تختلف مواقف العراقيين حول مصير سكان أشرف، وثمة قصص وحكايات متضاربة عن دورهم في انتفاضة 1991 العراقية، ما بين ناف للمشاركة في القمع كالسياسي الشيعي إياد جمال الدين ووفيق السامرائي [كان مستشار السيد رئيس الجمهورية حتى سنوات قليلة مضت]، وما بين شهادات مناقضة.
أيا تكن الحقائق بهذا الشأن، فإن ما لا يجب الاختلاف عليه هو أن سكان أشرف- وبينهم مئات الأطفال والنساء- هم لاجئون، وبلا سلاح منذ ان نزع الأميركيون سلاحهم عند دخول العراق. وعندما سلمتهم القوات الأميركية للحكومة العراقية، فإن هذه تعهدت بمراعاة القانون الدولي والاتفاقيات الدولية حول حماية اللاجئين السياسيين. وقد تدخل البرلمان والاتحاد الأوروبي وبعثة الأمم المتحدة مرارا لدى الحكومة العراقية لضمان حل سلمي ومقبول لقضية تواجد المعسكر في العراق؛ إلا أن الضغوط الإيرانية المتزايدة على حكام العراق دفعتهم مرتين، عام 2009 وهذه السنة، لشن عمليات عسكرية مسلحة دموية على سكان المعسكر المنزوع سلاحهم وقتل العشرات منهم وجرح المئات- فضلا عن مواصلة حصارهم، ومنع دخول حتى الأدوية إليهم. وفي10- أبريل الماضي أعلن الكولونيل باري جونسون، المتحدث العسكري الأميركي في العراق، بما يلي: quot;قدمنا طلبا لتقديم مساعدات إنسانية طبية للمقيمين في معسكر أشرف إثر مواجهات الجمعة مع القوات العراقية، لكن الحكومة العراقية رفضت طلبناquot; [الشرق لأوسط في 11 أبريل 2011 ]. وكان الهجوم العسكري العراقي قد قتل في تلك المواجهات 33 من سكان أشرف وجرح 325 .
وأذكر، وخلافا لما يكتب بعضهم، أن بقية أطراف المعارضة الإيرانية من القوى الديمقراطية واليسارية قد أدانت الحملتين على سكان أشرف برغم الخلافات السياسية بين كثيرين منهم وبين مجاهدي خلق. فالطبيعة السياسية لمجاهدي خلق، المتهمين مرة بالماوية واليوم بالستالينية المتشددة، لا يمكن أن تبرر الصمت عن جرائم العدوان على المعسكر- ناهيكم عن تبريرها، ومواصلة أبلسة المعسكر ومجاهدي خلق، ونذكر أيضا أن إيران لم تتهم سكان المعسكر بالقيام بأية عملية مسلحة داخل أراضيها مثلما تتهم جماعات إيرانية مسلحة في العراق، أو كما تتهم تركيا منظمة حزب العمال. أما عن مواصلة وجود أو عدم وجود هؤلاء في العراق، فيجب حل إشكاليته باحترام الاتفاقات والمواثيق الدولية، وبالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجانب الأميركي. وهذا يتطلب من الحكومة العراقية تسهيل المهمة بالسماح لبعثات هذه الأطراف بدخول المعسكر، ورفع الحصار، وتفقد البعثات الدولية للسكان، والاستماع لوجهات نظرهم ومواقفهم. وهو ما رفضته حكومة المالكي باستمرار؛ مثلما رفضت طلب بعثة الكونغرس التي أثارت عليها الحكومة زوبعة في فنجان وأمرت بمغادرتها البلاد.
وأقول لمن ينهكون أنفسهم في تجريم سكان اشرف وتنظيمهم إن ما يجب أن يهمنا كعراقيين هو، من جهة، سيادة العراقي على أراضيه، ومن جهة أخرى احترام الحكومة لحقوق الإنسان واللجوء السياسي وإدانة كل عدوان على لاجئين عزل، وأيا كان الراي عن ماضيهم. أما هذا الماضي في العراق، فلابد أن ياتي يوم تفتح فيه كل السجلات، في أجواء موضوعية ومحايدة ومنصفة، عما جرى أيام الحرب مع إيران، وكيف سلحت إيران مجموعات وأحزابا ومليشيات عراقية للمشاركة في الحرب ضد الجنود العراقيين وتنفيذ عمليات التخريب داخل أراضينا، وكيف استغل صدام مجاهدي خلق، وكيف استغلوا الفرصة لشن عمليات من العراق ضد القوات الإيرانية داخل إيران. كذلك فتح سجلات ما جرى حقا في أيام الانتفاضة الآذارية [شهر آذار ndash; مارس1991]، التي لولا التدخل الإيراني، الذي أرعب الجيران العرب وأقلق الأميركيين، لكان من بإمكانها إسقاط النظام الصدامي.
إن لكل أمر وقته، ومجاله، ويجب التمييز بين هذا الماضي أو طبيعة منظمة مجاهدي خلق المتهمة بالستالينية، وبين استخدام القوات العسكرية العراقية والمليشيات الحزبية، مع عناصر فيلق القدس، لتقتيل وتجريح سكان عزل، ومنع الأدوية وزيارات العائلات عنهم، واستمرار تهديدهم من وقت لوقت.
بعبارة واحدة، علينا عدم نسيان الجانب الإنساني في المشكلة، وألا ننساق وراء اعتبارات سياسية معينة لتبرير انتهاك الأعراف والمبادئ الإنسانية العالمية، ما دمنا من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان ونحرص على انتصارها في العراق.