ينبغي عليها في بعض الأحيان أن تفسح المجال لكوكب يسير حسب التوقيت الخاص بهquot;.

الهوامش:

1 - جاك دريدا: ما الذي حدث في quot;حدثquot; 11 سبتمبر؟ ترجمة: صفاء فتحي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2003، ص - 51.
2 - المرجع نفسه: ص - 66.
3 ndash; رونالد روبرتسون: العولمة.. النظرية الاجتماعية والثقافة الكونية، ترجمة: أحمد محمود، نورا أمين، مراجعة وتقديم: محمد حافظ دياب، المشروع القومي للترجمة (78) المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 1998، ص - 359، 360.


[email protected]