الركائز الأساسية للتغييرات الجذرية

الحلقة الأولى

إن الحاجة العربية باتت ماسة اليوم، للالتفات إلى جملة من الركائز الأساسية التي لابد من التفكير بها، وفي ما يمكن فعله داخليا، بعيدا عن التوهم بأن إصلاح البيوتات العربية لا يمر إلا من خلال مؤسسة الجامعة العربية، كما صفق لذلك المسؤولون العرب ومعهم أمين عام الجامعة، فاغلب تلك quot;البيوتاتquot; تبدو خربة، بحاجة ماسة إلى هدم موسّع لكل الأطلال العتيقة والبنى المنهارة.. والبدء بإعادة البناء بدءا بالإنسان بتغيير أسلوب تفكيره، وتجديد أسلوب حياته ومعيشته، واهم ما نودي به أيها الزعماء والمسؤولون أن تعملوا على حفظ كرامة الإنسان في بلدانكم، ليس بتوفير ما يسد به رمقه وضروراته فقط، بل بمنحه حرياته وحقوقه الإنسانية كاملة في العمل والسكن والصحة والتعليم .. واحترام وجوده وأفكاره ومعتقداته من خلال تربيته تربية جديدة، تتلاءم مع نظم دولة مؤسسات لا دول رعايا، وتطوير في الخدمات والإدارة ضمن القانون.. كي تنفتح حالات جديدة يمكنها أن تتلاقى عربيا على أساليب مشتركة من دون أن تكون متحدة أو لا تكون.. وان لم يتغير تفكير المجتمع تغيرا جذريا في كل بيت عربي وكل مدرسة وجامعة ومؤسسة ودائرة ومصنع وحقل وثكنة.. الخ، فان حجوم المشكلات ستبقى كبيرة وثقيلة وتتفاقم أخطارها يوما بعد آخر. ويمكنني أن أعيد تحديد بعض الركائز الأساسية للتغييرات الجذرية:

اولا: تغيير الاوضاع السياسية ضمن خطة بيروسترويكا عربية
أقول: انه لابد من توفير قدر واضح وفعال من الشرعية والدستورية والشفافية والحريات العامة والسياسية وتوفير القدر الكافي من بيروستريكا عربية بشراكة الحاكم والمحكوم.. السلطة والمعارضة.. الدولة والمجتمع.. كنّا قد نادينا بها منذ نهايات القرن العشرين، من دون أي استجابة حتى هذه اللحظة.. وهي تبدأ فعلا من كل بلد عربي يحتاج إلى تغييرات حقيقية قبل أن يجرفه التغيير من خلال الفوضى ـ لا سمح الله ـ كما حدث في اكثر من مكان عربي، او تجتاحه الثورة من خلال الشعب اجتياحا كبيرا.. انها نصيحة أسديها لكل الزعماء العرب الذين لم يعد بمقدورهم ان يسمعوا الا لبطانتهم وحواشيهم ومستشاريهم واغلبهم من المنتفعين والمتسلطين او من الأعوان البلهاء والمتخلفين ! على الزعماء العرب البدء بالتغيير تغييرا جذريا في سياساتهم، ويفككوا منظومات سياسية وحزبية وأمنية قديمة لم تعد صالحة اليوم للتعامل مع هذا العصر.. عليهم بدساتير جديدة، ومنح حريات أوسع، وفصل سلطات أكثر، ومحاربة كل الفساد السياسي والمالي.. وان لا يكون هناك احتكار للسلطات.. والكفّ عن التنطع والتحدث باسم المبادئ والتاريخ والشعارات المخدرة الرنانة..

ثانيا: التغيير: تحصيل تاريخي حاصل
إن التاريخ الزعاماتي العربي المعاصر قد علمنا من خلال مؤتمرات القمة العربية الفاشلة، إن ما يقوله الزعماء العرب لا ثبات فيه أبدا.. فهم يقررون ويشجبون ويعارضون ويبادرون وينددون وتتكلم الصحافة العربية عن الانتصارات، وتتنطع الفضائيات بالتصريحات، وتصفق البرلمانات ومجالس الشورى بمنتهى البلادة والغباء عن المواقف المبدئية والشجاعة العنترية والقيم القومية ثم يبدأ مسلسل التنازلات. فما علينا إلا أن نحترم أنفسنا ونعمل بأنفسنا على أن نغّير ما بأنفسنا بما يضمن تجديد الدماء ليس في السياسة العربية الكاذبة، بل في كل مفاصل الحياة العربية بعيدا عن كل مانشيتات القرن العشرين. إن الدول العربية يا زعمائنا الكرام بحاجة ماسة الى مشروع بيروسترويكا عربية منذ هذه اللحظة، والا فالتغيير تحصيل تاريخي حاصل، وستنفذه قوى المجتمع الحية.. لا اعتقد أن أغلبكم قادر على تحمّل قوته وتأثيره كونه سيمنح المجتمعات قوة وطاقة ونفوذا على حساب سلطاتكم ونفوذكم ومؤسسات حكمكم، انه مشروع يقوم أساسا على استحداث برامج جديدة في السياسة الداخلية بدل التصلب الذي لن يجدي نفعا بكل أساليبه في القمع والسيطرة التي مورست طويلا.

