أهلا أهلا بالثوار
أهلا أهلا بالأحرار
حمدا علي السلامة.. اتفضل مرحبا
تحيات وسلامات يسمعها كل قادم إلي ميدان التحرير، تحوطة بقشعريرة الألفة والدفء والانتماء الرحمي، كرنفال الأعلام والشعارات والوجوه الباسمة تختلط مع صور الشهداء والدعاء والعهد بالوفاء، هتاف المتظاهرين المرابطين والقادمين يختلط مع صوت مصر quot; شادية quot;:
يا بلادي.. يا أحلي البلاد يا بلادي
فداكي.. أنا والولاد يا بلادي
يا حبيبتي يا مصر يا مصر
صوت المذيع يقطع الجموع فجأة ليعلن قدوم مظاهرة من هنا أو من هناك باتجاه ميدان التحرير، تصفيق حاد يزلزل مبني مجمع التحرير (رمز البيروقراطية المصرية حسب تعبير جمال حمدان).

العندليب الأسمر يغني بالجماهير، كلمات العبقري صلاح جاهين، التي كتبها خصيصا لهذا الشعب الحي في كل زمان.
صورة صورة صورة
كلنا كدة عايزين صورة
صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة
يا زمان صورنا.. صورنا يا زمان
حنقرب من بعض كمان
والي حا يبعد من الميدان
عمره ما حيبان في الصورة

أغاني نصر أكتوبر 1973 لخصت حالة عامة لملايين الناس، وجدوا ضالتهم وأنفسهم وأحبابهم وأهاليهم في الميدان... كيف؟

إذا وضعت كلمتين فقط‮،‮ ‬هما‮: ‬نصر أكتوبر‮،‮ ‬علي أي محرك بحث علي شبكة الانترنت‮،‮ ‬دون أن تذكر‮ ‬السادس من أكتوبر‮ ‬ عام‮ ‬1973‮،‮ ‬ستنهمر أمامك عشرات الصفحات والصور الالكترونية عن الحرب التي‮ ‬غيرت معني الحروب في العالم‮،‮ ‬وأثبتت أن المصري هو‮ ‬خير جنود الأرض‮ ‬قولا وفعلا‮،‮ ‬وأن قدراته وأدواره تفوق بكثير أحدث الآليات العسكرية والتكنولوجية‮ ‬ وسط هذا السيل الرقمي الجارف‮،‮ ‬وتلك الغابة من الألياف الضوئية‮،‮ ‬لابد وأن تقع عيناك قبل أن تجهد طبعا‮،‮ ‬علي كلمة واحدة ستتكرر بثبات علي شاشة الكمبيوتر‮،‮ ‬مع كل موضوع أو صورة‮.. ‬هذه الكلمة هي‮: ‬الكرامة‮.‬

وإليك نتائج البحث في صفحة واحدة فقط‮: ‬يوم الكرامة‮،‮ ‬ذكري الكرامة‮،‮ ‬رد الكرامة‮،‮ ‬رمز الكرامة‮،‮ ‬معركة الكرامة‮،‮ ‬حرب الكرامة‮،‮ ‬انتصار الكرامة‮،‮ ‬النصر والكرامة‮،‮ ‬الكرامة والعزة‮،‮ ‬الكرامة والشرف‮،‮ ‬الكرامة الوطنية‮..... ‬ويبدو ان هذه quot; الكرامة quot; التي تاهت من زمان وغيبت بفعل فاعل مع سبق الاصرار والترصد، هي أول وأهم وأغلي ما أسترده المصريون في نهار أبيض يوم 25 يناير عام 2011

كل الثورات العظيمة توقظ في الإنسان ‬- في أي زمان ومكان - احساسه بذاته وقيمته وكرامته‮. ‬وما الثورة الفرنسية عام‮ ‬1789‮ ‬إلا تجسيد عميق لمفهوم الكرامة الذي يرتبط بمفهوم الحرية والتحرر والاستقلال‮،‮ ‬وبسبب ذلك‮،‮ ‬أصبحت الكرامة هي حجر الزاوية لحقوق الإنسان في العالم أجمع‮،‮ ‬لا فرق بين شرق أو‮ ‬غرب‮.. ‬شمال أو جنوب‮،‮ ‬أو حتي‮ ‬وسط‮.‬

فقد جاء في مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة‮ ‬1948‮،‮ ‬أن‮ ‬الاعتراف بكرامة جميع أفراد العائلة الإنسانية،‮ ‬وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للمساومة‮،‮ ‬هو ما يمثل أساس الحرية،‮ ‬والعدالة،‮ ‬والسلم في العالم‮. ‬وهو ما يؤكد أن مفهوم الكرامة بالمعني الحديث‮،‮ ‬لم يعد مفهوما أخلاقيا وحسب وإنما أصبح مفهوما قانونياّ‮ ‬أيضا‮،‮ ‬فهو‮: ‬المبدأ الأساسي الذي يشمل المساواة بين الأفراد جميعا‮،‮ ‬ويمنع في الوقت نفسه‮ - ‬جميع أشكال التمييز بينهم‮،‮ ‬أو المعاملة اللا إنسانية أو المهينة التي تمس كرامتهم‮.‬

هكذا اختفي المفهوم التقليدي للكرامة الذي يستند علي فكرة العرق والسلالة أو المكانة الاجتماعية‮ ‬الطبقية‮ ‬أو العقيدة والإيديولوجيا‮،‮ ‬وأصبح جميع البشر متساوين في الكرامة‮،‮ ‬وأصبح الشرط الأساسي لكل إنسان كي يمتلك كرامته‮،‮ ‬هو‮: ‬اعترافه بكرامة الآخر أيضا‮،‮ ‬أيا كان هذا الآخر‮.‬

في كتاب الفيلسوف الكندي‮ ‬توماس دو كونيك‮،‮ ‬المعنون ب‮ ‬الكرامة الإنسانية‮،‮ ‬والحائز علي جائزة الأكاديمية الفرنسية عام‮ ‬1996‮،‮ ‬تعريف مبتكر وبسيط‮ ‬للكرامة‮،‮ ‬يقول فيه‮: ‬الكرامة تعني أن الإنسان فوق كل ثمن‮. ‬فكل ما له ثمن،‮ ‬كما قال الفيلسوف الألماني‮ ‬إمانويل كانت‮،‮ ‬يمكن تغييره بشيء آخر،‮ ‬معادل له في القيمة،‮ ‬في حين أن ما يفوق أي ثمن‮.. ‬له قيمة مطلقة‮. ‬

ولأن الكرامة هي قيمة مطلقة وليست‮ ‬نسبية‮،‮ ‬فهي‮ ‬كل‮ ‬و‮واحد‮ ‬صحيح‮،‮ ‬لا يتجزأ ولا ينقسم ولا يتناقض بين‮ ‬باطن‮ ‬و‮ ‬ظاهر‮.. ‬داخل‮ ‬و‮ ‬خارج‮،‮ ‬فكرامة المصري التي أهدرها هذا النظام بجدارة، وتفنن في اذلاله وسحقه واهانته بشكل ممنهج، استردها الشباب الأحرار (الشهداء ndash; الأحياء) بدمائهم الطاهرة الذكية، ولن يفرط فيها أي مصري حقيقي مرة أخري مهما كان الثمن، بعد أن كان قبل 25 يناير 2011 ضالا فوجد.. ميتا فعاش؟

[email protected]