عامان فقط من وصول الرئيس أوباما إلي سدة الحكم في البيت الأبيض، واستطاع الحزب الجمهوري بسهولة أن يوجه له وللديمقراطيين quot; ضربة كتف قانونية quot;، بعد نجاحهم في السيطرة على مجلس النواب الأمريكي في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، التي أجريت يوم الثلاثاء الماضي .

نجاح الجمهوريين كان متوقعا ليس بسبب أخطاء الرئيس أوباما فقط، وإنما لأنهم بذكاء شديد (شيلوه شيلة) السياسات الخاطئة للرئيس السابق quot; بوش الإبن quot; أو الثاني .

خارج الاقتصاد والأوضاع الداخلية الأمريكية، يصبح الكلام عن هذه الانتخابات ونتائجها في المستقبل المنظور، مجرد (فانتازيا)، خاصة وأن نسبة البطالة لم تتحرك عن 9.6 %، مما يؤكد عدم تعافي الاقتصاد منذ الأزمة المالية العالمية .

الملياردير المخضرم quot; جورج سوروس quot; تنبأ بنجاح الجمهوريين في مقال بعنوان : (فضيلة سابقة لأوانها) ndash; 5 أكتوبر 2010 - أكد فيه : أن إصرار إدارة أوباما علي الاصلاحات المالية لا تمليه ضرورة مالية، بل اعتبارات سياسية.

ويكمن الخطأ ndash; برأيه - في الكيفية التي تبنتها إدارته في إنقاذ النظام المصرفي: فقد ساعدت البنوك في الخروج من المأزق بشراء بعض أصولها السيئة وتزويدها بأموال رخيصة، وكان ذلك أيضاً راجعاً إلي اعتبارات سياسية: إذ كان من الأجدي والأكفأ أن يتم حقن البنوك بأسهم جديدة، ولكن أوباما امتنع عن ذلك خشية اتهامه بالتأميم والاشتراكية.

حركة حزب الشاي - Tea Party استغلت حالة الاستياء العام للشارع الأمريكي، ليصبح أوباما منذ الآن فصاعدا في موقف دفاعي، حيث يشن الجمهوريون حملة شعواء ضد أي محاولة أخري للتحفيز، وتصبح إدارته علي الدوام مضطرة للحديث عن الاصلاحات المالية، رغم إدراكها أن خفض العجز قد يكون سابقاً لأوانه .

خطورة هذه الحركة التي أصبح لها مؤيدون بالملايين (وكتبت عنها مقالا في إيلاف بعنوان quot; روح عالم بلا روح quot;) في انعاشها للنزعات اليمينية والعنصرية، و(انقلابها) علي التوجهات الانسانية المفتوحة التي جاءت بالرئيس أوباما إلي الحكم، وهي تطعن باستمرار في شرعية الرئيس أوباما نفسه، تارة بالادعاء أنه quot; مسلم quot; وتارة أخري (وبشكل مستتر) أنه quot; أسود quot;، وتارة ثالثة كونه اشتراكياً متخفياً .

السياسة الخارجية للولايات المتحدة ستتأثر حتما بنجاح الجمهوريين، ليس يسبب تغيير رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس، وإنما لأنها ستتجه إلي خفض الانفاق العسكري في أفغانستان، وما يعزز الاقتصاد الأمريكي في الخارج ويدعم العلاقات التجارية مع الصين والهند، إذ أن جولة الرئيس أوباما خارج الولايات المتحدة، والتي يزور فيها كلا من: الهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية واليابان، هي الأطول منذ انتخابه رئيسا، وتستمر ثمانية أيام من 6 - 14 نوفمبر الجاري .

مصير التجديد للرئيس أوباما في العام 2012، يحتاج إلي معجزتين : الأولي حتي يخرج من الأزمة الاقتصادية بأسرع مما يمكن . والمعجزة الثانية حتي ينجح في افغانستان والعراق (50 ألف جندي أمريكي خارج المدن العراقية) وفي التعامل مع ملفي الشرق الأوسط والنووي الإيراني .

الجديد هو عودة التهديد بضرب إيران، وتسليط الضوء علي quot; يهودية دولة إسرائيل quot;، وكلفتة الحقوق الفلسطينية والعربية، مع نجاح أشد المؤيدين لإسرائيل . ورغم أن أوباما قد تراجع مبكرا عن مواقفه المعلنة من الاستيطان، فإنه سيظهر مساندة غير مسبوقة، وربما يطلب من الفلسطينيين الإعتراف بيهودية الدولة نظير حصولهم علي المساعدات الأمريكية .

الصور التي نقلتها مصافي وسائل الإعلام، لأعضاء منظمة (إيباك) الأمريكية الإسرائيلية، وهم يتبادلون الأنخاب والتهاني، احتفالا بفوز المرشحين المؤيدين لإسرائيل من الحزبيْـن الجمهوري والديمقراطي، أبلغ دليل علي ذلك، وأكثر .

مقولة الداهية quot; مايكل ماندلبومquot;، أستاذ السياسة الخارجية الأمريكية بجامعة جونز هوبكنز، عن الوجود العسكري الأمريكي في العراق، يمكن ان تنسحب (بتصرف) علي معظم الملفات الخارجية للولايات المتحدة، يقول : quot; إن السعي إلي فض اشتباك بين شخصين أمر، ومحاولة فض الاشتباك في مظاهرة أمر آخر، ففي الحالة الأخيرة يجرفك التيار إلي قلب المظاهرة quot;. ولذلك كان يتعين علي الولايات المتحدة أن تدقق هذا السؤال : هل ما يجري في العراق (والشرق الأوسط الكبير) مجرد اشتباك يمكن فضه بالتدخل، أم أنها مظاهرة عارمة يتعين إحاطتها بسور والانتظار حتي تستنفد قوتها ؟.. المقصود طبعا بالإجابة عن هذا السؤال هو quot; بوش الثانيquot; وليس quot; أوباما الأولquot;، وهنا مكمن المشكلة !

[email protected]