ثالثا: تغيير التشريعات والقوانين وثورة المعرفة
لا يمكن أبدا أن تبقى مجتمعاتنا أسيرة السلطات العربية، إذ لابد من جعل دولنا العربية في خدمة مجتمعاتنا.. وتشريع قوانين قوية جدا في تغيير كل ما يتعلق بحياتنا في كل بيوتاتنا التي يأسف عليها العالم المعاصر أن تعيش بمثل هذه الأحوال وهي تمتلك إمكانات هائلة من القدرات والثروات. أيها الزعماء العرب: أمتكم بحاجة إلى تبديل كل قوانينها بما يضمن تسهيل حياتها، فالقوانين كلها اليوم غدت قديمة وغير متجددة مع القرن الواحد والعشرين.. أمتكم بحاجة إلى تغيير فعلي لكل المناهج التربوية والتعليمية التي أكل الدهر عليها وشرب.. ومنذ سنين نطالب بذلك ولا حياة لمن تنادي.. أساليبنا العتيقة أنتجت، أو أنها أعادت إنتاج كل ما نجده من التخلف والركود والماضوية والظلام، بل وساهمت بعض مناهجنا، ولم تزل، في صناعة الإرهاب والإرهابيين.. وانتم جميعا أدرى بأطوار نموه ولم تزل حواضنه منتجه حتى الآن لأنكم تخشون منها كثيرا!

رابعا: هل من اجراءات جديدة من اجل المرأة والاطفال؟
إن بلدانا عربية عديدة بحاجة إلى تطوير نظم الخدمات والبلديات والإسكان والضمان الاجتماعي وإخراج المواطنين من أزماتهم التي أثقلت كواهلهم منذ ثلاثين سنة ! عليكم بإصدار قوانين تحارب الفساد، وتسن قوانين محاسبة المخطئين ! عليكم بالمرأة، وتوفير فرص الأخذ بيدها من خلال إصدار قوانين تقف إلى جانبها للحفاظ على حقوقها كانسان، ومن اجل كرامتها التي تمتهن في مجتمعاتنا علانية عبر وسائل الإعلام.. المرأة العربية مسحوقة، وهي نصف مجتمعاتنا قاطبة.. وقد شهدنا فصولا بطولية وإبداعية لها ومشاركتها الرجل في رفض الواقع المتهرئ حتى في الشوارع الامامية وليست الخلفية.. وهناك إلى جانب المرأة نسأل عن حقوق الأطفال ورعايتهم وتكوينهم علميا ومعرفيا ومهنيا.. إنهم مادة المستقبل وهم عناصر تكوينه الأساسية، فماذا أبقيتم لهم؟ والى متى ينسحقون من معاناتهم عبر خمسين سنة من الممارسات البدائية والتربويات العقيمة وترسيخ الأمراض النفسية في دواخلهم؟

خامسا: هل من معالجة للمافيات الاعلامية ومخاطرها؟
انني لا اعتقد ابدأ أن السلطات العربية ستحرر الإعلام العربي من ادرانه، فالإعلام غدا جزءا من ثورة الميديا المعاصرة في العالم اجمع، ولكن المجتمعات ستكون مسؤولة عن تحريره من قبضة ليس السلطات، بل المافيات الجديدة ! وليعلم الجميع ان المافيات الجديدة هي التي تقود هذا quot; الإعلام quot; المتصادم والتحريضي، ولها علاقاتها مع سلطات وسياسيات وأجندة دول معينة.. فهل سترى الأجيال القادمة من يرعى هذا الميدان الخطير؟ وهل سيقف على علاقات بعض أجهزته بزعماء ومسؤولين ومنظمات إرهاب..؟

