في نهاية السبعينيات من القرن العشرين، وبالتحديد عام 1979 ظهرت حركة دينية جديدة عرفت بإسم quot; الغالبية الأخلاقية quot; بزعامة القس quot; جيري فولويل quot; مؤسس الكنيسة التليفزيونية في العالم (والأب الروحي للفضائيات الدينية المنتشرة اليوم).

أيد جيري فولويل وحركته انتخاب الرئيس quot; رونالد ريجان quot; حاكما لولاية كاليفورنيا ثم رئيسا للولايات المتحدة عام 1980، كما أيده في مبادرة الدفاع الاستراتيجي (SDI) التي عرفت فيما بعد quot; ببرنامج حرب النجوم quot; عام 1988، وهو البرنامج الذي أسقط الاتحاد السوفييتي السابق ووضع نهاية الحرب الباردة عام 1989، كما يقول أغلب المحللين.

في العام نفسه 1979، أعلن quot; هنري كيسنجر quot; مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجيةrlm; الأشهر في مرحلة الحرب الباردة، بأن الألفية الثالثة بدأت بالفعل، وأن الصراعات في المستقبل ستكون بين الهويات والأديان، خاصة بعد نجاح ثورة الإمام الخوميني في إيران، وصعود نجم المحافظين في انجلترا بزعامة مارجريت تاتشر quot; المرأة الحديدية quot;، وتحقيق السلام بين مصر واسرائيل بموجب معاهدة quot;كامب ديفيدquot;.

معروف أن كيسنجر هو الذي رتب للقاء quot; فولويل quot; مع الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجين، اللذان طلبا من فولويل لعب دورا (دينيا) في انجاح عملية السلام المصرية الإسرائيلية، والترويج لها في الولايات المتحدة والعالم لكسب المزيد من المؤيدين، وهو الذي شجع الرئيس السادات علي إنشاء مجمع للأديان الثلاثة في سيناء.

العقل المفكر الذي صاغ القاعدة العقائدية (للغالبية الأخلاقية) أو قل الحركة اليمينية المحافظة في الولايات المتحدة، ليس quot; فولويل quot; وإنما الفيلسوف quot; وليم باكلي quot; (1925 ndash; 2008)، الذي يعد quot; أهم مثقف في الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بل وروح الفكر الأميركي المحافظ quot; كما يقول المؤرخ الأمريكي الشهير quot; وليم ناش quot; في كتاب quot; كلمات باكلي quot;.

أما الصحفي المخضرم quot; جورج فيل quot; فقد لخص دوره في حركة المحافظين، التي بلغت ذروتها مع فوز رونالد ريجان بالانتخابات الرئاسية مدتين متتاليتين (1980 - 1988)، بقوله : quot;جميع القصص في الكتاب المقدس تبدأ في سفر التكوين. وجد قبل رونالد ريجان بيري جولد فيتر. وقبل جولد فيتر كانت quot;الناشينال رفيوquot;. وقبل quot;الناشينال رفيوquot; كان quot;وليم باكليquot;. في اشارة إلي مقالات باكلي الصحفية الأسبوعية في quot; الناشيونال رفيو quot;، التي أسسها في عام 1955، واصبحت لسان حال حركة المحافظين.

اللافت للنظر ان كلا من quot; الفيلسوف باكلي quot; وquot; السياسي ريجان quot; والقس فولويل quot;، أصبحوا اليوم من الآباء المؤسسين لحركة quot; حفلات الشاي quot; وإن لم يستخدم أي منهم هذا التعبير. أما تسمية الحركة فقد جاءت من حادثة تاريخية جرت عام 1773 في ميناء بوسطن التابع وقتئذ لمستعمرة ماساشوستس عندما قام المستعمرون (500 أمريكي) برمي حمولة السفن الانجليزية من الشاي في المياه احتجاجا على الضرائب التي فرضها البريطانيون.
quot; ثورة الشاي quot; كانت الشرارة التي قادت أمريكا إلي الاستقلال عام 1776، حيث عمت هذه الثورة معظم أنحاء الولايات المتحدة، وانضمت النساء إلى الرجال، وتوقفن عن حفلات شاي العصر، على الطريقة البريطانية، ولأكثر من مائتي سنة، أصبحت quot; ثورة الشاي quot; حدثا تاريخيا.
مؤخرا، وجد تيار اليمين داخل الحزب الجمهوري ضالته في هذه الحركة، ونجح في توظيفها في الانتخابات التمهيدية التي تجري الآن تمهيدا للانتخابات النصفية في نوفمبر 2010، من أجل الثأر من الرئيس أوباما وإصلاحاته الاقتصادية، حيث استدعت الأزمة الاقتصادية العالمية تدخلا حكوميا غير مسبوق في الاقتصاد وذلك عبر حزمة الإنقاذ الاقتصادي التي أقرتها الحكومة لدعم البنوك والشركات التي كانت على وشك الإفلاس.
الانتشار الواسع والسريع الذي عرفته حركة حفلات الشاي يعود إلى استخدامها الكثيف لوسائل االإعلام والتكنولوجيا، مثل الصحف والمجلات القريبة من معسكر المحافظين، بالإضافة إلي quot; فيس بوك quot; وquot; تويتر quot; وquot; ماي سبيسquot; وquot; البلوغرز quot;، وقناة quot; فوكس نيوز quot; تحديدا، ويكفي أن تضع الحركة علي موقعها الإلكتروني بعض التكليفات لأعضائها - الذين يتزايدون كل يوم - حيث توجد خريطة لـquot; جوجل quot; بالمدن والأماكن التي ستشهد المظاهرات المؤيدة لأنصارها، حتي يزحف الآلاف كأسراب النمل الأبيض يلتهمون خصومها وهم يحتسون الشاي!

هل نشهد ظاهرة جديدة في عالم السياسة، تتجاوز التنظيم الحزبي التقليدي إلي الحركات الشعبوية الأكبر، المأزومة اقتصاديا ولديها فائض ديني؟.. هل أخلت الإيديولوجيا بالفعل دورها للدين بما هو quot; روح عالم بلا روح quot;، حسب تعبير ماركس؟