سادسا: تغيير انماط الحياة الاقتصادية العربية:
ان مجرد الاختلاف على وثائق هزيلة يعدها اناس متخلفون يضّيع من الزمن الثمين، وسوف يبعدكم عن الهدف الذي لابد أن تسعوا إليه من اجل بلوغه بمنتهى الذكاء، وخصوصا، عندما يتم الاعتماد على مشروع عربي مشترك من اجل التغيير الجذري لا من اجل إصلاح الرتوق ! إن عصرنا اليوم يطالبكم أن تنظروا إلى المستقبل وتحدياته، وثقوا أن أية خطوات عملية وفعالة في اقتصادياتكم وميادينكم الإنتاجية سيساعد إلى جانب ما توفرونه من قوانين فقهية جديدة تتطلبها المقاصد الجديدة للقرن الواحد والعشرين.. بحل كل المشكلات المتعلقة والموروثة من عهود مضت. إن خلق منظومة اقتصادية عربية ليس أمرا سهلا سيتحقق بين ليلة وضحاها، انه سيستغرق وقتا طويلا، ولكن سيكون سريعا في حركته ! وعليه، فان المطلوب من الزعماء العرب أن لا يضيّعوا وقتهم الثمين في مجرد تمنيات لا تتحقق أبدا ! إن الحاجة الماسة أيها الزعماء العرب ومن اجل خلق نظام اقتصادي عربي جديد العمل على تجديد كل مبادئ وتغيير بنود النظام الداخلي لجامعة الدول العربية، كي تخرج للوجود منظومة حيوية تمثّل حلقة وصل حقيقية بين الأعضاء لا منظّمة ميتة لا تعرف إلا ترديد الشعارات القومية.. وعليه، فلابد من معالجات سريعة وقاطعة تعطي أثرها حالا. واعتقد أن هذه المطالب شعبية ونخبوية عربية قبل أن تكون اشتراطات أجنبية، أو هكذا وصفت من قبل النظم العربية المتكلسة والمتحجرة!

واخيرا: مطلب من اجل المستقبل
انني اذ اختتم هذه الدعوة لكل الزعماء العرب الكرام الذين يلقي الجميع اليوم عليهم تبعات ما يحدث كونهم من المسئولين القائمين على شأن هذه (الأمة )، وهم يعلمون علم اليقين حجم المعارضة العربية لسياساتهم الراهنة.. وان يقوم الزعماء العرب بزرع علاقات جديدة في ما بينهم وبين شعوبهم ويوفروا القسط الأكبر من الحياة الكريمة لها ويعملوا على تغيير طواقمهم من الأتباع والمستشارين والحواشي والاذناب بالاعتماد على شخصيات براغماتية وتوكنوقراط من المختصين والأكفاء والنزهاء المخلصين الذين يتفهّمون مجريات ما يحصل اليوم. وان يبدأ الحكام العرب بتنفيذ ما يقولونه ويذيعونه ليكسبوا ثقة العالم، وأطالبهم بإدانة الإرهاب والعمل للحدّ من قتل الأبرياء في كل هذا العالم.. وان لا تأخذهم العزة بالإثم ان اعترفوا بأخطاء ارتكبوها، وان لا يعترضوا على كل ما يأتيهم علنا ويوافقوا سرا على أي مبادرة أو مشروع يأتي من الآخرين أو من الخارج.. أتمنى لهذه البيوتات العربية التقدم وتحقيق الفرص السانحة، وان لا ننتظر حلولا للمشكلات الكبرى، بل البدء بداية حقيقية جديدة لصنع تاريخ جديد يتعامل مع عصر جديد.. فهل سيحدث ذلك بمنتهى السهولة؟ إنني اشك في ذلك، فمن الصعب جدا ان يخرج العرب بمثل تفكيرهم السياسي السائد من دوائرهم اللولبية القديمة التي ما زالوا يدورون معها، ولكن الى الخلف من دون استقامة الطريق ويا للأسف الشديد ! لكن ليس لنا إلا أن ننادي من اجل صنع مستقبل جديد لمجتمعات عريقة ومدنية يأكلها الخراب ويفنيها التعصّب وتغزوها الكراهية.. جراء التخّلف السائد في كل الحياة العربية. إنني أناشد كل الزعماء الذين لم يقدموا يوما شعوبهم على حكوماتهم.. ومصالح المجتمع قبل مصالح الدولة.. ومصالح الوطن قبل منافعه الشخصية.. أناشدهم ان يعلنوا عن اية إستراتيجية حقيقية للتغيير كي يبدأ العمل بها قبل وصول الإعصار..

www.sayyarajamil.com